Culture Magazine Thursday  13/05/2010 G Issue 310
فضاءات
الخميس 29 ,جمادى الاولى 1431   العدد  310
 
أعراف
الطيورُ والتحليق!!
محمد جبر الحربي

كان تحليق السوانح والبوارح، خيراً وشراً، وفألاً وشؤماً، حتى جاء الإسلام فألزمَ كلّ إنسان طائرَه في عنقه، لينتهي جزر الطير.

أما في العصور الحديثة فقد دخل التحليق على كل الآداب والفنون، بل صار صفة لفعل الإبداع والتجلّي، وأخذت الطيور دور البطولة في كثير من الكتابات والروايات والأفلام والمسلسلات وأفلام الكرتون.

وقد ارتكزت معظم هذه الأعمال في بذرتها، وأفكارها الأولى على الكتب السماوية التي أوردت قصص النبي سليمان عليه السلام، وقدرته على فهم منطق الطير، واستماعه لحديث الهدهد، والنمل، أي بمعنى آخر قدرة الطيور والحيوانات على التعبير والحديث، ومن ثم كان الارتكاز على التراث الإنساني، كما في كليلة ودمنة لابن المقفع، وحي بن يقظان لابن طفيل، ومن ذلك شخصيات طرزان وروبنسون كروزو، ومؤلفات كمنطق الطير للعطار، ومزرعة الحيوان لجورج أورويل..

ونحن نرى الطيورمحلقة في سماء الرسم والنحت منذ الحضارات الأولى كرموز وأساطير: فنرى حضوراً للنسر لدى قدماء المصريين، وتتجسد في مخيلتنا العنقاء كما عرفها العرب، حيث تقول المعاجم: طارت، أو حَلَّقَتْ بِهِ عَنْقَاءُ مُغْرِبٌ: (مَثَل) يضرب لما يُئس منه، وهي كما عرّفوها: « طائر عظيم معروف الاسم مجهول الجسم، وأغرَبَ: أي صار غريباً، وإنما وُصِف هذا الطائر بالمُغْرِب لبعده عن الناس، ولم يؤنثُوا صفته لأن العنقاء اسمٌ يقع على الذكر والأنثى كالدابة والحية، ويقال: عَنْقَاءُ مُغْرِبٌ على الصفة، ومُغْرِبِ على الإضافة». كما قيل: سميت بالعنقاء لطول عنقها، أو لبياض فيه. وفيها كذلك: « طائِرٌ لم يَبْقَ في أيدي الناس من صِفتها غيرُ اسمِها»، والأرجح أنها متخيلة: « المُغْرِبُ طائرٌ لم يره أَحد».

والعنقاء هي فينكس لدى الإغريق، وتأخذ الأسطورة لدى المصريين بعداً آخر غير البعد الذي لدى العرب، من حيث تجدد العنقاء، بخروجها من النار والرماد كل مرة طائراً جديداً، يعود إلى الشرق أي إلى بلاد العرب.

كما نرى الطيور متجلية في الفنون الحديثة، فعلى سبيل المثال، نرى الغراب ينهش الأجساد والأعين في كثير من الأعمال، والحمام إمّا محلقاً داعياً للسلام، أوْ مذبوحاً كحال الفلسطينيين والعراقيين وشعوب كثيرة أخرى مقاومة لقهر الاحتلال، وجور الحروب، بريشة التشكيليين وفناني الكاريكتير.

وكذلك هو الوضع بالنسبة للشعر، والعربي منه خاصة، فأبناء الشاعر الحطيئة أفراخٌ جائعة في قصيدته الشهيرة:

ماذا أقول لأفراخ ٍ بذي مرخ ٍ

زغبِ الحواصل لا ماءٌ ولا شجرُ

والحمامة جارةٌ لأبي فراس الحمدانيّ في سجنه، وهي الطليقة، يبثها الحزن والمواجع، ويطلق هذه المفارقة البديعة:

أيضحكُ مأسورٌ وتبكي طليقةٌ

ويسكتُ محزونٌ ويندبُ سالي

لقد كنت أولى منك بالدمع مقلةً

ولكن دمعي في الحوادثِ غالي

وللقطا حضورٌ مميز في الشعر العربي، حتى لدى المتأخرين، فمن سجنه، وكأن السجن بيت الشعراء، يبكي المعتمد بن عباد للقطا الحر:

بكيتُ إلى سرب القطا إذْ مررنَ بي

سوارحَ، لا سجنٌ يعوقُ ولا كبلُ

ورغم الداء والأعداء، يسمو الشاعر عمر أبو ريشة كالنسر فوق القمة الشماء، هازئاً بالسحب والأمطار والأنواء، فيما هو يرنو إلى الشمس البعيدة..

ويطير الحمام ويحطّ، كما يطيرالحلم/ الوطن/ الحب ويحطّ، لدى الفلسطيني الغريب محمود درويش، فيما تطير الحمامات في ساحة الطيران رغم أن البنادق تتبعها لدى العراقي الغريب سعدي يوسف. هي الطيور إذاً.. محلقة في الواقع والخيال، حاضرة مع الإنسان في رحلته القصيرة العسيرة، بحثاً عن الحق والخير والجمال، ورغبةً في الانعتاق، والطيران، والتحليق بحرية!!

الرياض mjharbi@hotmail.com
/td>

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة