Culture Magazine Thursday  11/03/2010 G Issue 301
مراجعات
الخميس 25 ,ربيع الاول 1431   العدد  301
 
على حافة الصمت
سعد البواردي

الصمت حكمة. وقليل فاعلها.. مثل.. وآخر يقول: إذا كان الكلام من فضة فالصمت من ذهب.. شاعرنا على حافة الصمت. لم يتركه ولم يغادره إنه بين بين.. بين من يستهويه الصمت ومن لا يقدر عليه.. إنه على الحافة.. لماذا اختار هذا المكان المبرز في.. هذا ما سوف نستبينه ونحن نقرأ معه ديوانه في مقاربة بين الدنو والابتعاد..

لا أرى صمت بل صوتاً عالياً وهو يطبع قبلة حرى على جبين وطنه:

نُحبك ما حييتَ وما حيينا

وساماً تحتويك وتحتوينا

ونبض خافقاً بين الحنايا

وبين شفاهنا حقا مجينا

نقبل وجهك الممهور طهراً

ونخلصك المنى عسرا ولينا

نحبك راية خضراء تسمو

يميزها الهدى دينا ودينا

أنت بهذا النشيد الوطني الجميل مزقت شعار الصمت بصوت قلمك حتى لم يبق منه شيء.. هات ما في جعبة قصيدك من صمت بليغ.

(على حافة الشرق) على غرار حافة الصمت وقّع لنا بقيثارة نغماً مختلطاً بين تساؤله واستجوابه وجوابه..

عُقدتْ. أن تعقد. ما الفرق؟ فالبيعة عُقدت من قبل

لهولاكو العصر على المشرق! ما الفرق؟

وقد خرجت من جسد المقتول الروح

بسكين الفوقة! أو أعدم خطأ بالشنق. ما الفرق؟

يسترسل في بحر تأملاته وهو يرى عبث الحياة المعاصرة من حوله على مسرح الأحداث.. واضعاً اصبعه على الجرح: وعلى دُمّل التفاوض المسكون بالفوضى!

يكفينا أنا نتفاوض. نفاوض. نتنازل كي نبقى فنكافأ بالرفض.

ويتذكر جريمة اغتيال الشهيد الشيخ أحمد ياسين بيد الجلادين.

بالأمس تهاوى جسد الشيخ المقعد كشهاب في كبد الليل

أما الشيخ فقد أثر أن يلقى الله قرير العين

ماذا أيقظ فينا صوت الشيخ؟!

يكفينا عقدا خمسون سراباً من تهدئة الوضع وإرهاب السمع.

زد الخمسين سراباً عشرة أعوام سرابية.. وما زال في رصيد السراب من بقية.

بعد قنابل الصوت جاءت سنابل الصمت..

سرى جناحاك هذا الليل واصطفتا

وأسرجا في هزيع اللوعة الأفقا

وأودعا اللبيد أسراب المنى جزعا

وكفنا في سماء الغاية الألقا

وكأنه كان قاص الأثر لا قاص شعر:

هذي الصحارى/ المدى آثار قافلة

صوت هوادجها تستنطق الطرقا

فاكتب على جسد التاريخ تذكرة

إذ حان بينك والسبع الشداد لقا

وخذ على قدر هذا الجرح أسئلة

واشعل البوح في عمق الدجى شفقا

لسنا نتذمر. والآهات مشرعة

بقدر هذا الذي قد بيع أو سرقا

وتستفزه لذة المكان.. وغدر الزمان.. وهو أن الإنسان فيصرخ بملء فيه:

يا سافرا من سبات في حناجرنا

وراء على كل من في زعمه مرقا

الصمت أقوم قيلا من تجشمنا

حبك البيان الذي في مهده نفقا

كل شيء في جعبة شاعرنا في انتظار الموت حتى الأغنيات:

ما الأغنيات سوى نزيف جراحنا الغرقى فغنوا!

إن الغناء زراعة الباكين عند مشارف الحلم الكبير

غنوا. فإنا موشكون على اقتحام النشوة الكبرى على وتر الفجيعة

طبتم مساء أيها اللاهون فوق مضاجع النسيان

لكما السحاب يهمش. والأغصان. والرياح تغشاكم منعمة مطيعة

طبتم.. وطاب مساؤكم..

ليس هذا مجرد صوت.. إنه قصد يهز أجساد المقعدين ليركضوا.. وما هم براكضين لأن رمضاء الحياة لا تقوى عليهم أقدامهم الحافية.

قبل أن تصحو الضمائر.. سبر الآفاق من حوله.. سحب الليل تغطي مصابيح السماء. المتاهات تبتلع ما حولها.. الصمت المطبق يكتم الأنفاس!

آه.. ما أصعب أن تعرض أرضك. عرضك هكذا دون مقابل.

غير أن تحظى بعيش صاغر بين القبائل!!

أي رغيف غيش ثمناً لحرية وطن. وإرادة حياة.. بل أقسى وأشقى من هذا..

آه ما أصعب أن تضرع للقاتل أن يعفو عن أبنائك

الباقين. والماضين في الطابور.. (أنشودة ثائر!!)

هذي الأعشاب ألقاتها الرياح بذور شر في صخور القدس

من شتى المعابر.. وعدت بالموت من قبل

فجاءت تتلوى حول أعناق الشيوخ.

تمنح الأطفال كاس الموت جهراً قبل أن تسحو الضمائر

قبل أن ينتقل الصبر حذاء عربياً ويغادر..

الضمائر ممدة في توابيتها تنتظر الدفن في مقابر الأموات..

شاعرنا المحلق بإبداعاته أخرجنا دون أن يدري أو يدري من دائرة الأحلام إلى أفق الآمال عبر خطاب أب لابنته:

بنيتي هذه الأعمار ترحال

وكلنا في سدى الآمال آمال.

عجبت من رحلة قسرا نباشرها

ويعترينا بها بؤس وإذلال

بنيتي أقبل دفنا بأوردتي

ونفحة في صحاري الروح تنثال

آه لما بي من وجود مسغبة

وقد تعاورت الأحوال أحوالُ

وفي خطاب عظة لا ينقصها الإفصاح:

بنيتي هذه الأعمار أودية

من العناء. وآهات. وآجال

ونحن فينا سراب لاهث وخطى

عجلى. وأفئدة وجلى. وترحال

ويتساءل.. كما لو أنه لا يدري:

هذي الشواطئ تنأى عن مراكبنا؟

أم صرفتها الليالي مثلما قالوا؟

أم غاب طيف الأماني عن مشارقنا؟

كل الأماني التي في المهد تُغتال؟

لي في شفاه المدى أصداء ذاكرة

تنأى مساواتها. والعمر إمحال

تخذتُ من كنكنات الأمس منطلقاً

وراق لي ما يسمى الغين والدال.

اختار الغد.. لعله الأفضل.. ومن يدري.

شاعرنا العفوي تشرفه السواحل.. ويستهويه موجها لغوص في نفس الشاعر:

أتيت إلى البحر الذي أنت مثله

تنادينني وجه المحبة والبغض

تمنيت أن لم يورق الصمت بيننا

ولم نبتدر وجه البراءة بالرفض

إلى أين والآمال محض ارتكاسة

لما يدعى من قبل بالأمل المحض!

حلمتُ. وأودعت الكرى. والثرى يرى

عذابي. وصمت البيد يصدعه نبضي

وعدت بماذا؟ بالشموع التي ذرت

كأن لم تكن بالأمس حالمة الومض

ذكرني ببيته الأخير بالبيت الشهير:

كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا

أنيس. ولم يسمو بمكة سامر..

شاعرنا محمد فرج العطوي أكد لنا حضوره في قصيدة حضور. لنقرأ.. ولنرى أي حضور كان يعني.ز!

سماؤك تأمرني أن أحب

فأحببت فيك الرضا والغضب

وأحببت من شفتيك الحروف

تغادر مرغمة.. نتتحب.!

تود البقاء على الضفتين

من السلسبيل النقي المرضب

كتبيك قافية عدة

نأي بهاء لشعري كتب؟!

لأنت السناء وأنت المساء

الذي يهبُ السحر فيها وهب

وأنتِ الحضور الشهي البهي

وموجة بحر طروب تثب

لا نطلب حضوراً أكثر من هذا يا شاعرنا الغريد..

لم نذهب بعيداً فمن حضوره إلى مناجاته.. تلاهما خطاب حضور لا غياب فيه.. ولا غيبة معه: حضوره الأول حضور حب. ومناجاته أيضاً حضور عقل أمام الرب جل شأنه يسأله الهداية والرحمة..

رباه غام الكون في أعماقي

وتساوت الآفاق في آفاقي

فرفعت كفي لوعة وضراعة

في هدأة الآهاب في أعماقي

غفرانك اللهم إن مدامعي

مجرى.. ومهبط أدمعي أوراقي

مَن لي سواك وقد تعثرت الخطى؟

والحزن قد أمسى أعز رفاقي

لا شيء بعد غيام الكون.. والآهات. والدموع والخطى المتعثرة غير الدعوات الضارعة لرب السموات.. هكذا دعانا ووعد بالاستجابة.

أبصر طائراً فوق أيلة لا حراك فيه.. أيقظه من ركوده:

دع الركود لغيرك

فأنت حر طليق

واصدح فكل حياة

بها انفراج وضيق

البشر شرفة نور

والحزن وادٍ سحيق

يموت في مشرقيه

المؤمن البريق

وايضاً الكسالى من البشر الذين يطلبون من السماء أن تمطر ذهباً دون حراكٍ أو سعي..

يأخذنا معه إلى الأمكنة.. نبحث عنها فما نلقى مكاناً موحد الأبواب.. إنه مكان واحد لا أكثر تعاقبت عليه عاديات السنون تحول إلى طلل.

شاخ المكان فأوصد الأبوابا

وحكت ملامحه لنا الأسبابا

عبرت نوافذه السنون سريعة

وتعاقبته الحادثات فشابى

فكأنما المندبات في جنباته فكر

على شرع البلى تتصالى

وكأنما ركز الزمان بساحة

قلما يدوّن صمت وكتابا

أعاد حنينه للبحر من جديد.. امتطى قاربه الشراعي.. وأبحر..

سنلتقي.! اين يا أنشودتي قسما

سيحتفي باللقاء الحبر والورق؟

متى أسري على الأفياء أسئلتي؟

بلا غباء أنا والجرح نستبق

متى أبرئ ساح البوح من سقمي؟

وأستعيد اشتعالاتي وأنطلق؟

فللت في بحرك اللجي أشرعتي

ولست أعرف ما الأمواج والفرق

سيوصلك بحر لا تملك الغوص فيه. ولا التجديف بقاربه.. وسيقول لك اسأل نفسك.. أنت تملك الإجابة لا أنا..!

في (جملته الاعتراضية) أنفاس. وإحساس يتأبطه خوف التردي..

علّقت في أنفاسها أنفاسي

في جملتين بضفتي قرطاس..

وعبرت بحر حروفها متأبطاً

خوفي. وإحساس الردى إحساسي

ألوي غباب اليأس نحو غيرها

وأعود يزكي حرقتي إفلاسي

بيني وبين مسائها أسماؤها

وسماؤها ونضوجها ديباسي

كل هذه الفوارق ولا نخشى كتم الأنفاس والإفلاس؟!

قدم تهدئة حب باقة ورد لمن يحب.. أو هكذا تخيل..

سلم الورد إذا سلمت واورق

وأتى العطر باهياً يتدفق

بحر عينيك كالمنى والحنايا

ليتني فيه.. رغم ما فيه.. أغرق

زورق أنتِ أفتديه بعمري

لو ذوى العمر في صناعة زورق

يوشك الموج أن يذيب ضلوعي

كلما ضج في الحنايا وصفق

بهذه القراءة المتأنية.. والتأملية لديوان شاعرنا الإبداعي محمد فرج العطوي (على حافة الصمت) استشعرت بيقيني المجرد أنني أمام موهبة شعرية كبيرة تغوص في أعماق الجمل الشعرية بكل اقتدار موظفاً في سرده المفردات دون تكلف.. مستغلاً خياله الخصب في رسم اللوحات وفق منهج هندسي يأخذ في اعتباره التوصيف المناسب.. والتوظيف المناسب للمفردات.. وللجمل المعبرة عن الموقف الوطني.. والوجداني. والتأملي.

أقول له.. وبكل صدق.. لقد منحني شعرك ومشاعرك وخيالك الخصب الثقة واليقين في أن لدينا طاقات لم تأخذ حقها في الظهور والانتشار الذي تستحقه.. كنت واحداً من هؤلاء الذين أعنيهم وأشير إليهم.. وجلهم من جيل الشعراء الشباب الذين على أكتافهم.. وفي كنفهم يتحدد مسار الشعر الواعي.. الواعد والواثق والمعبر بصدق عن أحاسيس النفس.. وخلجات الحس والذي لم يقدر على مثله شعراء سبقوهم تملأ صورهم صفحات الصحف والمجلات.. وأنا واحد منهم. (انتهى)

***

محمد فرح المعطوي

96 صفحة من القطع المتوسط

الرياض ص. ب 231185الرمز 11321 فاكس 2053338
/td>

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة