Culture Magazine Thursday  13/05/2010 G Issue 310
فضاءات
الخميس 29 ,جمادى الاولى 1431   العدد  310
 
واقع المكتبات العامة: غياب بعد إهمال
نورة القحطاني

نُقل عن سفيان الثوري قوله: "من يزدد علمًا يزدد وجعًا، ولو لم أعلم لكان أيسر لحزني". فعلا لو لم نعلم بحال المكتبات العامة لدينا لوفرنا على أنفسنا رحلة الكتابة عنها؛ فكل باحث وطالب علم يلجأ حتمًا إلى المكتبات العامة لإشباع تطلعاته المعرفية، وحاجاته البحثية والأكاديمية، ولكن هل تقدم مكتباتنا العامة هذه الخدمة للباحث؟ بل هل تقوم بدورها العلمي والثقافي المطلوب منها؟ وإلى أي مدى استطاعت أن تواكب التطور العلمي والتقني في محركات البحث، ونظم الخدمات المعلوماتية؟

كلنا يعلم أن المكتبات العامة في كل بلد هي مؤشر حضاري يدل على الحراك الثقافي والعلمي، بوصفها مصدراً من مصادر التعليم والتعلُّم، وقطاعاً مهماً في تنمية الموارد البشرية في مختلف المجالات.

لكني أتذكر حالة الحزن التي انتابتني عندما كنت أعدّ رسالة الماجستير قبل أعوام قريبة؛ فلجأت إلى مكتبة جدة العامة لعلي أحظى بمراجع علمية مهمة أفيد منها في بحثي، وتوفر عليّ عناء السفر إلى بلاد عربية مجاورة أبحث في مكتباتها عن حاجتي، وتوقعت - وأنا أتصل بتلك المكتبة - أن أجد من يدلني أو يساعدني على الاطلاع والبحث، ولكن الرد كان صادمًا حد الذهول؛ فالشخص الذي ردّ عليّ رفض مجيئي إلى المكتبة العامة، وطلب مني أن أرسل المحرم للبحث عما أريد؛ فليس هناك مكان للسيدات، ولا يُسمح بدخول النساء، وعبثًا حاولت أن أفهمه أنني باحثة وطالبة دراسات عليا وأنا من يعرف طبيعة ما أريد وليس المحرم! ولكنك لا تسمع الصم الدعاء، وأمام هذه المفاجأة قررت أن أخوض التجربة وفعلا طلبت من المحرم الذهاب إلى المكتبة بعد أن سجلت له قائمة بأسماء المراجع العلمية التي أريد استعارتها، وبعد جهد كبير للوصول إلى عنوانها وجدها في منطقة غير مأهولة بالحركة العلمية أو الثقافية، ولك أن تتخيل المبنى المتهالك الذي تقبع داخله كتب علاها الكثير من الغبار فوق أرفف غير منظمة، وفي غياب تام للنظام يعجز الباحث عن الوصول إلى ما يريد، فإن استفسر عن شيء فلا إجابة لأنّ الفهرسة تقليدية لم تستوعب أساليب الفهرسة الإلكترونية، أو استخدام الحاسب في نظم البحث المتقدمة، وبعد عناء البحث لن يحق لك استعارة الكتب بل تطلع عليها في المكتبة التي تخلو من أي وسيلة توفر جوًّا مريحًا ومناسبًا للقراءة، ولأنّي أنا المعنية بالبحث عجز المحرم عن الخروج بأي معلومة أو مرجع! فينتهي الأمر بكل الباحثين إلى شد رحالهم إلى البلاد العربية الشهيرة بمكتباتها الكبيرة والغنية بالمراجع والمصادر العلمية والفكرية، ولكن هل كل الباحثين والباحثات - بصورة خاصة - يستطيعون السفر؟

إنّ غياب المكتبات العامة عن أداء الدور الأساسي لها يرجع إلى العديد من الأسباب منها: قلة الوعي بأهمية القراءة للجميع، إلى جانب النظرة القاصرة لأهمية المكتبات في تكوين ثقافة معرفية متنوعة، إضافة إلى عدم سعي الوزارة المعنية بشؤون المكتبات العامة إلى الاهتمام بها وتطوير أدائها؛ فأكثر المكتبات العامة تفتقر إلى أبسط مقوّمات التقنية الحديثة، وقلة المرافق والخدمات بها صرفت القارئ عن ارتيادها أو الاستفادة منها؛ فأصبحت بيئة طاردة وخالية من القرّاء، ويشكّل هذا سببًا رئيسًا في عزوف الكثير منهم عن القراءة أو الاطلاع في ظل غياب البيئة المناسبة للقراءة، أو الجو المشجع عليها.. وعلينا أمام هذه الظاهرة - إن صح التعبير - أن نسعى لبناء مجتمع مثقف محب للقراءة عن طريق تفعيل دور المكتبات في نشر الوعي بأهمية القراءة، وهذا يجب أن يتوازى مع جهود الوزارة الرسمية في تأسيس المكتبات العامة في كل مدينة، وتزويدها بالتقنيات الحديثة في معالجة حفظ المعلومات ونشرها، لمواكبة الانفجار المعرفي الحاصل، والتقدم العلمي المتسارع في ظل العولمة التي لم تدع مجالاً إلا ولها فيه تأثير وتأثر، عندها فقط سنحقق أولى خطوات النجاح في تأسيس مجتمع المعرفة من خلال نشر ثقافة المكتبات التي تعدُّ رافدًا أساسيًا من روافد العلم والمعرفة؛ لتقدّم التعليم المستمر للأفراد خارج مؤسسات التعليم الرسمية.

قد يستغرب القارئ لِمَ هذا الحديث الآن عن المكتبات العامة؟ والإجابة عن سؤال كهذا تحتاج فقط إلى وقفة حقيقية على وضع كثير من مكتباتنا لمعرفة حجم الهوة الواسعة بين مشاريع التنمية المعرفية والثقافية وواقع هذه المكتبات، التي أصبحت مهجورة مقارنة بمثيلاتها في دول كثيرة قد تكون أقل منا اقتصادا، لكنها أسرع منا تقدما واهتماما بالعلم والبحث، ولا أخفي السبب الحقيقي خلف كتابة هذا الموضوع الآن؛ حيث وردني قبل أيام عبر بريدي الإلكتروني نموذج مصور يعرض تقنية متطورة في إحدى مكتبات اليابان، وأمام دهشتي من دقة التنظيم والحرص على جذب القرّاء، وتوفير وسائل الراحة لهم لتوفير جو ملائم للبحث والقراءة، حينها تذكرت وضع المكتبات لدينا، وتذكرت حالنا كباحثين وقرّاء، واعذروني؛ فلا مجال للمقارنة؛ فالتجربة اليابانية، حين خرجت من الحرب العالمية الثانية، كان أقل ما يمكن أن توصف به أنها دولة محطمة، غير أن القادة اليابانيين شرعوا في وضع الخطط والبرامج للنهوض بالبلاد عن طريق الاستثمار في الإنسان الياباني، الذي يعد سر نهضتها.. ولن يتحقق التقدم إلا بالعلم والبحث والاهتمام بكل ما يرتقي بالإنسان، ومن أهم مصادر التعلم المكتبات التي تغرس في الفرد حب القراءة، ومن ثم نكون قد خلقنا قارئًا مثقفًا يعي دوره جيدا، فيسعى لبناء وطنه بعد أن تزوّد بالأدوات المناسبة، وهذا هو أهم أسباب الازدهار والتقدم الذي وصلت إليه اليابان اليوم، فعسى أن تنفعنا تجارب الآخرين ونستفيد منها، وعسى وزارة الثقافة تلتفت بشكل جاد إلى هذا الجزء المهم من مصادر ثقافتنا.

جدة
/td>

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة