Culture Magazine Thursday  18/03/2010 G Issue 302
أوراق
الخميس 2 ,ربيع الثاني 1431   العدد  302
 
الرواية تنتصر والقارئ العادي يكسب الرهان!
علي فايع الألمعي

هل يكتب الروائي لتقرأه النخبة، أم العامّة؟

كنت أعتقد إلى وقت قريب أنّ الروائي يكتب للقارئ أيّاً كان حتّى أطلّ على القناة الثقافية الدكتور عبدالله الرشيد في حوار مع سلطان الحصان المذيع الشاب في القناة الثقافية السعودية لينفي أنّ لدينا رواية سعودية، ويتحامل بشكل عجيب على كتّاب الرواية، ويستدلّ على ذلك بأسماء تلك الروايات التي أخذت من المكان إضافة لها، وكأنّه يقصد «بنات الرياض» لرجاء الصانع و»سور جدة» لسعيد الوهابي و»سورة الرياض» لأحمد الواصل!

هذه الإشارة جاءت لتلمز تلك المنجزات الكتابيّة وتستخفّ بها، وإن كنت أجزم بأنّ الدكتور عبدالله اكتفى بالعناوين ولم يكن متابعاً جيداً لها بوصفه أكاديميّاً أخذته متابعته الدؤوبة للأطباء الشعراء وبعض الموضوعات السهلة واليسيرة على أستاذ جامعي يحسب حساب الوقت، ويدرك قيمته في تكوين رؤية منصفة وغير متحاملة على منجز أدبي له شأنه الكبير، وله كتّابه الذين يشار إليهم بالبنان، وتجد العديد من أعمالهم الروائية الكثير من الترحيب في أوساط ثقافيّة كثيرة، ليس آخرها جائزة البوكر العربية التي نالها عن جدارة واستحقاق الروائي السعودي «عبده خال». وأخشى أن يخرج علينا الدكتور: عبدالله في حوار آخر أو مقال أدبي صرف لينفي استحقاق عبده خال للجائزة ليس لشخصه ولكن لأنّه لا يكتب رواية في الأصل -بحسب معاييره الدقيقة والصارمة- ! فيخرج هو الآخر من قائمة الروائيين، وبالتالي تنفي رؤيته تلك أعمال عبده الأدبية وتصادرها إلى عالم آخر لا يمكن تصنيفه وفق جنس أدبي لم يكتشف بعد!

كنت أنتظر من الدكتور عبدالله بوصفه أكاديمياً يتابع المنجز الأدبي أن يكون حضوره هذا مقنعاً للسامع ومنصفاً للمبدع فيقرأ رؤية النخبة الغائبة عن الساحة الثقافية، ويستقرئ انطباعات العامة التي تقرأ، وألاّ يكتفي بالتهميش والاستخفاف والإسقاط وكأنّ حضور الرواية إسقاط للشعر، أو تغييب له! والدكتور عبدالله فيما يبدو ينطلق من كونه شاعراً انصرف جلّ أقرانه إلى الرواية، ويبدو أنّه لم يجد في أدواته السرديّة ما يلحقه بهم أو يجعله متفرداً عنهم بعمل يميّزه ويظهره أكثر.

كنت أنتظر - بوصفي متابعاً لهذا المنجز وللساحة الثقافية - من الدكتور عبدالله والنخبة التي يتغنّى بها الغوص في تلك الأعمال الأدبية، وتسجيل الرؤى الدقيقة من داخل تلك الأعمال وليس من خارجها كما بدا لي الأمر.

ولعلّ مآخذ الدكتور عبدالله الرشيد على الرواية تنطلق من الزمن الذي ينجز فيه الروائي عمله، فيستشهد بمقالة كتبها الأستاذ أحمد اللهيب عن أصدقائه الذين كتبوا الرواية في ثلاثة عشر يوماً وإحدى عشرة ليلة وكأنّها حجة دامغة على جودة المنجز أو رداءته، وهذا الرأي ينسحب على الشعر أيضاً فهناك شعراء يكتبون قصيدة في ساعة أو شهر أو سنة ولا يكون الحكم في جودتها ورداءتها محالاً إلى الزمن والدلائل كثيرة على ذلك!

نحن لا ننتظر من النخبة أن تقف ناقدة من الخارج، بل نحتاج إليها مطلعة وناقدة وناشرة من الداخل، فالمبدعون الشباب يَشْكون غياب الناقد، ووصل بهم الأمر نتيجة هجران هذا الناقد لأعمالهم إلى الاستخفاف به إن حضر، وتجاوز جلّ آرائه التي عادة تأتي غريبة بعض الشيء!

الرواية السعودية موجودة يا دكتور عبدالله، وليس شرطاً أن يكون قراؤها من النخبة، فالانتشار الكبير للرواية على مستوى العالم لا يمكن أن يقاس بالنخبة لأنّهم قلّة، بينما الانتشار يحال إلى القارئ العادي الذي يجد في الكتابة الروائية بغيته وحاجته.

ليس عيباً أن تجوب أسماء الروايات مدننا وقرانا، لأنّ الأمكنة غنيّة، والثقافة متنوّعة، وتأطيرها أو محاولة تغييبها يجعلها في دائرة التهميش، ولا أعتقد أنّ هناك مثقفاً يعي قيمة التنوّع يدعو إلى مثل دعوتك تلك، وإلاّ كنّا نسخاً متشابهة من بعضنا.

أدرك أنّ انتشار الرواية يقلق بعض الشعراء، لكنّ هذا القلق لا يدعو بعض الشعراء إلى إقصائها من الساحة باسم النقد النخبوي الذي يبدو أنّ غيابه سيطول، لأنّ الكتابة تحتاج إلى متابعة جادة، والنخبة مشغولة بما هو أهمّ وأبقى.

نحن مع الكتابة الأدبيّة التي تخلق أسئلة كثيرة، وتجعل القارئ لها يبحث عن مصداقية تلك المضامين، وإمكانيّة ملامستها وسط هذه التحولات السريعة التي ترقبها الرواية بشكل جميل ومقنع. لو انتظر روائي مهمّ مثل عبده خال اعتراف النخبة بما يكتب ما استطاع أن يصل إلى هذه الجائزة التي جاءت في وقت مناسب وجميل وفي ظلّ غياب تامّ من النخبة التي يطمئن إليها الدكتور عبدالله، ومتابعة دائمة ومستمرة من القارئ العادي الذي ظلّ في نظر الدكتور عبدالله مجرّد باحث عن جُمَلٍ تدغدغ مشاعره!

هناك تباين كبير في الأعمال الروائية التي تصدر ولا يمكن لأحد أن ينفي ذلك، لكننا في ساحة أدبيّة ناشطة تحتاج إلى هذه الأعمال، لأنّ التجارب الكتابيّة قادرة بالفعل على أن تخلق لنا بيئة جيدة للكتابة، وأعمالاً أدبيّة ذات جودة عالية.

روسيا
/td>

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة