Culture Magazine Thursday  14/10/2010 G Issue 319
أوراق
الخميس 6 ,ذو القعدة 1431   العدد  319
 
المخترعات الرقمية.. الوجه الجديد للتجسّس
فريال الحوار

استشعرت الصحافة الغربية خطر طغيان الاختراعات الرقمية والتكنولوجية، وبدأت بكتابة العناوين البارزة التي تنبّه إلى مخاطر الأنشطة التي تنسجها تلك المخترعات حول رقاب المولعين بها، لتخضعهم إلى رقابة من نوع خاص تفضح أسرارهم، وتجعلها مشاعاً، في مُكنة أي شخص الاطلاع عليها.

ومؤخرًا ربحت الحكومة الألمانية القضية التي رفعتها ضد العملاق (غوغل) بعد أن أثبتت تجسس هذه الشبكة على بعض مستخدمي تقنية «الواي فاي» في ألمانيا، ووضعت حدًّا لهذا التصرف غير الأخلاقي من الشبكة بحق مواطنيها.

إن شيوع الإنترنت وشبكات «الغوغل والفيس بوك واليوتيوب» ربط الكثيرين بسحْر التواصل والمحادثات الثنائية والجماعية، وفسح المجال أمام عرض المعلومات الشخصية المتصلة بالعمل والمؤهلات والهوايات، وكذلك الأحداث البارزة في الحياة الفردية، وعرض نماذج من الصور الخاصة.. بل إن هذا الانجذاب إلى استعراض وقائع الحياة الخاصة أصبح مستعملاً بهدف تزيين الصورة أمام المسؤولين عن توظيف الأُطر في الشركات والمقاولات الكبرى، وأصبح هناك مختصون في تلميع صورة من يتوسل بالإنترنت للحصول على وظيفة أو ربط علاقة مربحة في مجالات شتى.

وفي غمرة هذا الاندفاع نحو الشفافية الإلكترونية باتت حياة المشاركين في اللعبة سجلاً مكشوفاً يقرؤه من يشاء، وقد يستعمل من لدن بعض المنحرفين جنسيًّا للإيقاع بضحاياهم، أو لتدبير السرقات والجرائم.. إضافة إلى وسائل الشفافية الفاضحة الأخرى مثل الكاميرات المتخفية والهواتف المحمولة فإن الخطر المحدق بالحياة الخاصة يتعاظم ويُبرر التساؤل عن عواقب هذه الظاهرة الرقابية التي تضيق الخناق على الحرية الفردية. وهي رقابة من نوع خاص، لا تخلو من مفارقة؛ لأنها لا تصدر عن أجهزة الدولة ومصالحها المكلفة بملاحقة المواطنين «الخطرين» الذين يستلزم الأمر مراقبتهم، كما كان الشأن في الاتحاد السوفييتي ودول المنظومة الاشتراكية، ولا تصدر أيضاً عن تخطيط الدول الرأسمالية التي تحرص على إحصاء أنفاس المواطنين من خلال بطاقات التعريف الوطنية والبنكية والعلاجية، وأذونات السفر والعمل.. وإنما هي رقابة من نوع مختلف؛ لأنها تنحدر من تطورات العلم والتكنولوجيا، وتمارس تأثيرا مباشرا على الناس الذين يتجاوبون معها بحرية ويستسلمون لسحرها بإرادتهم. شتان، إذًا، بين تلك الرقابة التي رسم أخطبوطها جورج أورويل في روايته «1984» مستوحياً القمع الذي كان يمارسه «الأخ الأكبر» في الأنظمة الشمولية، وهذه الرقابة الرقمية «الناعمة» التي تتعقب آثارنا وتكشف أسرارنا، ونحن عنها راضون. الفرق واضح بين الرقابتين: واحدة يحفزها القمع والتسلط، والأخرى يحركها الافتتان بالتكنولوجيا والشبكات الرقمية والرغبة في الشفافية.. ولكنهما معًا تؤولان إلى المَسّ بالحرية الفردية؛ لأن هناك من يستخدم معلومات الإنترنت في الإساءة إلى صاحبها، أو الاعتماد عليها لمنعه من الحصول على وظيفة استنادًا إلى صورة غير لائقة قد تعود إلى أيام المراهقة، أو حتى إلى نزوة عابرة في سن النضوج. ومثل هذه المشكلات كانت السبب في تكوين (اللجنة الوطنية للإعلاميات والحريات في فرنسا)، التي تختص بتوفير الحماية ضد أي تجاوز يمس الحريات الشخصية و يرأسها أليكس تيرك، وتُستفتى هذه اللجنة في المعضلات الناجمة عن الافتتان بشبكة الإنترنت وشفافيتها. ويرى أليكس تيرك أن استعمال المخترعات الرقمية يقتضي المراجعة والتشريع القانوني لاحتواء مشكلات استخدامها بطريقة سيئة غير أخلاقية والمس بالحياة الخاصة لكل فرد.

بحسب إحصائية نشرتها جامعة الملك سعود ثبت أن المملكة العربية السعودية في المرتبة التاسعة بين الدول الأكثر تعرضاً للهجمات الإلكترونية الحديثة وممارسة الجرائم الإلكترونية من قبل أشخاص بلا روح ولا عاطفة؛ فهم مجرد أسنان في عجلة الأذى، لا يصلحون لشيء سوى أنهم قنعوا تمامًا بوضعهم الخالي من الإنسانية واعتنقوا الأذى غاية ووسيلة.

اليوم وأمام هذه الثورة المعلوماتية يجب إحداث هيئات مكلفة بحماية المعطيات الشخصية، والعمل على تعزيز القوانين التي تحمي الحريات الشخصية في عالمنا العربي وضمان سريتها، وضرورة حصر الآثار السلبية التي يمكن أن تترتب على الاستعمالات غير المشروعة للتكنولوجيا، هل يمكن أن نتقبل فكرة كون الحياة الخاصة لم تعد ضرورية؟ ألا يكون في ذلك مسٌّ بالحياة الفردية؟ أليس من واجب الناس أن يطالبوا بحقهم في ممارسة النسيان، والاحتماء بالغُفليّة ليُحسّوا بأن هناك منطقة لا تطولها عيون الفضوليين والمتعيشين على النميمة وآذانهم؟ وهل نستلذ بالحياة من دون ذلك الحيّز الذي نلجأ إليه كلما ألمّ بنا الحنين لنختلي بذواتنا، بعيدًا من «الشفافية» الفاضحة!!؟

في دستور المملكة العربية السعودية - القرآن الكريم - هناك مادة صريحة وواضحة «ولا تجسّسوا». فمتى يتم تقنين هذه المادة في بنودٍ تجرّم من يقومون بهذه الأفعال التي لا يرضى عنها الله ولا عِباده؛ ليتسنى للمتضررين اللجوء إلى القضاء استنادًا إلى بنودها؟

الرياض
/td>

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة