Culture Magazine Thursday  21/01/2010 G Issue 295
فضاءات
الخميس 6 ,صفر 1431   العدد  295
 
أعراف
الحرب والسلام
محمد جبر الحربي

لسنا بحاجة إلى استعادة زهير بن أبي سلمى، وما الحرب إلا ما علمتم وذقتمُ، ومتى تبعثوها تبعثوها ذميمةً، ولا إلى الحرب والسلام لتولستوي، ولا إلى القيامة الآن، ولا إلى الرابع من جولاي، لنستعيد ويلات الحرب، فنحن نعيش الحرب على جبهاتٍ متعددة منذ صرختنا الأولى، وابتسامتنا الأولى، ولثغتنا الأولى.. منذ الخطوة الأولى، والفهم الأول، والكتابة الأولى.

ولما كبرنا وقرأنا التاريخ والواقع، واحترقنا بهما، اكتشفنا أننا نقذف من فوهة بركانٍ إلى الذي يليه، فكانت جراحات فلسطين وسورية ومصر ولبنان والعراق واليمن والسودان والصومال، وكانت حروب الاستقلال، والتحرر، متزامنة مع الحروب على الجهل والتخلف، والعادات والتقاليد الجاهلية الهجينة لا الأصيلة، ثم كان وعينا بحروب الطاقة، والاقتصاد، والماء، وحروب المعرفة والثقافة والاتصال والتقنية..

لم يكن لدينا وقت لالتقاط أنفاسنا من براثن الصدمات والكآبة والحزن، ومع ذلك حفرنا على الصخر بأننا أرواح تبحث عن الحق والعدل والمساواة في هذا العالم الظالم، وأن من حقها الخير والحب والجمال والسلام، وأنها قادرة على إنتاج كل ذلك رغم محاولات الأعداء الجادة والحادة عبر الحروب المنتظمة الظاهرة، والخفية طويلة المدى، تلك الحروب المفروضة علينا لإبقائنا خارج سرب الحب والجمال والسلام، خارج الحياة نفسها.

وكان للإيمان أن ينتصر، وكان للفأل أن يثمر، وكان لبناة الحضارة، وأصحاب الحق، ودعاة الخير والسلام أن ينتصروا، بدءاً من انتشار الوعي بالحق والقضية بل القضايا، والثبات على مواقف الرفض للهيمنة والاستغلال والاستعمار بأشكاله القديمة والجديدة، والثبات على مبدأ المقاومة المشروعة الفاعلة، إلى انتشار الإبداع الكاسر لاحتكار الواجهات، إلى نشوء وعي وضمير عالمي جديد خاصة بعد الحروب القذرة الأخيرة وافتضاح خلفيتها وأرضيتها بفعل العناد والجهاد، وإدراك البعيد قبل القريب لسيل الأكاذيب الذي تسوقه الدول التي تعتبر نفسها خارج القانون كلما أرادت احتلال أو تقويض أسس هذا البلد أو ذاك.

وإذا كان من المهم جداً أن تكون لنا كلمتنا الطيبة الثابتة الهادفة الصادقة المحاربة الشجاعة، لأن الكلمة كالرصاصة بالفعل، ولأن للكلمة والإعلام الواعي الهادف والإستراتيجي، دوره الأساس في التعبئة والتحفيز، ورفع روح الشعوب، والتوعية بما يهدد كيان الأوطان والأمم، فإنه من المهم من الناحية الأخرى أيضاً أن ننتج في كافة علوم المعرفة والثقافة، وأن نكتب للإنسان مكرسين الجمال والحب، هازمين العدو في محاولاته الدؤوبة لنفينا، وعزلنا عن أدواتنا، وتجريدنا من صفاتنا النبيلة الجميلة، وأن نكشف للعالم عن منابع جمالنا الصافية، وعن أنهارنا التي جسدت هذه العبقرية العربية لغة وشعراً وبياناً، لوناً وضوءاً، وشجراً عالياً في حقول المعرفة والفنون.

إذاً على المبدع أن لا ينسلخ من قضاياه، وما يهم وطنه وأمته وأهله بحجج التحديث الواهية، وأن لا يقع في براثن الجسد، تأوهاته وتأويلاته، كما هي حال الانحدار الذي وصلنا إليه اليوم في كثير مما نقرأ، كما أن عليه في نفس الوقت أن لا يكون بوقاً نشازاً، وعازفاً جامداً، وتكراراً ممجوجاً يردد الصراخ القديم، معتقداً أنه يقوم بدور فعال في هزيمة الأعداء.. متناسياً دوره في الإبداع والتجديد، ورسالته في بث الجمال والحب.

إنها معادلة صعبة تحتاج للمعرفة والموهبة، ولعين ثاقبة، ولشعور عميق بما يدور في هذا العالم المسعور، كما تحتاج بالضرورة لشعور أعظم بحب الوطن والأهل والأمة، ومن قبل بالحب الخالص للغة والحضارة.

كُتبت بعض هذه القصائد، بصوت عال، علو صوت القنابل والطائرات، وصرخات الضحايا.

****

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب 5182 ثم أرسلها إلى الكود 82244

الرياض mjharbi@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة