Culture Magazine Thursday  21/01/2010 G Issue 295
فضاءات
الخميس 6 ,صفر 1431   العدد  295
 
ثقافتنا أمام مرآة جوالاتنا
عبد المحسن الحقيل

البداية كانت بإعلان مجانية الرسائل من قبل الاتصالات السعودية، وهو حدث مهم لدى عشاقها، فانساقوا من كل حدب ينشرون، يرسلون ويستقبلون، وامتلأ الجوال -أو المحمول سمه ما شئت- بالكثير الكثير من الرسائل.

والأجمل أن العقل الباطن هو المحرك هنا، أي أننا لم نفكر ما نرسل؟ كيف نرسل؟ لمن؟ لم؟

وعندما نتأمل تلك القائمة الطويلة نستطيع تحديد شيء من ملامح ثقافتنا، نراها واضحة جلية، فالرسائل الجوالية لا تخاطب النخبة، ولا الطبقة الراقية، بل هي للجميع دون استئذان ولا تحديد. وحسب جوالي وجوالات أصدقائي وجوالات أصدقائهم – فالتواصل هنا بعيد المدى وسأكتفي بها لأنها تصلح عينة للبحث-، وسأحاول هنا تقسيمها لمجموعات،وبعد كل مجموعة استنتاج قد يكون منطقيا، يعكسه مدى الاهتمام الجماهيري بتلك المجموعة:

أ‌

«أنا مسلم وأقولها ملء الورى

وعقيدتي نور الحياة وسؤددي»

ونصل إلى أن الرسائل ذات الطابع الديني احتلت 30% تقريبا من مجموع الرسائل، وهذا يفيد أننا شعب متدين، أو يود أن يكون كذلك فلله الحمد أولا وآخرا، مع أن 30% ليس رقما كبيرا جدا، لكنه خير من العدم.

وبتأمل يسير نجد تلك الرسائل لا تخلو من شعوذة أو كذب على غرار «أرسلها لعشرة من معارفك وستسمع خبرا سارا خلال أربع ساعات فقد رأى رجل اسمه أبو محمد الرسول صلى الله عليه وسلم فقال له: من أرسلها لعشرة من أصدقائه خلال أربع ساعات سيسمع خبرا سارا ومن أهملها سيسمع خبرا سيئا».

ومع أن الرقم أربعة لا يحمل طابعا دينيا كالرقم سبعة مثلا،ستجد دوما من يؤمن بمثل هذا مع أنه مستحيل الوقوع إلا أن يشاء الله، يااااااه كم نحن شعب نقي بسيط يتوق للجنة، ولكن حذار أن نكون فريسة وصيدا سهلا لمن يروجها ليستخف بعقولنا.

ب‌ـ

«وقوفا بها صحبي علي هزارها

يقولون لا تقطع هزارك واقعد»

ورسائل الطرائف والنكت تحتل قرابة السبعين بالمئة، تتربع على العرش دون منازع، والنكتة حسب رأيي هي الضمير الحقيقي للثقافة برمتها، وبتأملها نجدها تحمل سخرية منا في غالب مشاهد حضورها، فهل نحن شعب ينتقد نفسه بطريق لطيفة، أم نحن شعب مختنق يمارس التنفيس عن نفسه؟

لا سبيل لإجابة واضحة هنا، فالاحتمالان قائمان وكلاهما حق مشروع.

لكننا نلحظ غياب الفئة المحددة في الطرفة «واحد...»، فمع رسائلنا يكون هذا الواحد مطلقا، واحد وحسب، دون تحديد ثقافي ولا قبلي ولا جغرافي، وهذا يعكس وعيا ثقافيا ورقيا فكريا تحتضنه ثقافتنا اليوم.

لكن هذا الغياب ما يلبث أن ينهزم في طرائف الكرة: «واحد هلالي.. نصراوي.. أهلاوي...»، وهذا منطقي فغياب الهدف نتيجة الرقي الكبير في الطرفة الاجتماعية سوغ الاستغناء عنه، وهذا منجز يحسب للثقافة بعدم استنهداف أحد، لكن المستهدف موجود في الرياضة فعاد.

ج

«أأعتذر

عن القلب الذي مات

وحل محله حجر؟»

الرسائل العاطفية والأدبية -الشعرية خصوصا- تغيب، تغيب بعيدا، فتكاد أن تختفي،علما أنها كانت الأوفر حضورا قبل العرض حسب زعمي فلم؟

هل نحن شعب بعيد عن أجواء الرومانسية؟ وهل تحتاج العاطفة عرضا مغريا لتحضر؟

الحق أن إجابة سؤال كهذا ضرب من المغامرة، فغيابها يثير ألف علامة استفهام لا تجد جوابا.

من كل ما تقدم نجد رقيا في التوظيف، وبعدا عن الاحتقار، وسعيا حثيثا وراء التميز، فرسالتك تشي بك، وتعطي انطباعا عنك.

ونلمس شيئا من الهدوء الجميل الذي يعكس استقرارا حقيقيا بفضل الله، ثم بفضل حكومتنا الرشيدة، ونرى الكثير من الركض خلف الغريب بكل صوره وتلك طبيعة البشر.

ومن كل هذا يثور السؤال: ما مقدار الثقافة الحقة الذي تعكسه تلك الرسائل؟ هل نحن شعب مثقف؟،أم أننا شعب يفقد ثقافته رويدا رويدا؟.

شخصيا.. لا أملك إجابة شافية، وليبق السؤال مقترحا يبحث عن جواب.

****

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«8022» ثم أرسلها إلى الكود 82244

الرياض

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة