Culture Magazine Thursday  30/12/2010 G Issue 327
قراءات
الخميس 24 ,محرم 1432   العدد  327
 
رُومَانتِيكيَّةُ اللَّفظ في تعدُّدِيَّةِ المعنَى
«قراءة في ديوان «لغة الشموع والورود » لشاعر الرِّيف الأحسائي «عبد المحسن علي المطوع»
اعتدال الذكر الله

تتأرجحُ اللُّغَةُ الشَّاعريَّةُ الرُّومانتيكيَّةُ التَّفاؤليَّةُ الشَّفَّافة في ديوان شاعر الريف الأحسائي «عبد المحسن علي المطوع « (لغة الشموع والورود) الصادر عن دار الهدى للنشر والتوزيع عام 2007م ما بين ثلاث مفردات رمزية احتواها العنوان على غلاف المجموعة كل مفردة مشبعة بدلالات جمالية فنية ذات إيقاع معنوي نفسي يؤدلج نصوص المجموعة بسمات الشِّعر الرومانتيكي بمونولوجه الدَّاخلي وتراكيبه البنيوية ذات النَّسق الشِّعري التَّماثلي الخُطى في كافَّة أغراض القصائد عاطفيَّة كانت أو اجتماعية دينيَّة أو في الأخوانيَّات مع الوطنيَّة منها...

فالمعجمُ الشِّعْريُّ للشَّاعر المطوَّع في الدِّيوان جاءَ مُعتَّقاً بألفاظِ الأملِ وعبارات التَّفاؤل وحُبِّ الحياة فتنهالُ شاعريَّتُه بانسيابيَّة ٍ ما بين جمال الوصل ولهيب الحب وبسمة العمر وحُلُم اللِّقاء راسما فيها خارطته التَّكامُليَّة من بدء المجموعة حتى نهايتها فلا تكاد تخلو قصيدة من قصائد مجموعته من عبارات الحب والأمل والحياة... فمنذ البداية تتضح رومانتيكيته الشِّعرية في الصفحة الأولى حيث إهداؤه الديوان لليلاه التي لم يتورع في ذكر اسمها ووصف حالات عشقه حينما يلمح عينيها وتتجلى له في دمعٍ يتحلّى...

وقد نجح المطوع في إحكام قفلة الديوان وربط ختامه بمطلعه وكان القفل ما بين «الوحدة الكبرى» و»أنغام الضمائر» حيث تمجيد العمل التطوعي في مهرجانات الزواج الجماعي المقام سنويا في مدينته «العمران» شرق الأحساء. في قصيدتيه الأولى والأخيرة اللتين تمخضتا ما بين اللغة الدِّينيَّة في الأولى والرومانسيَّة في الأخرى.وما بين البين تتناثرُ قصائدُ الحب والوطن والإخوانيات في قاموس شعري واحد.

وتزدانُ وطنيته ألقاً في قصيدتيه «الوطن الأم» و»الأحساء عشقٌ وعطاء» فتراه يتفنن في لغته الوفائية عبر احترام الحقوق وطاعة الود وتلبية النداء وهو لا يتخلى في شِعره هنا عن الرومانسية والكتابة بالألفاظ العاطفية الرقيقة ذات الأبعاد الجمالية الناهضة في تحريك المشاعر ودغدغة الفؤاد فيقول:

أهواك حضنا سأبقى في قداسته

يحارب النسمة الحمراء في وطري

أسامرُ الأمس نشوانا بمبسمك ال

شافي فأنت سروري اليوم بل عمري

وتتوحد الموسيقى الشِّعريَّة ذات التفعيلات العروضية الكاملة في موضوع الوطن وتأتي القصيدتان الوطنيتان على وقع بحر البسيط السليم البنية دون زحافات ٍ غير مستساغة أو علل ممقوتة وكأن إحساسه بالوطنية واحد لا يمكن أن يثنى أو يبدل حتى على حساب التنغيم الصوتي ووحدة الإيقاع فيتغنى بعشقه للوطن الأم على وقع وتيرة صوتٍ موسيقي ٍ موحَّد..

ويبدأ إخوانيَّاته الشِّعرية وقصائده الاجتماعية في الديوان بالعتاب على ضوء الشُّموع فيكتب قصيدة « شموع وعتاب» معاتبا فيها إحدى أعضاء المنتدى الأدبي في مدينته العمران قائلا:

أعزائي وإنْ صدح العتابُ

وصحب الجد إن عز الصحابُ

ومهما اجتاح في الإبحار شوقا

لبحركمُ فلا يدنو اليبابُ

ويسترسل في عتبه بالنداءات القريبة من النفس فتراه تارة يخاطبهم بأعزائي وأخرى أحبائي ويخلع عليهم صفات الحب والوفاء متشوقا لوصالهم غافرا نأيهم ممجدا منتداهمُ الشِّعري الذي يتسامرون فيه بقضايا الفكر والأدب الصانعة عزهم وأسيافهم المهابة...

وتتنوعُ إخوانيَّاته ما بين العتب تارة والتحيَّة والتهنئة والإهداء أخرى فهناك يعاتب صاحبه في ملتقى الشِّعر متذمرا من غيابه وهنا يحييِّ آخراً تحيَّة حب وشوق للوصال الحُلم الذي كان يؤرقه فأسعده به ويهنئ الثالث بإصدار نتاجه الشِّعري الأول فيترقق في مناداته تواضعا فيصفه بالسيد والشاعر الناري وقبس الكرامة وفي موضع آخر يهدي الرابع أبياتا يكبره فيها ويجله منبرا وكتابا ولأن القصيدة في رجل دين باتت لغته فيها مصطبغة بالدين والفقاهة والشَّرع فيتقافز العلمُ والكتاب من بين التراكيب اللغوية وينتصب المنبرُ والمآذن تبكي الذبيح نوحا ومصائبا ويتسور المحراب جدث الحياة لعروج غاية الأحرار وتتحلق الملائكةُ بالصالحين حيث الجنان والشيخ بدرٌ أضاء الكواعب الأتراب..

في قصيدته « الشاعر الناري « التي هنأ فيها شاعر الإحساء الكبير « جاسم الصحيح « لإصداره ديوانه الأول تبدو اللغةُ حُرَّة طليقة تتقاذفُ التهنئة وتطوف بها الكون مؤتلقة واثبة كوثبة الصبح حينما يزيل الليل ممتشقا اليراع الأشم الحر فتطفو ألفاظ الانطلاق والحرية عائمة عبر الأبيات بتتاليها (الأفق، الوحي، منطلق، شماء، سما، طفت، الكون، الشمس، الصبح، أجنحة، أنفاس) صانعة للنص حركة فضائية تتناسب وانطلاقة الممدوح في سماء الأدب وملحمة الأشعار..

الوطن لدى الشاعر في ق صائد ديوانه يتماوه ما بين الوطن والمدينة والقرية فتارة يكتب عن بلده حصن الخالدين وجذر الإسلام ودوحة الأحرار وأخرى الوطن عنده منطقته الأحساء حيث أنها أنسه حينما تجتاحه نار الهموم وشوق الفكر والقلب وحضنه المقدس وهي جنان الهدى ورحاب النخل وفيض الخير للبشر ِ.. وفي قصيدة أخرى يرى مدينته العمران هي وطنه إذا الربيعُ على يديها ينفتح وهي مكان تدفق الإيمان وهي دوحة الفرحة والورد والبرهان وبين كل ذلك يرى الوطن عامة أمه التي يتوق لحضنها ولثم تربها ويتغنى بحقوقها حيث الوفاء وطاعة الود وتلبية النداء..

في قصيدته « الأحساء عشق وعطاء « تبلغ لدى الشاعر حالات العشق والهيام أوج وهجها وتتدلى من بين حروف عباراته أفعال الأمر والمضارعة الآنية التي يتحبب بها لمعشوقته وتدخل في تراكيب اللغة الشِّعريَّة لديه لتكون نسقا لُغويا بدلالات معنوية ذات جمال يتعلق بطبيعة العلاقة بين العاشق والمعشوق فتارة يطلب منها أن تتيه وأخرى تضمد القلب وأن تروي النفس وتهدئ النبض وتخالج المهجة الوالهة ويتضح هنا أجمل أوقات الشاعر والتي خلعه عليها وهو وقت السَّحَر وتتكامل الرؤية الفنية عنده بترابط بنية الجمل الشعرية في صدر البيت وعجزه حيث التيه أو الاختيال وهو صفة ملازمة للأنثى الحسناء والنسيم وما يحدثه في الروح من انتشاء في وقت السَّحَر وهي في حالتها الأنثوية تلك يأتها تائقا إلها من سفره المضني قاصدا صدرها الريان حيث موطن السَّكينة والخلود..

أحساء تيهي نسيم الروح يا سحري.

آت ٍ إلى صدرك الريان من سفري..

وخالجي مهجتي الولهى إلى نغم ٍ

من النسيم صداه اللحن في وتري

وهدِّئي النبض في الأحشاء إنَّ له

من الفراق لهيبا شع في بصري

وضمدي القلب واروي النفس راحتها

أنت الطبيب وطبي ساعة الضرر

وفي موطن آخر يؤكد علاقته بوقت السَّحَر وهو قبيل الفجر يقول في قصيدة « أمومة المجد « ص33»:

وتظل في الليل ابتسامة مقلتي

فأرى الحياة بعالم الأسحار ِ

وفي البيت التاسع من القصيدة ص»28» يقول:

وألثمُ التربة المعطاء منك وكم

أسمو بلثمك فوق اللثم والأثر ِ

تظهر الصورة البلاغية في الفعل «ألثم» الذي هو أشد وأوقع وأبلغ من «أُقَبِّل» حيث الفرق ما بين الفعلين الشُّعوريين وبالأخص لو أورد الفعل « أقبل « لما اختل الوزن العروضي في البيت الشعري وتعدد صيغة اللثم في أوجهها المتتالية في البيت ما بين « ألثم ولثمك واللثم « زادته تأنُّقا ً وتأكيدا على الفعل وتقارب حرف الثاء في ألثم ولثمك واللثم والأثر أحدث تنغيما صوتيا ينعش السمع بانسيابية المعنى.. جاءت قصائد الديوان والمتضمنة تسعة عشر قصيدة عمودية البناء المعماري عدا قصيدتين جاءتا على وقع التفعيلة ذات الأشطر الموزونة المقفاة وعند التقطيعات العروضية لأبيات القصائد يتضح أن أغلبها قد نظم على وزن بحر البسيط «مستفعلن، فاعلن، مستفعلن، فعلن» مما ينتج عنه أن الشاعر أَلِفَ السَّبْك على وقعه الموسيقي فاسترسل فيه لفترات زمنية متقاربة وبأشهر متتالية (شهر 5، 6، 7، 1417ه).وفي بيئة مكانية واحدة حيث القرى التابعة لمدينة العمران من جواثا والحوطة والإسكان والرميلة.

قصائدُ الديوان الـ19 كُتبت خلال الفترة 1415هـ - 1420هـ وأبيات الإهداء 1428هـ والطباعة 1428هـ وتوطئة مُقَدِّمة الديوان 1426هـ فالأعوام الفاصلة ما بين الكتابات المتتالية والبعيدة عنها كفيلة للوم الشاعر عن هجرانه النظم وإقلاله من كتابة الشِّعر فهو يكتفي في الشهر بل السنة بكتابة النص والنصين قليلي الأبيات ومن خلال تصفح تواريخ القصائد يتضح أن لعام 1417هـ النصيب الأوفر وهو عام الشِّعر لديه وكنا نتمنى لو تأنَّى قليلا في إصدار مجموعته المتواضعة ريثما يتجمع لديه عدد من القصائد الجديدة التي يستطيع القارئ من خلالها الحكم على تجربته الإبداعية ولتمكن من الاستفادة من تجارب شعراء المنطقة ونتاجاتهم عبر تمخضها في نصوص إبداعية جديدة تخدم تاريخه الشِّعْري..

وتبقى مجموعة «لغة الشموع والورود» للشاعر عبد المحسن علي المطوع رغم تواضعها الإخراجي الفني والإبداعي وقلَّة نصوصها التي لا ترقى لمسمى ديوان جديرة بالقراءة والمطالعة كتجربة من بين عشرات التجارب الشِّعريَّة لشعراء منطقة الأحساء...

/td>

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة