Culture Magazine Thursday  27/05/2010 G Issue 312
تشكيل
الخميس 13 ,جمادى الآخر 1431   العدد  312
 
من الحقيبة التشكيلية
تعاني من تجاهل الجمهور وتفتقد المقتني
المعارض التشكيلية كثافة حضور يوم الافتتاح واختفاء في بقية الأيام
إعداد: محمد المنيف

هل تكسبون من معارضكم..؟، وكم تبيعون اللوحة..؟، وكم أغلى لوحة بيعت لكم..؟. هذه هي الأسئلة التي يرددها العامة عند التقائهم بفنان تشكيلي ومع ما يمكن أن يتلقوه من إجابات إلا أنها تحتمل الصدق أو عكسه وأحياناً المبالغة فيه، فهناك من يقول إنه لا يبيع لوحاته لأهميتها عنده ولهدف معين، منهم الفنانة صفية بنت زقر التي كانت تخطط منذ أن بدأت ممارسة الفن على أن لوحاتها مشروع متحف فني وكان لها ذلك بعد سنوات طويلة من العمل الدءوب والتنقل بين مناطق المملكة لرصد الواقع البيئي والاجتماعي الثابت والمتحرك الأرض والناس فأسست دارة صفية للفنون بمحافظة جدة، هذا النموذج لا يتكرر وقد يكون متفرداً أما الغالبية فهم يتعاملون مع الفن بهدفين أحدهم الحضور والمنافسة والآخر الكسب المادي الذي أصبح قضية أزلية حملت الفنانين ما لا يحتملون، وإذا عدنا إلى موضوع حقيقة المبيعات أو المبالغة في الحديث عنها لدى بعض الفنانين مع ما أشرنا إلى أنها أحياناً كثيرة غير صادقة فإننا أيضاً سنكون منصفين بأن الفن له دور أهم وأكبر من البحث عن المادة مع ما يتمناه الفنان من تحقيق الهدفين معاً. وقد مر على الفن التشكيلي السعودي ما مر بغيره من التجارب في كل مكان بالعالم والمطالب مشتركة في أي موقع كان وأبرزها الجانب المادي إذا كان الفنان متفرغاً للفن ويعيش على ما يتلقاه من إبداعه وهنا تختلف الظروف والمجتمعات ومستوى الأعمال وكيفية تسويقها والفارق بين عمل يقتنى من مرسم فنان وعمل يقتنى من رصيف لرسام وليس فناناً مع تقديرنا لكل الأذواق واحترامنا لحرية عشاق اللوحة على اختلاف ثقافاتهم.

الدعم الرسمي للمعارض

قبل أن نتحدث عن المعارض التشكيلية التي يقوم بها الفنانون على حسابهم يجب الإشارة والإشادة بالدور الكبير الذي تقوم به الجهات الرسمية المعنية بالفنون التشكيلية منذ انطلاقتها في الرئاسة العامة لرعاية الشباب التي أسست الحركة التشكيلية ورسمت طريقها وأثبت وجودها على المستوى المحلي والعربي والعالمي وصنعت الفنانين التشكيليين عبر أجيال متعددة من خلال إقامتها المعارض الجماعية والفردية وإشراك الفنانين في كل نشاط دولي واستضافة الفنانين من العالم لإقامة معارض لهم بالمملكة كما لا ننسى ما تقوم به وزارة الثقافة والإعلام حالياً من دعم وتواصل واستكمال للمسيرة وتتويجها لهذا الإبداع بتأسيس جمعية للفنون التشكيلية نأمل أن تمنح الخصوصية وتدعم بالميزانية.

المعارض المحلية لا جمهور يذكر

قضية تجاهل الجمهور للمعارض التشكيلية ليست وقفاً على معارضنا المحلية أو أنها الوحيدة التي لا تجد الاهتمام العام وإنما هي قضية عامة تشتكي منها كل الأوساط التشكيلية وعلى المستوى العالمي باستثناء ما يمكن أن يكون حالة خاصة لها مقوماتها وظروفها، ومن المؤسف أن ما نشاهد من اختفاء للجمهور بعد حفل الافتتاح الذي يجمع خليطاً من الحضور بين محب للفنون وهؤلاء قلة لا يتجاوزون أصابع اليد الواحدة بينهم بعض التشكيليين الراغبين في معرفة الجديد في المعرض أما الأكثرية فهم الضيوف المصاحبين للشخصية المفتتحة للمناسبة أو المعرض وكلما كانت هذه الشخصية ممتلكة الحظوة الشعبية أو ترأس قطاعاً كبيراً فإن الجمهور سيكون أكثر تقديراً لها، هذا الواقع المؤلف الذي يمثله الحضور في أول يوم والاختفاء بقية الأيام تضع الفنان في حيرة من أمره ودفعه لإعادة ترتيب أوراقه خصوصاً إذا كان يقيم معارضه على حسابه أما إذا كان مدعوماً من أي جهة فالأمر أسهل وقد يكفيه ما يجنيه من إعلام مهما كان قليلاً والبركة في المواقع الإلكترونية والشبكة العنكبوتية التي أصبحت تمنح الهزيل اهتماماً أكثر من الجزل، وأتذكر هنا كثير من المواقف منها ما حدث لي عند إقامتي معارض شخصية توقفت عنها قبل سبع وعشرين عاماً وأخشى أن أجد ما وجدته وقتها من إحباط عند عودتي القريبة للساحة وللمعارض الشخصية مع أن الفنانين التشكيليين في تلك الفترة أقل عدداً من الآن وكان الإقبال على المعارض لاكتشاف ما يعنيه المعرض وما يحتويه وليس إعجاباً بما يقدمه الفنان، أعود للمواقف التي يمكن لأي منا معرفتها عند زيارته لأي معرض تشكيلي حيث الهدوء القاتل والصمت الكئيب والشعور المدمر في عيون الفنان الذي يستقبلك بشغف ليقضي معك بقية الوقت المحدد للعرض صباحاً كان أو مساء، وقد يصادف زيارة بعض من طلبة الجامعات المكلفين ببحث عن المعارض فيحيل الجلسة والمعرض إلى تحقيق طويل يمتد إلى معرفة عدد أفراد الأسرة ودخلك الشهري وهل اقتني لك لوحات إلى آخر المنظومة الحوارية.

بالطبع حضور الجمهور مرتبط بالحدث وأهميته لديه فهناك فرق بين معرض تشكيلي أو أمسية لشاعر شعبي أو حفل غنائي أو أمسية سرد قصصي أو شعر حديث وقد يكون الشعر الشعبي أكثر الإبداعات الإنسانية قبولاً وشعبية لأسباب لا مجال لذكرها حتى لا يغضب منا الشعراء.

المقتني السعودي..

السمن في الدقيق

لا شك أن من أهم اهتمامات الفنان أن يقبل عليه مقتني لأعماله يرد بما يمنح له مقابل الاقتناء ما يسد رمقه ويسدد ديونه التي تحملها من أجل أن يقيم معرضه ومن المؤسف أن هذا العنصر مفقود وإن وجد فإن أسلوب الاقتناء يتحول إلى بيع وشراء ومحاولات من الطرفين فالمقتني يحاول تخفيض السعر والفنان يصر على ما حدد للعمل من قيمة يختلف الاثنان في معناها فالقيمة عند الفنان ترتبط بالعمل ذاته وأعني القيمة الفنية أما عند المقتني فالأمر مختلف إذ إن النظرة هنا مادية بحتة يصل الأمر في نهايتها إلى اتفاق بالبيع بالقطعة أو بالمتر فلكل عمل مقاس وحجم ووزن أحياناً، لقد عشنا الكثير من المشاهد في كيفية تسويق الأعمال منها المكشوف ومنها السري كما يقول عنها بعض الفنانين وصل الأمر فيها إلى أن يبيع الفنان أعماله بأبخس الأسعار خارج حدود المعرض وهناك الكثير من هذه المواقف لفنانين كبار يشهد لهم بالريادة لم يستطيعوا مقاومة الظروف فقللوا من إبداعهم وقبلوا أقل سعر يصل أحياناً إلى الخمس مئة ريال.

إن أول ما يتبادر إلى ذهن الفنان إمكانية بيع شيء من أعماله ومع ذلك يتقبل الصدمة إن رجع خالي الوفاض وأعاد لوحاته إلى مرسمه كما خرجت منه، وفي المقابل يقوم البعض من محبي الفنون باقتناء أعمال مستنسخة لفنانين عالميين أو من فناني الشوارع في باريس ولندن وروما دون وعي بما يعنيه العمل الأصلي لفنان معروف في محيط هذا المقتني ولهذا وفي حال تطبيق المثل (السمن في الدقيق) ما يحقق الأهداف الجمالية وامتلاك ثروة وطنية ولنا في ما تم بيعه من أعمال لفنانين مصريين في مزاد عالمي ما يثبت هذا القول وإن العمل النقي النابع من مبدع من الوطن أهم وأكثر قيمة من عمل لفنان مجهول أو لا صلة له بواقعنا.

الفرق بين الإعلان..

والإعلام عن المعرض

أذكر الكثير من مبررات ضعف إقبال الجمهور على المعارض التشكيلية مع إنني مؤمن بأهمية الإعلام عن المعارض كون بيئتنا الاجتماعية غير واعية بهذا الفن ولن تصل إلى الوعي به قبل مئة عام خصوصاً إذا استمرت الحال على افتقادنا للثقافة الجمالية وسبل تنميتها في المناهج التعليمية. فهناك من يضع اللوم على الإعلام وهناك من يرى أن توقيت إقامة المعرض واختيار الشخصية المفتتحة وما تتمتع به من قيمة اجتماعية أحد أسباب نجاح المعرض ومع ذلك ليحقق هؤلاء ومبرراتهم أي نجاح في المعارض التي قاموا عليها أو أقاموها لأعمالهم فالأمر كما هو لم يتغير بل تراجع أكثر من سابقه ولهذا ومع ما أعد لبعض المعارض من حملة إعلامية سبقت العرض تابعت العرض نشرت أخبار المعرض في مختلف الصحف ومع ذلك لم تحرك تلك الحملة ساكناً وبقي الحال على ما هي عليه، لهذا يحب أن يعي منظمو المعارض خصوصاً في هذه المرحلة أن الإعلان وليس الإعلام (الإخباري) هو المتسيد وفي هذا الزخم من سبل الدعاية المرئية والمسموعة لعل وعسى أن تحقق هدفاً مع شكي بالنجاح في هذا الجانب فكثيراً ما أعلن عن أحد المعارض التي أقيمت في أحد المجمعات التجارية وبشكل كبير في الإذاعة وعبر رسائل الجوال ومع ذلك لم تحقق نجاحاً ولا حضوراً إلا للتسوق..

كما يجب ألا تكون الدعاية بشكل عكسي تسيء أكثر مما تجذب ومنها أن يقبل الفنان دعم مؤسسة تفرض عليه وضع منتجها على كتيب وبوستر المعرض كما شاهدناها في كثير من المعارض.

إثبات للقدرات..

والبحث عن الشهرة

هنا يمكن أن نعود لنطرح السؤال المباشر البعيد عن أسئلة العامة لنقول للفنانين هل إقامة المعرض إثبات للذات والقدرات الإبداعية أم أنه سبيل للشهرة..؟ وبين هذا وذاك فارق كبير فالمعرض الذي يقدم من خلالها الفنان تجربته يعد مكسباً للساحة مهما افتقدنا الجمهور وهذا يضع الفنان في مساحة من الارتياح حتى ولو قل زواره أما من يبحث عن الشهرة والظهور الإعلامي فسيحبط ويكتشف أن هذا الطريق ليس أكثر تأهيلاً لهذا الهدف من العمل في التمثيل أو الكرة أو الطرب.

monif@hotmail.com
/td>

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة