Culture Magazine Thursday  11/03/2010 G Issue 301
تشكيل
الخميس 25 ,ربيع الاول 1431   العدد  301
 
من الحقيبة التشكيلية
يوشك البعض أن يقع فيما وقع فيه الغراب
حالة تذبذب تفقد الساحة توازنها بين التقليد الفج وبين منح العمل هويته
إعداد: محمد المنيف

لا يمكن الاختلاف على أن الساحة التشكيلية السعودية لا زالت تتلمس طريقها وتبحث عن سبل التعرف على ماهيتها وكيف سيكون وضعها في المستقبل وهذا ما ننادي به ونبحث له عن الحلول، وأعني بالجمع في كلمة ننادي ونبحث كل من يهمه أمر الساحة وعاش ولادتها شاهدا على مراحل تطورها ومساهماً في دعمها بالرأي والعمل عبر اللوحة للارتقاء بذائقة المجتمع أو بالقلم لافتاً إلى أهمية الساحة وناقد لأخطائها ومقيما لمسيرتها وهذا ما يحفل به عمر الساحة وتاريخها إن صح التعبير مع أننا لا زلنا في أول الطريق مقارنة بمن سبقونا، وقد نمنح أنفسنا شيئاً من الثقة بأننا قطعنا مرحلة لا بأس بها من حيث نوعية الأعمال ومستوى وعي التشكيليين بمنجزهم والبحث عن سبل التعريف بهذا التحرك والإنجاز إلى أعين العالم.

هذه الثقة أيضاً يجب أن لا تتجاوز المنطق والمعقول كما يقال، ولئلا نقفز نحو مساحة أكبر من القدرة على التراجع منها في حالة وجود الخطأ أو عدم توافق ما كنا نطمح في الوصول إليه مع منجزنا طبقا للقيم والمبادئ التي قام عليها هذا المنجز باعتباره رافداً ثقافياً وجزءاً من بناء حضارة حديثة فتحت لها كل الآفاق.

من هنا يمكن أن نتطرق في موضوعنا لهذا الأسبوع عن ما يحدث مؤخراً في عالم الفنون التشكيلية عالمياً وما وصل إلينا من تأثير هذه الموجة التي أصبحت تشكل قضية تشغل بال المتابعين بما أحدثته من تخوف على هوية إبداعنا التي لا زلنا نبحث عنها.

مرحلة التسجيل والتوثيق

مرت بالساحة التشكيلية المحلية مراحل عديدة كان أبرزها توجه الفنانين في بداية ممارستهم لإبداعهم والتعريف به للمجتمع في أول خطوات انطلاق المعارض التشكيلية بمفهومها العالمي إلى اللجوء للواقع والطبيعة والنقل منها مباشرة ومن كل مظاهرها إن كانت طبيعة بما تتضمنه من مشاهد للصحراء ونمط الحياة فيها أو المناطق الريفية، أو العادات والتقاليد والفنون الحركية كالرقصات، حيث قام الفنانون في بداية تلك المعارض برسم القرى والأرياف والمجتمعات التي تعيش فيها وأشكال البناء والزخارف الشعبية التي تزدان بها تلك المباني على اختلاف المناطق والأعمال التي تمارس في القديم إضافة إلى المشغولات والصناعات اليدوية وما يضفي عليها من زينة، كان الحرفيون يتنافسون على إجادتها.

هذه المرحلة كان لها إقبال كبير من المشاهدين وزوار المعارض التي تقام في مواقع عامة يراها العامة على مختلف مستويات ثقافتهم ووعيهم بما تعنيه اللوحة، مما ساهم في قبول هذا الفن وبهذه الآلية وكان للعديد من اللوحات إقبال من بعض المقتنين ممن يرون فيها ماضيهم وذكرياتهم، ويحرص المشاهد والمقتني على أن تكون اللوحة مطابقة للواقع ويحكم على جودة الفنان بما يحققه من مطابقة للحقيقة ويغض الطرف عن الأقل مستوى بناء على ما تحمله ذاكرته البصرية ومختزله الباطني لهذه المشاهد، استمر هذا التوجه الذي وجد أيضا دعما من الجهات المنظمة للمعارض في ذلك الوقت لسببين: الأول تأكيد أهمية الموروث الشعبي والمظهر العام للبيئة في أن تكون جزءاً من العمل الفني المقدم للمعرض لإشاعة هذه الثقافة البصرية من خلال لغة مفهومة، أما السبب الآخر فكان لوجود هذه الرغبة والإصرار من التشكيليين على التنافس في إثبات القدرات الأدائية بينهم ظهرت بشكل جلي وتسابق الكثير على الدقة في التصوير وتسجيل الحالة واقعياً فأصبحت أقرب إلى أعمال عصر النهضة مع أنها لا تصل إلى مسافة يمكن وصفها بالمطابقة لأعمال أولئك الرواد.

التحرك نحو الذات واكتشاف الأعماق

لم يكن كثير من التشكيليين يعون أن هناك مسافات طويلة في أعماقهم يمكن الولوج إلى كنوزها الكبيرة في كيفية التعامل مع أي عمل فني، حيث كان التعامل سطحياً لا يتعدى الإحساس بالموهبة ممزوجاً بالاهتمام بالقدرات التقنية وإثباتها في العمل التسجيلي مما حجب عن مشاعرهم تلك الأعماق، هذا التعامل والتجاهل أخذ مرحلة ليست قصيرة إلى أن بدأ بعض الفنانين الرواد أمثال الرضوي والسليم وأحمد فلمبان وعبد الحميد البقشي ومحمد الصقعبي وعبد الرحمن السليمان وغيرهم ممن لا تتسع المساحة لذكرهم من التحرك نحو تجارب أخرى عربية وعالمية الصفة مع الاحتفاظ بالهوية والخصوصية المحلية فكانت تلك الأعمال بمثابة الانفتاح للآخر حيث أخذ هؤلاء في تقديم أعمال خارجة عن المألوف الذي اعتاد عليه المشاهد المحلي في جانب التقنية وسبل استلهام روح الموروث وسماته، بدأ هذا التوجه يظهر بشكل أكثر إصراراً على التغيير في السنوات اللاحقة قد تكون التسعينيات الميلادية الأبرز والأكثر حضوراً لهذا التوجه، الذي امتد بشكل أكبر في السنوات الأخيرة بعد أن فتحت للفنانين سبل الاطلاع وتقاربت أدوات نقل المعلومة والصورة مع ما تبع ذلك من اهتمام مباشر من التشكيليين بالحضور والمشاركة في كثير من المناسبات التشكيلية منها على وجه الخصوص.. بينالي القاهرة والشارقة أو حضور معرض أرت دبي وكريستيز المقامين في إمارة دبي أو ما يتم من أنشطة في أبو ظبي لقربهم من المملكة.

البعض بين الابتكار وتقليد الغير

بالطبع لا بد للحياة من تحرك وتبدل وتغير بناء على ما يتطلبه كل عصر وهذا الأمر ينطبق على الفنون التي لا تقبل الرتابة والبقاء على المعهود منها كونها نشاط إنساني يكشف قدرة المبدع على التكيف مع الجديد ويسايره ويتفاعل معه ويعبر بسبله الجديدة عن واقعه ويقدم وجبته الثقافية وفقا للزمان والمكان، ومن هذا المنطلق أصبح على الفنان البحث عن تجارب جديدة يكتسبها من الآخرين ويضيف عليها روحه وإحساسه من خلال تطوير أدواته ووسائطه المتعلقة بالخامة وتشكيلها وهذا ما نراه في الموجة الجدية في هذه المرحلة من مراحل النقلة في واقع الفن التشكيلي التي ترتكز على الفكرة اللماحة التي تشرك العقل في التفاعل معها وتجبر المشاهد على البحث عن أبعاد معنى العمل وتفكيك رموزه عوداً إلى ثقافة ومعرفة المشاهد بتلك الإشارات والرموز والإيحاءات التي لا تخرج عن الألوف بقدر ما تنبعث منه ولكن بصياغة وتشكيل جديد، ومع أننا جميعا لا نختلف على مثل هذا التوجه في الإبداع قبولا بواقع التحرك السريع وتمشيا معه فإن علينا أيضا أن نعرف موطئ القدم حتى لا نقع فيما وقع فيه الغراب حينما أراد تقليد الحمامة؛ إذ يجب أن نوجد خطوط رجعة وأن نحذر من أن نضيع الهوية والمرجعية الثقافية النابعة من محيط مليء بمصادر الفكرة والموضوع.

لقد أصبح مثل هذا التوجه في فنون الحداثة ومسمياتها من مفاهيمي وفراغي وغيرها وما يتوقع البعض أنها الأسهل والأسرع تنفيذاً وتعبيراً فإن في أبعادها ما قد يجرنا إلى آفاق لا يمكن أن نتجاوز مساحتها نحو تحقيق الهدف في ظل افتقارنا لمعرفة الهدف ذاته، ومن المؤسف أن ما يتم القيام به من بعض التشكيليين غير الواعين لهذا التوجه أو من لا يزال يجهل أن مثل هذه التطورات لم تأت من فراغ بقدر ما أتت من تجارب طويلة ودراسات وبحث عبر فترات زمنية أفرزن هذا المنتج المقنع ولنا أمثلة في أعمال بعض التشكيليين منهم.. فيصل السمرة وبكر شيخون من جيل الرواد وفي تجارب الشباب أيضا نجد أعمال مهدي الجريبي وزمان جاسم وعبد الناصر غارم وأحمد ماطر وغيرهم، هذا التوجه وتلك الأعمال تجمع الأداء الحديث والفكرة المتجددة، لكنها تبعث الخوف من أن تمتد إلى ما هو أبعد ونجد أنفسنا أمام أعمال نجهل أنها لفنانين سعوديين كما أصبحنا نراها في معارض عالمية ونفاجأ بأنها لفنانين عرب مع أنها لا تحمل أي إشارة أو ملمح بأنها من إنتاج فنان عربي ينتمي إلى ثقافة خاصة تستحق الاحتفاظ بها.

الفنون الحديثة يجهل البعض مفاتيحها

من هنا يجب أن يكون توجهنا لهذا التحرك الجديد الذي لا يزال غير مأمون ولا مستقر ويجد الكثير من الاستغراب عند المتلقي أو المقتني الباحث عن الموضوع الواضح بعيداً عن الرمزية والغموض دون عناء أو بحث في تفكيك معانيه فالأسلوب كما يقول (بيفون) هو البوصلة التي تدل المشاهد على إبداع الإنسان وتبحر بهذا المشاهد في أجواء تجمعها قواسم مشتركة بجديد المبدع وأسلوب التعبير لديه وبين قدرة وثقافة المتلقي الذي لايزال متهماً أمام الحداثيين في الفن بالأمية. وإذا عدنا لتلك الأساليب الجديدة باعتبارها أبواباً نحو مستقبل هذا الفن كما يراه أصحاب هذا الاتجاه الذي لا يمكن الاعتراض عليه في حال معرفة من يجد فيه مبتغاه أن يدرك كيفية فتح هذه الأبواب التي تشكل الأسلوب أو جوهر الإنسان المتمثل في لغته والمعبر عن مشاعره والبصمة التي تعفيه عن إمضائه على العمل الفني كما يشير (ماكس جوب) ولهذا علينا قبل أن نندفع في التقليد أو التبعية أن نعي أن ما نقوم به إما أن يكون عنواناً لنا أو أن نكون ناقلين وناشرين عناوين الآخرين بكل علاتها مع أننا قادرون على التمسك بهويتنا ومصادر إلهامنا والتعامل معها كعناصر رئيسة مع ما يمكن القيام به من جديد الأسلوب والخبرات التي سنشكل منها قوة واستقلالية ذاتية ونتحكم في كل ما عداها كما يقول (ارنست فيشر) في تعريفه الهوية أو الخصوصية.

وقد دأبت المعارض والمناسبات الأخيرة على أن يعلن موضوع المعرض ويترك للفنان اختيار الأسلوب كما هو معمول به في بينالي الشارقة أو معرض أرت دبي أو بينالي البحر المتوسط وغيرها على المستوى العالمي وهذا يدفع الفنان للبحث عن ابتكاره خصوصيته من بين بقية الأساليب.

الحيرة بين الذات والمشاهد

والحقيقة التي يمكن أن نختم بها موضوعنا لهذا اليوم هي في القضية الكبيرة التي يعيشها الفنانون العرب عامة والفنان السعودي على وجه الخصوص بما يعيشه من حيرة من أمره في البحث عن كيفية إرضاء الطرفين، الطرف الذي لا يقبل إلا ما يعرفه و الطرف الذي يتعامل مع الحداثة، فالأول أكثر طلباً بينما الآخر يعتمد على العرض دون اهتمام بالطلب وهنا مربط الفرس وهنا نقف مع من يبحث عن كيفية إمساك العصا من منتصفها فالفنان حينما يتجه إلى التعبير الحر والبحث عن جديد الأساليب التي وصلت به إلى الوقوف في مفترق الطرق بعد مشاهدته لأعمال تنتهي بنهاية العرض ومن ثم يقذف بها في حاويات الزبالة وبين أعمال تجد طريقها للمتاحف أو لمنازل الأثرياء أو تجميل المؤسسات الرسمية ومع ذلك كل يسير في فلكه دون تصادم أو تعارض.

monif@hotmail.com
/td>

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة