Culture Magazine Thursday  16/12/2010 G Issue 325
فضاءات
الخميس 10 ,محرم 1432   العدد  325
 
«النميمة السياسية»
ما بين غازي القصيبي و «ويكيليكس»!
سهام القحطاني

من أمتع الكتب التي قرأتها مؤخراً كتاب «الوزير المرافق» للدكتور غازي القصيبي -رحمه الله- وكان هناك ثلاثة أسباب لاستمتاعي بهذا الكتاب وهي-والترتيب لا يعني الموافقة مع الأهمية-.

السبب الأول الطرافة والخطورة التي تنتجها بعض البرتوكولات الدبلوماسية، والسبب الثاني اكتشاف البعد الإنساني لبعض الرؤساء السياسيين الذي لا يمكن الحصول عليه من خلال الإعلام الرسمي، أو اكتشاف الجانب الساذج عند بعض الرؤساء السياسيين الذي يغطيه الإعلام الرسمي، أو اكتشاف هشاشة الثقافة السياسية لبعض الرؤساء السياسيين، وهو ما يثبت أن ليس بالضرورة أن يكون «فخامة الرئيس» أفضل رجل في الدولة، أو اكتشاف غرابة رأي بعض الرؤساء السياسيين في نظرائهم أو نواب نظرائهم أو المسئولين السياسيين الذين يعملون مع نظرائهم، أو اكتشاف غرابة وطرافة ما يحدث في القاعات المغلقة للفعاليات السياسية وما يحدث في كواليسها.

والسبب الثالث كما يقول القصيبي رحمه الله في مقدمة الكتاب هو انطباعاته الشخصية» عن عدد من رؤساء الدول والحكومات»-ص7- الذين شاهدهم عن «كثب» من خلال مرافقته» للملك أو ولي العهد في زيارة لبلادهم أو من خلال زياراتهم هم إلى المملكة» - ص7- سواء كوزير مرافق للمسئول الثقافي أو شاهد عيان على الحدث السياسي وما يدور في الكواليس السياسية أو يقال فيها وتعليقاته التي نستدل من خلالها سعة روح الدعابة التي يتصف بها القصيبي.

والكتاب قد يوحي للقارئ بعد قراءته بأربعة أسئلة هي؛ ما حدود الحقيقة والشخصي في تقويم السفراء والدبلوماسيين لنفسيات وسلوكيات الشخصيات السياسية؟ وما مدى الجدية في اعتبار المادة التقويمية التي يقدمها السفير أو الدبلوماسي قاعدة بيانات لتأسيس تاريخ الشخصية السياسية؟، والسؤال الثالث والرابع سأختم بهما هذا الموضوع.

والكتاب أشبه بمجموعة من الوثائق السياسية التي رصدت بعض الأحداث السياسية المهمة في فترات متفاوتة وصعبة أحيانا، بين السعودية ودول العالم؛ كصفقات السلاح بين السعودية وبريطانيا والسعودية وألمانيا، ونقاط التقاطع والالتقاء بين الحكومة الأمريكية والحكومة السعودية على مستوى القضية الفلسطينية، ومشروع الملك فهد للسلام وموقف الدول العربية منه وأزمة «التعايش مع إسرائيل» واتفاقية كامب ديفيد وموقف الدول العربية منها.

فالكتاب يقدم ما يثبت القاعدة الذهبية في العلاقات الدبلوماسية والسياسية، ففي السياسة لا صداقات دائمة ولا عداوات دائما فالمصلحة هي معيار تفعيل العلاقات السياسية بين الدول أو ملايين الريالات السعودية التي غيّرت بعض مواقف رؤساء الدول العربية من المشروع السعودي للسلام.

كما أن الكتاب يقدم لنا وصفا لبعض رؤساء الدول ومواقفهم من بعض القضايا السياسية.

فيما يتعلق بأمريكا فالقصيبي يقارن بين الرئيس نيكسون-إمبراطور واشنطن- والرئيس كارتر، فنيكسون كما يقول القصيبي «إمبراطور يصارع للبقاء على العرش، وأعوانه حوله يتصارعون على السلطة»- ص18- وكان «مفرطا في استعراض قوة الرئاسة وهيبتها، وكأنه كان يعوض بقوة الرئاسة عن ثقته المتزعزعة «-ص21-» وكان كارتر مفرطا في تواضعه وكأنه كان يشعر في أعماقه أنه وصل إلى منصب لا يستحقه، وبالتالي لا يستحق ما يواكبه من مظاهر وهالات» -ص21- وكانت الحكومة السعودية ترى كارتر وخاصة بعد كامب ديفيد بأنه «باع القضية الفلسطينية» -31- وأنه « لا ينفع صديقا ولا يضر عدوا» -ص31-.

أما انطباعات القصيبي الشخصية نحو كارتر فكما يقول» في مكان ما من قلبي شعور بالمودة نحو هذا الرجل، ربما لأنه كان أول رئيس أمريكي جرؤ على الحديث عن وطن قومي فلسطيني،.. وفي ذهني سؤال كبير يقفز كلما تذكرته لماذا أراد هذا المزارع ذو القلب الطيب والنية الصافية أن يكون رئيسا للولايات المتحدة؟!!» -ص31-.

وقارن كارتر بين بيجن والسادات في مفاوضات كامب ديفيد فقال: كان»بيجن غير متعاون على الإطلاق، وكان غير راغب في توقيع الاتفاقية» -32- و»السادات شخصية مختلفة تماما، لم أجد صعوبة في التعامل معه أبدا، كان التعاون معه سهلا للغاية على نقيض بيجن» -ص32-

وكان القصيبي يقارن بين كيسنجر وشليسنجر، فكيسنجر «يتميز بذكاء شديد وحيوية لا حدود لها وقدرة فائقة على السخرية من الآخرين ومن نفسه»ص14- وكان ينظر كيسنجر إلى «النزاع العربي الإسرائيلي من زاوية واحدة هي زاوية الحرب الباردة» ص14-أما شليسنجر وزير الطاقة في عهد كارتر فهو يرى أنه «يتكلم .. بعنجهية.. وكان يتصرف-عندما يتحدث إلى السعوديين-» كما لو كان يُدرس مجموعة من الأطفال المتخلفين عقليا» -ص16-.

وفي حوار للقصيبي مع «برجنسكي» حول كامب ديفيد، قال برجنسكي للقصيبي»أنتم العرب لا تتكلمون إلا بالشعارات، أربعون عاماً من الشعارات، لقد حقق السادات في سنة واحدة ما عجزتم عن تحقيقه في أربعين سنة،... ماذا تتوقعون من الولايات المتحدة؟ لقد هزمتكم إسرائيل في ساحة القتال!.. ليتكم تقولون للعرب إن الولايات المتحدة ستكون مع المنتصر، وتكفون عن هذا الحديث العقيم عن المبادئ والسلام»-ص28-.

أما رأيه في السيدة «أنديرا غاندي» الذي رافقها كوزير أثناء زيارتها للسعودية، فوصفها عندما تحدثت عن شؤونها الأسرية «نسيت أنني أمام رئيسة وزراء دولة من أكبر دول الأرض، تصورت أنني مع أم عادية في الحي تشكو متاعبها مع زوجة ابنها» -40-فقد وصفت السيدة أنديرا غاندي زوجة ابنها سانجاي «هذه المرأة! هذه المرأة الكريهة! هذه المرأة الفظيعة!،.. لا أدري لماذا تزوج سانجاي هذه المخلوقة،.. لقد بدأت مشاكلي معها منذ اليوم الأول، كانت ترفض أن تعاونني في أعباء المنزل، ترفض أن تطبخ، وان تقوم بأي عمل منزلي،.. كانت دائمة الشكوى، دائمة التأفف» -ص41-ويعلق القصيبي «هل هذه الحماة المنفعلة التي تتحدث عن مشاكلها المنزلية كأي قروية عجوز في أقصى قرى الهند هي السيدة نفسها التي فرضت قوانين الطوارئ للقضاء على أي معارضة؟!» -ص42- لقد استدلت السيدة غاندي من فرض التغيير الإجباري على شعبها في موضوع تحديد النسل من خلال التعقيم إلى قاعدة مفادها أن التغيير لا يمكن «أن يتم بقرار حكومي»-ص37-» الناس أنفسهم هم الذين يحددون سرعة التغيير ولا يمكن أن تفرض عليهم الدولة أن يتغيروا حسب هواها» -ص37-.

وإن كنت شخصيا لا أتفق مع هذا الرأي، كما استدلت على أن الديمقراطية الزائدة عن الحد هي شر؛ في حالة سوء استخدامها، أو أن تكون في أيدي الجهلة والأميين ومن يؤمنون بالخرافات.

وتحدث القصيبي عن الوزير الألماني» هيلموث شميدث» وموقفه من العرب وعلاقتهم بإسرائيل وكامب ديفيد، وموقفه من ساسة وسياسات الولايات المتحدة، فشميدث كان يرى أن السعودية هي التي تستطيع أن تضغط على أمريكا لتضغط أمريكا بدورها على إسرائيل، وهذا ما قاله مباشرة للملك خالد «أنتم القادرون على الضغط، لديكم البترول وهو عامل ضغط مهم، ولديكم الاستثمارات المالية وهي بدورها عامل ضغط مهم لماذا لا تستعملون قوتكم؟ نحن لا نستطيع أن نحارب معارككم مع أمريكا نيابة عنكم.»-ص82-، وكان يرى في السادات»رجل شجاع وجريء» -82-، وقد «شكا بدوره صعوبة التعامل مع قادة الولايات المتحدة؛ إن التعامل مع الهواة أمر مزعج ومتعب، كارتر ليس سياسيا محترفا ولكنه مجرد هاو وجد نفسه على قمة السلطة في دولة عظمى»-ص 84- «والرئيس ريجان مشكلة عويصة إنه لا يفهم شيئا في الاقتصاد ولا الشؤون المالية، ولا يدري أنه لا يفهم، كيف يمكن أن تتخاطب مع هذا الرجل؟» -ص87-.

والسيدة تاتشر» في البداية كان التعامل معها مزعجا كانت شديدة الغرور والترفع، تدريجيا بدأت تكتشف أنها ليست المخلوقة الوحيدة في العالم التي تملك الشجاعة والحزم»-ص87- ويرى في الروس» أن لديهم عقداً كثيرة لا بد من فهمها لكي نستطيع أن نفهمهم» -ص88-.

وما أشبه الليلة بالبارحة؛ تذكرت وأنا أقرأ تقويم شميدث لكارتر وريجان وتاتشر والسادات والروس وثائق ويكيليكس التي وصفت المستشارة الألمانية ميركل بأنها «عملية وغير مبدعة ونفعية، ولا تهتم من السياسة الخارجية إلا بما يخدم تعزيز شعبيتها وسياستها الداخلية» و وزير الداخلية الحالي» توماس دي ميزير بقلة الخبرة» ووزير الخارجية الألماني غيدو فيسترفيله» بأنه «سطحي ومتعال، وصاحب أفكار فارغة، وفي حاجة لتعميق معلوماته في قضايا السياسة الخارجية المعقدة».

و الرئيس الروسي «بكلب ألفا» وأنه «دمية» في يد فلاديمير بوتين.

كما وصفت الوزير البريطاني غوردون براون» بأنه ضعيف ومتذبذب». ورئيس الوزراء البريطاني الحالي ديفد كاميرون» بأنه سياسي عادي من الوزن الخفيف».

أما رأي القصيبي في المستشار الألماني شميدث فكان يشك في ما اشتهر به من ذكاء حاد، وكما قال» إذا كنت لم أجد في شميدث ما يوحي بالذكاء الخارق فإنني لم أسمع منه رأيا يمكن أن يوصف بالغباء» -ص85-وعن المستشار كول «إنك تكتشف وراء هذا المظهر الشعبي الكثير من الذكاء»-ص114-.

وعن الرئيس معمر القذافي يرى أن علاقته بالسعودية»غريبة ومعقدة»-ص116- وشخصيته»لا تعرف الاعتدال فهو إما في حالة عشق أو كره صاخب»-116-، ويصف القصيبي العلاقة بين الملك خالد بن عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله- والقذافي «الإعجاب المكتوم» «لعل العقيد كان يرى في الملك ملامح من شخصية أبويه، ولعل الملك كان يرى في العقيد ابنا ضالا يمكن بشيء من الصبر هدايته إلى سواء السبيل، ثم إن هناك كرههما العميق المشترك للسادات»- ص121-.

وكان رأي القذافي في الخميني وثورته في إيران بأنهم «الفرس كلهم مجوس، شعوبيون ومجوس، كانوا ومازالوا، والخميني لا يختلف عنهم»- ص129- ويعلق القصيبي على رأي القذافي بأنه «يعلن جهارا نهارا أن الثورة الليبية والثورة الإيرانية أختان شقيقتان ويقدم سائر أنواع الدعم إلى إيران، وهو يعتقد في قرارة نفسه أنهم «مجوس وأعداء للإسلام»-ص130-.

ويرى القصيبي أن العقيد القذافي «يعادي بدافع من طموحه؛ ويصادق بدافع من طموحه، يتحد بدافع من طموحه، وينفصل بسبب طموحه، يتآمر ويدبر القلاقل والاضطرابات بدافع من طموحه، يتناقض مع نفسه بدافع من طموحه» -ص137- وتوصيف الغذامي للقذافي ذكرني بما وصفته إحدى وثائق ويكيليكس بأنه» رجل ضبابي غريب الأطوار»، ويعقب القصيبي على نتيجة الطموح الجامح فيقول» ألا يعتبر الطموح عندما يصل هذا الحد من العنف نوعا من أنواع الجنون،... أخطر أنواع الجنون» -ص137-138-.

كما كان للقصيبي رأي في الرئيس الفرنسي «ميتران» عندما كان وزيرا مرافقا له عندما زار السعودية عام 1981م فهو»رجل ذكي قوي الشخصية ولكنه إنسان متجهم لا يتصف بالمرونة الفكرية،... تصرفاته مع معاونيه كانت تتسم بغير قليل من العجرفة الموروثة عن سلفه»-ص164 هذا الوصف ذكرني بتوصيف إحدى وثائق وكيليكس الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ب «الملك العاري»

وكان القصيبي يرى أن الرئيس الأوغندي عيدي أمين رجل»غريب الأطوار إلى درجة الحمق، وكانت غرابة أطواره مصدر إزعاج لأصدقائه قبل أعدائه، بل لعل عيدي أمين خير تجسيد للمثل العربي «عدو عاقل خير من صديق جاهل»-ص168-، وإن إسلامه «فيه الكثير من التحرر فهو لم يمنعه من البوهيمية في علاقاته النسائية»-ص175-.

أما فيما يتعلق بالرؤساء العرب فقد وصف الملك الحسن الثاني عندما أدار مؤتمر فاس بأنه يملك «عقلية المدرس الذي يتعامل مع طلبته، كان يستخدم سلطات الرئاسة على نحو ديكتاتوري بلا خجل أو اعتذار كان يتكلم عندما يريد ويقاطع من يشاء عندما يريد»-ص 186- ووصف الوضع الخانق الذي كان بين اللبنانيين والفلسطينيين من خلال تعليق رئيس الوفد اللبناني جوزيف أبو خاطر في قمة فاس على أحد أعضاء الوفد الفلسطيني وقصة قلم الرصاص»هذا طبعكم أيها الفلسطينيون تسرقون كل شيء حتى أقلام الرصاص»-ص204-.

ووصف ياسر عرفات بأنه»لا يزال يلقي بالكلام على عواهنه، ولا زالت ألفاظه تسبق تفكيره، طالما تساءلت هل هذا أصلح إنسان لقيادة المقاومة الفلسطينية في هذه المرحلة؟»-ص208- ووصف الملك حسين بأنه «كان منطقيا منظم الأفكار شمولي النظرة، صدام حسين تمثيل بشري صادق للعنجهية والغرور، حافظ الأسد أكثر الزعماء العرب قدرة على الشرح والإقناع، عبدالحليم خدام بقية باقية من عهود صوت العرب»-ص209-، والسادات بأنه «يعاني من البارانويا»-ص163-.

هذا التحليل لبعض رؤساء العرب ذكرني بما نشرته وثائق ويكيليكس التي أطلقت من خلال تقارير سفراء ودبلوماسيين أمريكا عبر العالم ألقابا على رؤساء بعض الدول مثل الزعيم الكوري الشمالي جونغ ايل الذي لقبوه «بالمصروع» ورئيس الوزراء الإيطالي سلفيو بلسكوني «بعاشق العاهرات». والرئيس الإيراني أحمدي نجاد بأنه أدولف هتلر» والوزير أردوغان بأنه» إنسان تغلب عليه العاطفة وليس العقل» وبأنه يملك «مواهب وغرائز مقاتلي عصابات الشوارع»، الرئيس الأفغاني حامد كرزاي بأنه» ضعيف للغاية ومصاب بأوهام التعرض للمؤامرة».

والسؤال الثالث هل الانطباعات السرية للسفراء والدبلوماسيين نحو الشخصيات السياسية أو مذكراتهم السياسية السرية خطر مؤجل قد يهدد علاقات الثقة والسلام بين الدول؟

وهل المطلوب من السفراء والدبلوماسيين في حالة كتابة انطباعاتهم الشخصية نحو الشخصيات السياسية أن يلتزموا بقانون «أنا لا أكذب ولكن أتجمل»؟!.

sehama71@gmail.com جدة
/td>

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة