Culture Magazine Thursday  28/10/2010 G Issue 321
قضايا
الخميس 20 ,ذو القعدة 1431   العدد  321
 
أدبيات الفيس بوك.. رؤية وواقع وتجارب

الثقافية - عطية الخبراني

استحالت العديد من صفحات الأدباء والمثقفين والكتاب السعوديين على الموقع العالمي (فيس بوك) إلى ما يشبه الورشة الأدبية التي يظهرون من خلالها ما يكتبون لأول مرة ليستمعوا لآراء الأصدقاء والمتابعين فيها ممن لهم ذات الاهتمامات، وقد يكتفي الكثير منهم بنشرها على حائطه ولا ينشرها في أي مكان آخر، وعادة ما يكمل بعضهم النصوص التي بدأت شرارتها لأول مرة في (فيس بوك) في مكان آخر بعد أن يشعر أنها قد تكون قابلة للنشر إن اكتملت. ولعل من مميزات هذا الموقع العالمي العديد من الخصائص التي تسهل على الكثير القراءة والمتابعة وعدم الحاجة إلى كتابة تعليق على ذلك النص، ومن تلك المميزات إشارة (أعجبني) التي قد يستخدمها الكثير للتعبير عن إعجابهم بهذا النص أو ذاك دون أن يكون أحدهم بحاجة إلى كتابة تعليق عليه.

ولعل من أبرز الصفحات التي ينشر فيها صاحبها نصوصه هي صفحة وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبدالعزيز خوجة حيث يشير معاليه إلى من يريد من أصدقائه في الصفحة بقراءة نصوصه وذلك بوضعها على حائط كل منهم بالإضافة إلى الكثير من الأدباء.

بينما ينشر الكثير من الشباب نصوصهم سواء التي ما زالت قيد التحرير والتعديل أو القديمة والتي ربما قد نشرت في أماكن أخرى بغية الحصول على آراء ممن يرون فيهم الأهلية لنقد نصوصهم أو التعليق عليها بما تستحقه بحكم الانتشار الواسع الذي يمنحه هذا الموقع، ولأن عدداً منهم يعتقد أن كل هذه الأسماء لن يجدها إلا هنا.

ظهرت مؤخراً حالات غريبة ربما قد تساهم مستقبلاً في إحجام العديد من الكتاب والأدباء عن ممارسة نشاطهم كما كانوا وبذات الأريحية والحرية ومنها انتحال الأسماء والإساءة للناس بأسمائهم، وكذلك التعرض لهم بإساءات من قبل معرفات تكتب بأسماء مستعارة، وكل ذلك من شأنه أن يساهم بطريقة أو بأخرى في إضعاف طرق التواصل الجميل في هذا الموقع.

حيث يرى الشاعر محمد جبر الحربي أن «فيس بوك» هو في الحقيقة أقرب إلى الورشة الاجتماعية التي يلتقي فيها المبدعون بكل فئاتهم، والإعلاميون والناشرون والمحللون والمتذوقون والقراء.. أي كل شرائح المجتمع تقريباً, وهي فرصة لكي يعرض كلٌّ بضاعته، بطريقته الخاصة, إنه أشبه بسوق مفتوح، أو معرض دائم.

وتذهب الشاعرة عبير العلي إلى ما ذهب إليه الحربي من أن فضاءات الفيس بوك يصح أن نُطلق عليها ورشة أدبية ونافذة وصل بين كتاب وشعراء من أنحاء الأرض كافة وبمختلف الثقافات والتوجهات, وتضيف العلي أنه أصبح لها في هذا الموقع قُرابة ثلاثة أعوام, قرَّب لها الفيس بوك أسماء كانت تتمنى أن تقرأ لها أكثر وعرَّفها على أسماء أخرى تستحق القراءة والإعجاب، فكان نصيبها معه أن تشاركهم يومياتهم وتفاصيل حياتهم التي ارتضوا أن يجعلوها مشاعة أمام أنظار الأصدقاء.

وحول ذات الموضوع يقول الدكتور علي الرباعي: دون شك أن الفيس بوك مسرح كبير يجمع لك جمهوراً عريضاً من شرائح متعددة إلا أن معظم ما يتم نشره لا يعد إلا من قبيل الخواطر الآنية والكتابات الانفعالية بنت لحظتها، هذا على الأقل ما يحدث معي كوني لا أتعاطى مع ما أكتبه في الفيس بوك على أنه مشروع نص قابل للاكتمال وإنما هي ومضات تحاكي بها عالماً افتراضياً وتحكيه.

وفي سياق آخر تقول الشاعرة عبير: ولأن صفحة الشاعر أو الكاتب تعتبر صفحة (شخصية) فهو يستخدمها كمسودة أولى يقبض فيها على فكرة عابرة أو صورة تتهادى في خياله خاصة تحت إلحاح السؤال الذي نراه، كلما فتحنا الصفحة الرئيسة: (ماذا يخطر في بالك؟)، هذه البدايات قد تكتمل نصاً حينما تنضج فكرته أو يبقى مجرد حالة وضعها الكاتب وتجاذبها مع أصدقائه نقاشاً ورأياً. معبرة في الوقت ذاته أن الفيس بوك عامل جيد في التبادل الثقافي والمعرفي والأدبي، ووسيلة تقارب بين الأدباء، وفضاء نكتشف فيه دون مواربة الإنسان الذي يقبع خلف ما اعتدنا قراءته من حروف.

ويجيب الشاعر محمد جبر الحربي على سؤال: لماذا توضع النصوص التي ما زالت قيد التحرير والتعديل أو شرارة النص الأولى؟ قائلاً: شخصياً لا أفعل ذلك، ولا أميل إلى ذلك، لكن ما المانع إذا لمعت فكرة، أو هطل مطلع قصيدة، من تدوين ذلك، خاصة وأن التفاعل هو في الغالب تلقائي، وسريع، كنبض الحياة المتسارع اليوم.

فيما يعتبر الدكتور الرباعي أنها حالة خاصة تعتري معظم منتسبي هذا الموقع زاعماً أن النصوص الجيدة والجديدة أثيرة على كاتبها ونشرها مدعاة للسطو والاقتباس وإماتة الفكرة وما ينشر من أصدقاء الفيس بوك هو أشبه بالمسامرات ومحاورات العرضة وشعر القلطة، لأن ما يأتي من تعليق على النصوص من غير مختصين يدخل في باب المجاملات والإعجاب، واصفاً الكتاب والأدباء في الفيس بوك بالكائنات الاستعراضية التي تتقاطع مع كائنات أخرى تمتاز عنها بصدقها وعفويتها في التعبير عن ذواتها.

وأما الشاعر عبدالصمد حكمي فيجيب قائلاً: أنا لا أنشر ولا أطرح إلا ما أراه جديراً بالطرح والقراءة. مضيفاً إلى أن أحد أسباب اختياره هذا الموقع لنشر نصوصه هو أن من خصائصه أن تختار من يقرأ لك عن طريق الدعوات التي تقدمها لهم.

وحول ما يمكن أن يسمى ظاهرة في تفاعل الناس والأدباء مع التقنية الحديثة في صناعة نص نستطيع أن نسميه بالومضة الإلكترونية أو النص الإلكتروني، يقول الشاعر الحربي: كل نشرٍ في الفضاء الإلكتروني يحقق انتشاراً إضافياً مميزاً للأديب، ويحفظ مواضيعه منشورة لفترات قياسية، وتعطيه الحق بالتحكم في كيفية نشرها في الغالب، ثم تحفظ كإرشيف يمكن العودة إليه, لكن دعنا نأخذ الموضوع من زاوية أخرى فهذه الظاهرة، وأقصد النشر على جدار الفيس بوك بشكل عام، وما نذكره هنا بشكل خاص، يمكّن المبدع من معرفة الشرائح التي يعجبها عطاءه، وتلك التي تتفاعل مع مواضيعه، إيجاباً وسلباً، وربما كان ذلك مؤشراً له على ردود الفعل تجاه أعماله, حسب قدرته على التحليل المنطقي المتعقل، المعتمد على النوع في الغالب، لا على الكم وإن كان مؤشراً جيداً على قدرة التوصيل. بينما يخالفه الدكتور الرباعي بقوله: هي ظاهرة استهلاكية وغير ذات جدوى في تنمية موهبة وقدرة المبدع، تأخذ منك ولا تعطيك ولا تخل من سلبية تتمثل في دخول شخص واحد بأكثر من معرف وتقمصه شخصيات ذكورية وأنثوية ومثلية، وكل هذا اختراق للثقافة وتسطيح للوعي ومدعاة للكثير من الأسى، وأن الجدية آخر ما نفكر به وفيه ومشاريعنا خصوصاً في ظل التقنية مشاريع قنص وتلصص واصطياد.

فيما يرى الشاعر الحكمي أن التفاعل مع هذا الموقع أدبياً ظاهرة صحية مع قدر من التقنين. أما الشاعر والناقد الدكتور عبدالرحمن المحسني الذي جوابه مغايراً حيث قال:

يحسن بنا أن نظن بالتقنية الظن الحسن دائماً؛ فهي تقدم خيراً للإنسانية في عمومها بعيداً عن سلبيات قد توجد، وقد نجد من يحكم على هذه التقنية أو تلك من خلال تلك السلبية. وفي عالمنا العربي نتوجس خيفة من كل جديد، فكل محدثة بدعة، بعيداً عن تجرير مفردة محدثة وكلمة بدعة، والحديث صحيح في مسند الإمام أحمد ولكنه في سياق البدعة الدينية فمطلع الحديث الشريف (عليكم بسنتي...) فالدين الإسلامي حافز دائم على إعمال العقل في كل خير. أقدم بهذا لأثبت أن المستجدات التي تقذفها لنا التقنية ليست شراً محضاً بل فيها خير كثير والعبرة في ذلك بالمستخدم الذي يسخر التقنية في الوجهة التي يرى. ويواصل المحسني قائلاً: تقنية الفيس بوك تحرك بها المبدع العربي في مجال الأدب في اتجاهين مهمين؛ الأول تفاعل نصي يقوم على تفعيل ذات التقنية في ثنايا الأعمال الإبداعية كما رأينا في نص أحمد الواصل الذي سماه فيس بوك وجعل حيثيات التقنية هي محور حركة النص، وقد عرضت لتحليل ذلك في مقال نشر سابقاً.

الاتجاه الثاني: من المبدعين -وهم كثر- من يجعل من تقنية الفيس بوك طريقاً إلى التوصيل الإبداعي فينشر مقالاته وقصائده وأعماله الإبداعية على موقعه ليعمم فائدتها والتفاعل معها، وكل ذلك تفعيل حسن وسعي إلى استغلال أمثل لأدبيات هذه التقنية. وقد سعى أغلب الأدباء إلى فتح صفحات على الشبكة ناهيك عن المؤسسات، وهو ملحظ إيجابي يوحي أن المستخدم العربي بات على وعي جيد بتوظيف التقنية توظيفاً إيجابياً بعيداً عن مواقفه السابقة من تقنيات مماثلة.

/td>

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة