Culture Magazine Thursday  16/12/2010 G Issue 325
فضاءات
الخميس 10 ,محرم 1432   العدد  325
 
أعراف
بلسان عربي مبين (3)
محمد جبر الحربي

(وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِين )ٌ

(103) سورة النحل

هل أكتب بحرقة؟! نعم، وبحسرة ومرارة وحزن.

لكنني أكتب عن واقعٍ مؤلم، ومعاناة ثقافية قديمة مقيمة عامة، تمس الثقافة الوطنية والعربية قبل أن تمسني، وتمسّ الشعر ديوان العرب، وتمس مختلف الفنون حين تمتهن وتساق إلى القاع..

.. وتترك آثارها السيئة على الأجيال الجديدة، والشابات والشباب ممن يمتلكون الموهبة لكنهم لا يجدون إلا الإشارات الخاطئة، التي تدلّ على الطرق المنحدرة، وتقود إلى المخاطر وأولها قلب حياتهم رأساً على عقب، وإيهامهم بما ليس فيهم، وتشويه ما لديهم، حين توهم طلبة الإبداع أن أول أبوابه التحرر من الهوية، والتخلص من عبء التعب على الكتابة بالاستسهال، وكذلك التخلص من القواعد ومن اللغة الفارهة ككل، ومن كل بيان مهيب سابق، وتدخلهم في الضبابية والعتمة.

وخلف ذلك أهداف لمن يعي، وهي غير غائبة عن الأبرياء، إذ سرعان ما تتضح الرؤية بعد فترة لا تتجاوز الأسابيع. فمن هؤلاء من يكفر بالأدب والإبداع، ومنهم من يخرج سليماً معافى أدباً وخلقاً لذكاء يحصّنه، وموهبة تصحح أخطاء الساقطين، ومنهم من يعجبه البريق، وسهولة الدرب، واستسهال الكتابة فينساق خلف وهمٍ لا يورده إلا لفقدان مشيته الأولى، واصطناع مشية ووجه وحديث لا يشبهه فيه منها شيئاً، حطامٌ لا يقبله الذوق ولا الذائقة، يزول ويمّحي بسرعة مذهلة كما تمّحى الأصباغ.

فهل نورد أمثلة وأسماء للضحايا وللجلادين؟! لا لن نفعل فهي معروفة للجميع، وهم جميعاً يعرفون أنفسهم، لكننا نورد مثالاً جارحاً لشاعرة مُجيدة كتبت ديواناً عمودياً ولا أروع، وقد قرأته وأعجبتُ به كثيراً، ونصحت بنشره فوراً.

لكن، ويا للأسف مرة ثالثة، أقنعها من أقنعها بأن الشعر العمودي متخلف وقديم، فعليك بالجدة، فما كانت النصيحة المحزنة؟!

أن تُقطّع أوصاله، ويُنثر على الأسطر ليبدو حديثاً يتناغم مع إيقاع العصر!!

أرأيتم خراباً وسقماً أكثر من هذا؟!

يا أيها المشغولون بالثقافة، أو المنشغلون عنها اسمعوا: هنالك خرابٌ فظيعٌ يمزق الساحة، ويعطل القادم الجديد، وأنا لا أستثني الشباب والشابات من اللوم، فعلى الجميع الثقة بالنفس، والاعتداد بالرأي، وتمييز المقصود من النصح، ومعرفة مع من يتعاملون، وأن تكون لديهم من الملكة والقدرة على الفرز.

والإنسان السوي يعرف حتى عبر دراسته البسيطة إن كان يمتلك أدوات الكتابة أم لا، ثم يتبع ذلك التطوير والتخصص والقراءة والأسئلة.

ذلك أمرٌ مرّ، أما المعاناة الخاصة ففجّرتْها تجربة خاصة، صبرت عليها حتى أعياني الصبر: وهي تتضح حين أسأل هل الذي يمنع حواراً أجري معي عبر صحفية لديهم، أو يؤجله، أو يشوهه، أو يضعه في غير مكانه، أو يملي قبل ذلك، وفي حوار آخر مع نفس المطبوعة قبل سنين، أسئلة على محررة صغيرة أتتني الأسئلة باسمها، وقد عرفتُ للوهلة الأولى أن الأسئلة ليست منها، تضعني فيه الأسئلة في سياق ما هو عربي ممجوج، وتحاصر فيه عروبتي وتبتذلها.. فهل يفعل المشرف ذلك لأنني عربي أم لأنه مثلاً أعجمي، ترى بأي وجه يمنع، وعبر أيّ فكر يجيز للغير ممن استوت عربيتهم بعجمتهم؟!

أم أن معاداة كل ما هو عربي أصيل، أو ما هو موقف عربي واضح، يجب أن تأتيَ مستترة، وبأيد بريئة صغيرة مدفوعة دفعاً؟!.

لمَ لمْ يكتب هو أو غيره، متحلياً بالشجاعة في الحق، كما امتلكها غيره وإنْ على باطل، حين قال إن العرب بلا حضارة تذكر، وهو على باطلٍ بشهادة اللغة التي يجيد، والشعر العربي الذي يعليه..

أم أنه لا يمتلك الشجاعة -وإن كان عربياً، فطال عليه الأمد فمل، وأغراه بريق الآخرين- كما نفعل نحن العرب الميامين؟!

أما إنْ كان ممن يرون في القبيلة تخلفاً وانحداراً، وكان ممن يشتمون على الجهل القبائل، وأنا أتحدث هنا عن الانتماء لا التعصب، فأقول له ولهم، وأنا، ولله الحمد والمنة ألف مرة، أمتلك شجاعة العرْب الميامين في الحق لا الباطل: إن خير البرية، استند فيما استند على القبائل في نشر الإسلام، وفعل ذلك من بعده خلفاء الإسلام العرب الراشدين، وله أن يراجع المحاضرات الأخيرة المثيرة للدكتور الفاضل محمد العوّا حول فتح مصر مثلاً، وهي الأحدث، لتتواءم مع ادعاءات الحداثة والجِدة التي يصطفيها ولا يحسنها، إنْ لم يكن له في الماضي البعيد الجميل حب ولا نصيب، ليعرف قيمة القبائل العربية، وما أظنه فاعلاً.. لأن ذلك، وأرجو أن أكون مخطئاً، مما يؤذيه، ويوجع صدره غير المشروح بحب العرب الذين حذر الرسول من إغضابهم.

ونحن هنا، وبكل وضوح واعتزاز وحب لسنا ضد أي قومية أخرى، أو أي جنسية أخرى، أو أي هوية أخرى، فبالعكس هم زاد ورافد لنا ضمن حضارتنا العربية الإسلامية، لكننا ضد من يضع العرب في غير مقامهم الكريم، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، محمدٍ العربيّ الأمين، سيدِ البشر أجمعين.

mjharbi@hotmail.com الرياض
/td>

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة