Culture Magazine Thursday  02/06/2011 G Issue 344
فضاءات
الخميس 30 ,جمادى الآخر 1432   العدد  344
 
لائحة الأندية الأدبية بين الاعتماد الرسمي والتعميمات الإلحاقية
لمياء باعشن
-

بين يدي ورقة، ألمسها وأقرأها، وكل حواسي تجزم أنها موجودة، ورقة رسمية لها رقم وتاريخ صدور وصفة تعميمية، ورقة رسمية أعدها ووقع عليها وكيل وزارة الثقافة ومدير عام الأندية. بين يدي تعميم رسمي قائم على توجيه من معالي الوزير برقم وتاريخ، وموجه لجميع الأندية الأدبية مقترحاً دعم المثقفات، كيف؟؟ بقبول صوتهن فقط في ترشيح أعضاء مجلس الإدارة في المرحلة الأولى للجمعية العمومية (في السنوات الأربع القادمة)!!

وبعيداً عن كل المشاعر والاعتراضات على هذا التعميم من ناحية إقصاء النساء، فإنني أحاول أن أعقل ما جرى من ناحية قانونية وأن أفهم كيف سنخرج من هذه المعضلة. حين بدأت بوادر الغضب من فحوى ذلك التعميم، خرج معالي الوزير على صفحته في الفيس بوك بتوجه مخالف تماماً يقول فيه:

«بالنسبة لانتخابات المرأة في الأندية الأدبية: المرأة لها الحق في عضوية الجمعية العمومية وأن تشارك في انتخابات مجلس الإدارة ناخبة ومرشحة بل وأن تصل إلى رئاسة مجلس الإدارة عبر الانتخاب، وأي حديث عكس ذلك غير صحيح. وزارة الثقافة والإعلام لن تفرض أحدا ولن تتدخل.»Thursday at 4:19pm

(وأي حديث عكس ذلك غير صحيح)؟ أي حديث ينفي عنه معالي الوزير صفة الصحة؟ إشاعة مغرضة تدور في أوساط المثقفين يقصد بها الإساءة للمثقفات؟ كلام فارغ يتحدث به شباب في منتدى إلكتروني؟ همسات ومخاوف يتم تداولها دون داعي؟ يا ربي، ماذا سأفعل بهذا التعميم الذي تجزم كل حواسي أنه موجود؟؟ والأهم هو ماذا ستفعل به مجالس إدارة الأندية الحالية؟ وهل يجُبّ توجيه معالي الوزير الفيس بوكي تعميماً رسمياً مُوقعاً ومُرقماً ومُؤرّخاً؟

ربما ننظر إلى البيان الذي لحق بالتوجيه الفيس بوكي لنرى إن كان يحل لنا معضلة التعميم؟ في بيان صحفي أصدره وكيل الوزارة الجديد بعد زوبعة التعميم العجيب، أوضح أن حق المرأة في عضوية مجالس إدارات الأندية «مرهون بحصولها على الأصوات التي تخولها الفوز بهذه العضوية»، ثم أكد أن اللائحة لم تفرق بين الرجل والمرأة. لا، لا يقدم لنا البيان أي مساعدة ولا إشارة ولا علامة تفسر لنا معنى إصداره أصلاً، فلا الوزير ولا الوكيل قال بصريح العبارة إن تصريحاتهما هذه سببها تعميم سابق لا محل له من الإعراب سبّب بلبلة واسعة، فكل ما قرأناه هو ترديد لبنود اللائحة وكأننا لا نعرف ما تنص عليه، وكأننا طلبنا تبياناً لها.

الوضع ما زال بحاجة إلى توضيح عاجل، خاصة أن في إحجام معالي الوزير وسعادة الوكيل عن ربط بياناتهما الأخيرة بالتعميم الرسمي تأكيد على أن التعميم ما زال قائماً، فإننا لم نقرأ من أحدهما تراجعاً عما جاء به من توجيهات ولا تنبيهاً بأن التعميم يعتبر لاغياً بالضرورة بعد التصريح الفيس بوكي والبيان الصحفي. الآن أنت في مجلس إدارة الأندية الأدبية، وفي صادرك خطاب رسمي من الوزارة لا يشوبه شائبة، ثم تقرأ في الصحف بياناً لا تعرف صفته ولا لمن هو موجه، كما أنه لا يشير من قريب ولا من بعيد لهذا الخطاب الثابت في صادرك، فما الذي ستفعله؟ تهمل الخطاب، أنت في ورطة! تفعل الخطاب أنت في ورطة!

يا ترى ما الذي حدث في الخفاء؟ لماذا خرجت الوزارة فجأة عن كل تصريح سابق لتأخذ منعطفاً مغايراً تماماً لموقفها السابق المعلن مراراً وتكراراً؟ ثم، لماذا تراجعت، بل لماذا لم تتراجع؟ والله الأمر محير، وغير مطمئن.

الآن المشكلة ليست فقط في عدم اطمئنان المثقفات لنوايا الوزارة تجاههن، بل المفروض أن تكون في عدم اطمئنان المثقفين أيضاً في عدم صلابة اللائحة المعتمدة وإمكانية تعرضها للتدخلات التي تخل ببنودها وتضيف إليها بمذكرات إلحاقية بنوداً مستحدثة. كيف؟ حسناً، اللائحة لا تنص على تفرقة بين رجل وامرأة، لكن حين تقول الوزارة إن النساء ليس لهن حق الترشيح، فقد قامت التفرقة بقوة، وعليه فإن البند الذي ينص على أن العضو العامل (دون تحديد) من حقه الترشح والتصويت قد اختل تماماً، وهذا العضو لم يعد على ذلك عاملاً، بل هو عضو خامل، وهذا مسمى مستحدث يصف حال المثقفات داخل اللائحة.

والأصعب من ذلك هو بقية اقتراح سعادة الوكيل، كما جاء في تعميمه الذي تجزم كل حواسي أنه موجود: أن للمرأة الحق في أن ترشح نفسها أو من تراها لعضوية اللجنة النسائية. اللائحة المعتمدة رسمياً لم تأت على ذكر اللجنة النسائية ولا مرة واحدة، فإلى أي شئ استند سعادته في هذا التنظيم المقترح؟؟ لو تم تشكيل اللجان النسائية لكانت هذه إضافة جديدة ومسمى مستحدث تخرج بعده المثقفات تماماً من اللائحة المعتمدة، فهي بذلك لا تنطبق عليهن بتاتاً. وهنا مشكلة قانونية أخرى، إذ كيف لمن هن خارج اللائحة ومنقصر وجودهن على لجان نسائية بلا تنظيم ولا تخطيط ولا حقوق ولا واجبات أن يشاركن في الانتخابات بأصواتهن؟ بصفتهن ماذا؟ عضوات خاملات لم تأت اللائحة على ذكرهن؟

ونقطة قانونية أخرى: تظل الوزارة تكرر علينا في كل مناسبة ما حفظته من بنود اللائحة، أن الجمعية العمومية هي السلطة الأعلى للنادي، وأن جميع القرارات تعود إليها فقط. طيب، ما دام الأمر كذلك، فلمن وجه سعادة الوكيل تعميمه التنظيمي لعملية مشاركة المرأة في الانتخابات؟؟ تظنون للسلطة العليا في النادي؟ لكن تلك السلطة لم تتشكل بعد، والخطاب في التعميم موجه لمجالس إدارة الأندية الحالية المعينة وليست المنتخبة، فهل من حق أعضائها قانونياً التدخل بتنظيم لم يعرض على الجمعية العمومية والتي من أعضائها نساء، من حقهن التصويت على الأقل؟

يبقى السؤال: ما سر ذلك التعميم وما مصيره؟ هل خرج قبل موعده المحدد يا ترى فأوقع هذا الحرج غير المتوقع؟ هل كان من المفروض أن يخرج بشكل سري فات على الوكيل الجديد ومديره الجديد أن يضيفا كلمة سري في رأس التعميم، فشاع وانتشر وسرت به الركبان؟ ولو أنه خرج في موعده المفترض، وبصيغته السرية المفترضة، كيف كان له أن يطبق بسرية ودون سند رسمي معلن؟

ما هي أهمية النظام؟ أن يضمن لنا سواد الأسود وبياض الأبيض، لا منطقة وسطى ولا تذبذب. إما أن المثقفات عضوات عاملات، ولهن ما عليهن، وإما أنهن خارج اللائحة في لجان نسائية رديفة وتابعة لا يحكمها سوى الصراع على الفتات. إما أن الوزارة ملتزمة باللائحة وبنودها بعد اعتمادها رسمياً، وإما أنها ستتدخل بين الفينة والأخرى لنقضها ولنسف بنودها بمذكرات إلحاقية، إما أن التعميم ما زال قائماً واقتراحه المخل ببنود اللائحة مطروحاً، وإما أن تقوم الوزارة بإصدار تعميم آخر ينسخه ويعلن التراجع عما جاء فيه.

اللائحة يجب أن تضمن صمودها وصلابتها وقانونيتها، وعلى مقترح التغييرات عرضها على لجان ثم الحصول على موافقة وإجماع أغلبية. اللائحة لا يجوز التعديل عليها إذاً إلا بنفس الآلية التي صدرت بها أو بأداة أعلى. فهل ستضمن لنا الوزارة أنها فعلاً لن تتدخل في المستقبل، أم أنها ستظل تصرح فقط بأنها لن تتدخل وأنها ستراقب من بعيد، وتستمر في إقحام اقتراحاتها وإيعازاتها وإيحاءاتها الضمنية؟

-

+ جدة

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة