Culture Magazine Thursday  18/03/2010 G Issue 302
فضاءات
الخميس 2 ,ربيع الثاني 1431   العدد  302
 
كسر المثلث السعودي
(جواز صلاة الرجل في بيته) كتاب يخدم أجندة سياسية لعزل الديني عن الاجتماعي
محمد عبد الله الهويمل

أستدعي عفوا مقولة محمد عابد الجابري التي تشير إلى أن أي خطاب ضد تسييس الدين لا بد أن ينطوي على خطاب لتسييس الدين. وهذا الاستدعاء يبرز في وعيي الثقافي مع كل نص ديني تتناوله تأويلات ليبرالية تهدف إلى الاستحواذ على دلالاته ومخرجاته ومن بينها كتاب (جواز صلاة الرجل في بيته) للكاتب خالد الغنامي الذي استغرق منه الكثير من الجهد والوقت ليلملم الأدلة من هنا وهناك. ولست بصدد تفنيدها لأني لست من أهل الفن، ولكني سأحاكم الخلفيات المحرضة على تأليف مثل هذا الكتاب وبهذا الزخم من الشواهد على هذا الجواز. ومن المؤكد أن هذا الكتاب لا يهدف للتيسير لأنه لم يصدر من جهة معتبرة لها أهليتها كمجامع البحوث أو الأزهر أو دور الإفتاء، بل من كاتب ناضل ضد الظاهرة الدينية والصحوة باستبسال فريد واستخدم السلم العنيف ضدها وضد علمائها إلا أن العزلة حاصرته هو فقرر أن يلعب اللعبة ذاتها بحصار الصحوي أو الديني ضد الاجتماعي الأقوى في المثلث السعودي إضافة للسياسي.

ولكن كيف لتسويق رأي فقهي بجواز الصلاة في البيت أن يحقق لمشروع الليبرالية الصعود والتحكم في مفاصل الحراك الاجتماعي وهذا يتطلب تحرير العلاقة المتحركة في زوايا المثلث السعودي: السياسي, الديني, الاجتماعي وحالة الانسجام الفريد بين هذه الأطراف منذ تأسيس المملكة حتى الآن والليبرالي يسعى أن يكون ضلعاً رابعاً في هذا المثلث ولا يتأتى إلا بكسر الضلع الديني يتحول إلى مربع يمارس فيه الضلع الجديد رعاية ورقابة واستفزاز ضد الديني إما بتحريض الاجتماعي والسياسي أو عزلهما عنه وهنا يفعل التسييس المضاد للدين فعله النافذ بعزل تأثير الديني عنهما لأن المنافسة المفتعلة والساذجة لليبرالي في مزاحمة الديني في الوعي الشعبي مرهقة له وتضعه في خانة ضيقة لا يستطيع معها حتى الدفاع عن أطروحته فلابد من خطة ثقافية لهذا العزل حيث نهضت مبكراً مع السياسي ضد الديني فلم تنجح وها هي تُكرر ذاتها مع الاجتماعي ابتداءً بطرح مشروع الحياة واللذة في مواجهة الروحية الدينية والمطالبة بتحجيم خطاب الوعظ والتخويف من النار والآخرة للتقليل من النمو الكمي لمعتنقي الروحانيات المتحركة بالاتجاه المضاد لمشروع التغيير الليبرالي؛ لأن الأخير بحاجة إلى الكم حاجته للكيف ودون الكم لا يتحقق أي نجاح. وصلاة الجماعة صانعة للكم الروحي وبتلقائية متناهية فهي مكان لرصد الصف للصلاة وللموقف الوحدوي ضد الآخر، كما تدل عليه تنبيهات أئمة الصلاة لتسوية الصفوف (تراصوا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم) ف(تختلفوا) الأولى هي الاختلاف في صف الصلاة و(تختلف) الثانية هي الاختلاف في الموقف الاجتماعي فالمسجد يحقق وحدة اجتماعية لا تحققها أي تظاهرة أخرى لكنها أسست على أيديولوجيا غير مرحب بها لدى الكثير من الليبراليين، وأن التخفيف من هذا التراصد والترابط الروحاني سيتيح فرصا وخيارات لدى أفراد المجتمع يصيغها الفرد بمعزل عن تأثير (الجماعة) المأخوذة من صلاة الجماعة، وعندها يتحقق الكيفي دون تأثير الكمي فعندما يصلي المصلي في بيته فهو يصلي في المكان الذي يأكل ويشرب وينام فيه وعندها تكون الصلاة ممارسة اجتماعية محضة تقع ضمن الطابور الآنف، بل ربما يصلي في المكان الذي ارتكب فيه الخطيئة ولا تكون لجغرافيا العبادة الفضيلة ذاتها ويتراجع نفوذها الكيفي، وبالتالي توجيه الخيارات الثقافية وإعادة تفسير الفضيلة ذاتها وشحنها بدلالات مدنية ليبرالية جديدة، وهذا لا يتحقق في المسجد الذي ينجح دائماً في توسيع رقعة التفاهم القيمي مع الاجتماعي برمته ومن بينها الفضيلة بوصفها أم القيم الدينية واللادينية ومن مركزيتها تتحرك القيم الأخرى في مداراتها الرحبة كالصدق والخير والتسامح والحب... وكلها قابلة للأسلمة والليبرلة ولكن نموها داخل المسجد ومناخات الحب في الله ستصبغها بصبغتها الإسلامية البحتة ويتم هذا النمو في نفوس بالغة الحساسية فلا يدخل أحد ليؤدي العبادة الجماعية إلا وهو يظن إلى درجة الجزم أن كل من في المسجد خير منه لأن للمسجد بوصفه جغرافيا الفضيلة قدرة مذهلة في فضح الذاكرة المهملة الزاخرة بالخطايا، ويتم هذا على نحو سري بين الإنسان ونفسه فتحدث مراجعة وتقويم باطني لرفع مستوى الحضور داخل هرم الفضيلة أمام الله، وكل هذه التحولات الفيزيائية داخل معمل المسجد هي التي حققت التصاعد في معدلات اعتناق الفضيلة في المجتمع المسلم عموماً؛ فالصحوة صناعة مسجد وليس أشرطة أو خطب.

وصلاة الجماعة ذات مفعول جبار في فضح الباطن السلبي لا سيما إذا صلى المسلم مستمعاً لا قارئا مصغياً للاختيار لا مختاراً يركع ويسجد بإذن وانقياد لرجل الصحوة (الإمام).. إذاً الصحوة تقود أخطر وأكثف التظاهرات الاجتماعية (الصلاة) وهذا ما وتر أعداء الصحوة الذي يحرثون في البحر ما بقيت صلاة الجماعة واجبة في الفقه السعودي، إضافة إلى أن صلاة الجماعة تكثف العلاقات الخاصة بين الأفراد الدينيين والاجتماعيين وتعزز من فرص انسجامهم لتحقيق الألفة بل لصياغة القرار المدني وتوجبه الحراك، فكان لا بد من العمل للحد من هذا الانسجام بإبراز الرأي الفقهي الآخر والتعصب له لعزل الديني عن الاجتماعي. ومن ثغرة العزل ينفذ خيار ثقافي جديد يداعب اللذة ويشاغب العادة خصوصا أن خيار الصلاة في البيت انتصار للذة على العادة، وما تفتحه ثقافة اللذة من أفق تعددي واسع يطرح النسبية ويحد من المطلقات التي هي مناط ومحرك الموقف الليبرالي تجاه الموروث والعادة.

إن ما دفعني لقراءة الخلفية السياسية والحزبية لهذا الكتاب هو أن الكاتب ربَّى قراءه على التفتيش خلف الخطابات الدينية و(فضح) الحزبي المستبطن، وها أنا ألبي هذه الدعوة واستثمر الأدوات ذاتها وأظن أني أنجح فيما اشتغل عليها كتاب الليبرالية السعودية وما سوقوه من تغليب سوء الظن حتى في ابتسامة الإنسان..يصف أحد الكتاب الليبراليين ابتسامة في ديني لفرد اجتماعي بأنها ابتسامة استدراج غير بريئة.

إن استثمار أفراد من الصحوة الدين لأهداف سياسية ممكن، واستثمار الليبراليين للدين لنفس الأهداف ممكن إلا إذا كان لدينا قدرة إلهية للتفريق بين الملائكة والشياطين..

وأنتهي إلى أن الدعوة إلى الصلاة في البيت جزء من الدعوة إلى التحزب للذة ولا أعرف ما المبرر أو المغزى الوطني لتأليف هذا الكتاب الذي لن يكون له مردود وحدوي إيجابي إلا باقتراح وحدويات أخرى تنطوي على خطاب معاكس لثقافة صلاة الجماعة..

ربما صالة السينما التي سأتناولها لاحقا كوحدة بديلة.

الرياض Hm32@hotmail. com
/td>

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة