Culture Magazine Thursday  16/12/2010 G Issue 325
أوراق
الخميس 10 ,محرم 1432   العدد  325
 
قمة كانكون.. أنا ألوِّث إذن أنا موجود؟
بشرى نور الدين*

عرّف بعض الفلاسفة الإنسان بأنه «حيوان» ضاحك. فالإنسان هو «الحيوان» الوحيد الضاحك بين كافة المخلوقات التي نعرفها، وهو الوحيد الذي يصطنع مناسبات للضحك، يتنافس فيها المهرجون في إبراز قدراتهم على الإضحاك، وتُعرض فيها المسرحيات الهزلية وغيرها من أعمال التسلية الموجهة لخدمة ذات الغرض.

لكن هذا التعريف للإنسان لم يجد ما يكفي من المؤيدين بين الفلاسفة، لكي يلقى القبول بوصفه تعريفا جامعا مانعا للإنسان.

أشهر تعريف فلسفي للإنسان أنه: «حيوان عاقل»، وهو تعريف وضعه الفيلسوف اليوناني الكبير أرسطو. فالعقل هو أكثر ما يميز هذا الكائن عن غيره من الكائنات المعلومة عندنا. فبالرغم من أن الإنسان يولد هشا ضعيفا أكثر بكثير من غيره من المخلوقات الأخرى، إلا أنه تمكن بعقله، عبر تاريخه الطويل، من تدجين الكثير من الحيوانات والسيطرة عليها. كما تمكن من التأقلم مع مختلف البيئات الطبيعية، من الصحراء الحارة إلى السفانا الرطبة إلى برد ثلوج القطبين.

وقد ربط الفيلسوف الفرنسي الكبير رونيه ديكارت، الذي يعتبر أب الحداثة الغربية، التي صنعت عالمنا المعاصر، الوجود الإنساني بالعقل والتفكير، حين نحت مقولته الفلسفية الشهيرة المعروفة باسم الكوجيتو: «أنا أفكر إذن أنا موجود». فالوجود عنده مشروط بالتفكير، والتفكير أداته العقل، وبالتالي فالعقل شرط لوجود الإنسان وقدرته على استيعاب الكون من حوله والتحكم فيه.

ديكارت، أبو العقلانية الحديثة، على جلالة قدره بين الفلاسفة، هو أول من وضع الإنسان الحديث في صدام و»صراع» عنيد ومستمر مع الكون الذي يعيش فيه، حين اعتبر الإنسان سيدا ومالكا للطبيعة، وهو المفهوم، الذي أطلق قدرات الإنسان الغربي على البحث والتفكير والإبداع في امتلاك شروط هذه السيادة وأدواتها، ونجح في تسخير الكثير من قوانين الطبيعة لصالحه، حتى حقق فتوحات علمية مبهرة.

وقد قادت فكرة الصراع مع الطبيعة والسيطرة عليها الإنسان إلى حرب استنزاف لخيرات الأرض وإمكاناتها المدخرة منذ ملايين السنين، ثم ليكتشف بعد فوات الأوان أن السيطرة على الطبيعة والسعي لقهرها قد أدى بالبشرية إلى كوارث مخيفة، باتت اليوم تهدد مستقبل الوجود الإنساني على ظهر الأرض، لكثرة ما أحدث الناس من فساد في نظام الطبيعة المبدع المتناسق.

التلوث وتغيرات المناخ وزحف الصحراء وشح المياه القاتل في أماكن معينة، وكثرتها المدمرة في أماكن أخرى، وتزايد منسوب البحار بما يهدد بإغراق مدن ساحلية كثيرة، وانطلاق قوى مجهولة مدمرة، باتت تهدد بقاء الإنسان واستمرار وجوده، صارت اليوم الشغل الشاغل للكثير من العلماء والسياسيين، حتى تشكلت في الغرب أحزاب همّها الأول العمل على تقليص عبث الإنسان بالبيئة، ووقف تدميره لتوازنها الهش. وفي هذا السياق تأتي قمة كانكون في المكسيك لتوحيد جهود العالم من أجل إنقاذ الكرة الأرضية ومستقبل الإنسان من الدمار.

لكن مماحكات السياسيين وخشية الدول الكبرى من أن تؤثر إجراءات حماية البيئة على مصالحها الاقتصادية العاجلة، ومراكزها المتقدمة في مضمار التنافس السياسي والاقتصادي الدولي، جعلت من التوصل لتوافقات لحماية الأرض من عملية التدمير الذاتي التي يقوم بها الإنسان للبيت الذي يسكنه، عملية شاقة وصعبة وغير مؤكدة نتائجها.

لعلنا اليوم مع ما يجري حولنا نكتشف أن تعريف الإنسان باعتباره «حيوانا عاقلا» في حاجة للمراجعة، فجنون الإنسان وعبثه بمستقبله يكفي للتدليل على أنه «حيوان» غير عاقل. ربما يكون تعريف الإنسان باعتباره «حيوانا ضاحكا» أصوب وأدق، ولكنه «حيوان» يضحك من نفسه بطريقة سوداء قبل أن يضحك من غيره.

وحتى لا يتحقق ذلك في يوم قريب، نأمل أن يتمكن من بقي من عقلاء في هذا العالم من وقف عمليات التدمير الذاتي، وأن يمنعوا مصادرة مستقبل البشرية، قبل أن يجد البشر أنفسهم محتاجين لتغيير كوجيتو ديكارت ليصير: «أنا ألوث.. إذن أنا موجود».. لكنه وجود بائس محفوف بالكثير من الأخطار، ثم هو، قبل ذلك وبعده، وجود مؤقت، يسبق تمرد الطبيعة وثورتها وغضبها المدمر.

- المغرب
/td>

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة