Culture Magazine Thursday  02/06/2011 G Issue 344
مراجعات
الخميس 30 ,جمادى الآخر 1432   العدد  344
 
أستراحة داخل صومعة الفكر
بغداد تاريخ يُهدّم إلى بيروت
سعد البواردي
-

خالد الخنين

16 صفحة

ديوانان.. وعنوان.. ومضمونان.. ثنائي شعري اصطفاه شاعر منفرد.. واخترته طائراً مغرداً بجناحين يحلق فوق سماء عاصمة الرشيد في بوح حزين.. وعلى سماء بيروت في عشق وحنين كي أشبع بهما مساحة هذه الاستراحة زاداً للتزوّد.. في رحلة استطلاعية أثق في إشباعها وإمتاعها..

بداية مع (بغداد تاريخ يهدّم) عبر قصيدة واحدة تستغرق الديوان من أَلِفه إلى يائه..

الحزن مزقني.. فماذا أكتب؟!

وبأيما لغة أقول وأعرب؟!

بغداد كل قصيدة سأقولها

هي من مدامعكِ الحزينة تشرب

أعطِ للحزن مساحته يا شاعرنا.. كل المآقي.. وكل المواجع.. وكل الفواجع صوت غضب يصرخ في وجه الغزاة الذين استباحوا. وأباحوا لخوذات جنودهم أن تدوس عاصمة التاريخ العباسي.. وتعيده ألف عام إلى الوراء..

أنا يا عروس الرافدين محاصر

والآه في كبدي يجيء ويذهب

عندي إليكِ رسائل طيرتها

والجمر في كلماتها يتلهب

وتأخذه الصور لمشاهد رمادية أطبقت تخنق أنفاس تاريخ الماضي وحضارته.. وحريته..

ما ذنب عصفور بدوحة (نينوى)؟

وحمامة في شط (دجلة) تلعب؟

ما ذنب تاريخ يُهدَّم كله؟!

كل الحقائق تستباح.. وتصلب!

أقول لك بصدق.. لا ذنب للتاريخ.. الذنب كل الذنب لمن فرَّط في تاريخه بوهنه وهوانه.. إنه نحن!

يا غادة الدنيا ونهر خلودها

لي مأرب ولأنتِ نِعم المأرب

إن كان ذنبي أن عشقك قاتل

فأنا مع العشق البريء المُذنب!

يسترجع الماضي في حيرة وحسرة أيام كانت شمس الحضارة لا تغيب.. ونهر الكرامة لا ينضب.. أيام كان صوت بغداد يخترق الأبعاد علماً.. وتاريخاً.. وفكراً.. وبطولة.

لي فيكِ تاريخ تلوح نجمه..

في (كرخه) الغالي. ويومى كوكب

ويتأمل الحاضر المليء بالانكسار.. وبهجمة التتار الجدد..

ضجّت أمس أم القرى وتوجعت

حزناً على تلك المرابع يثرب..

الحزن يا شاعرنا لا يكفي.. إنه صوت ضعف لا يرحمه الأقوياء.. ألست القائل؟!

ناديت وا عرباه.. بين قبائل

قحطان أنكرها. وأغضى يعرب

ناديت أين سيوف سعد. إنها

حرب على كل اتجاه تضرب..

ناديت. لكن لم يجبني واحد.!

منهم. ولا أم ترد.. ولا أب

ماذا تفيد السيوف في غمدها؟ والأسماع في وقرها.. والإرادة في قبرها؟!.. لا شيء.

كما حاصرتنا بالدمار عجائب

من أي شيء بعدها نتعجب؟!

العراق بوابتنا الشرقية باتت لعبة يتصارع حولها الطامعون أيهم يستأثر بخيرها.. وغزة حقل تجارب لأسلحة الغرب السامة كما لو أن أهلها فئران لا إنسانية لهم.. ولعبة (فرِّق تسد) بين العربي والعربي. والمسلم والمسلم، بل بين الفلسطيني والفلسطيني.. كي تخلو لعدوهم المشترك الدار.. ويُصفر فيها ما شاء أن يُصفر..!

شاعرنا رغم المأساة فإن بارق مواساة يُسلمه إلى شيء من الأمل

بغداد داري الجرح. موعدنا غداً

فالأرض حبلى. والمواسم تخصب

ضمي الجناح فنحن شعب واحد

وكما أتى الجيش المغير سيذهب

ضمي الجناح فلا تُحددُ ملّة

درب الخلاص. ولا يفرق مذهب

دعوة للخلاص.. شعارها التوحد.. والاعتصام بحبل الله.. والإعداد والاستعداد لمخاطر المستقبل بإرادة لا تعرف الهزيمة.. هذا عن ديوان شاعرنا الإبداعي خالد الخنين عن بغداد التاريخ الذي تعرّض للهدم بأيدي الغزاة البرابرة.

من بغداد يأخذنا ربان الرحلة عبر جناح طائره الثاني إلى بيروت.. وما أدراك ما بيروت..!

تفاحة العشاق خدِّكِ واليد

وقصيدة الشعراء أمسكِ والغد

وحصانك المسروج من حبق.. ومن

وَرد بذاكرة المواسم يشرد!

ويرسم لها صورة بانورامية موحية بالجمال:

قمران في شفتيكِ وجه صبية

وقصيدة في بال أرزكِ تولد

ويطرح السؤال على نفسه وقد تملكته حيرة لذيذة..

فبأي ميناء سأرسي مركبي؟

والموج يرغي في الضفاف ويزبد؟

ولأي دوح سوف يأوي طائري؟

والحب في أضلاعه يتنهد؟!

وتأخذه الذكريات كل مأخذ:

بيروت جئتك حاملاً في دفتري

ذكرى برجع حروفها أتعبد

أتأهب الرؤيا. يسافر مشهد

في آخر الدنيا. ويرجع مشهد

وأنا على شفتيكِ لحن تائه

وعلى جفونِك كحِلها والمرود..

ماذا أبقيت لنا في قاموس الهيام والعشق؟! أشعر أن المزيد من مفرداته في انتظارنا أيها الغِرِّيد الطائر بجناحي حبه.

أنا قادم ورد الرياض جوانحي

وعلى ذرى جبل الخلود أغرد

لبست حكايات المساء قصيدتي

والأيك خلف المنحنى يتأود..

قادم.. يحمل سنارته. وشباكه.. أمامه صيد ثمين.. ورغبة لا تنتهي..

اصطاد نهراً تائهاً.. وغمامة

بيضاء تقرب كالرجاء وتبعد

لي من (عشيات) الحمى متفيئاً

وشذى صبا نجد بها لا يجحد

الكل غنّى لليلاه.. فهل غنّى شاعرنا ولو من باب رفع العتب؟!

ولكل (ليلى) في كتابي وردة

ولكل بلقيس بكفي هدهد!

ومن دائرة حبه الوجداني إلى محيط حبه الإنساني..

بيروت يا سفر العصور إلى مدىً

لا ينتهي.. وحكاية تتجدد..

أهلي هنا. وطني هنا. وترابهم

والنار تومئ للقرى. والموقد

طعم الكرم له مذاق في شعره.. وطعم الكرامة له مذاق أكبر في شعوره..

وصدى صهيل خيولهم فوق الثرى

فتح توهج في سناه مهند

بيروت ذاكرة العروبة كلما

حنَّت إلى السقيا فأنتِ المورد

ولأنها بوابة العطاء الفكري لعالمنا العربي بإصداراتها وعقولها المفكرة المستنيرة..

قاتلتِ بالحرف النبيل. وقاتلت

لغة مقدسة. وشعب أصيد

بعد تفكير.. عرف كيف يرسي سفينته:

أرسي على شط الخلود سفينتي

والتيه يبرق في خطاي. ويرعد

في ظل قامتكِ التي لا تنحني

إلا لجبار السماء.. وتسجد..

وأخيراً مع شاعرنا المتألق وهو يستعرض علاقة لبنان بوطنه: يقول:

ما بين أرزك والنخيل أخوة

وهوى بكل قضية يتأكد..

ويمر على عكاظ، والمربد، والعقيق، وهند، والأخطل، وتقاطع الثقافة.. وأواصر العلاقة.. وينهي نشيد حبه.. وقصيد قلبه بهذا البيت الرائع.. وكل ما أوحى وأفضى به رائع..

شعب يعمده المسيح بحبه

ويقينه أن الرسول محمد..

شكراً لشاعرنا الخنين الذي أجاد.. وأعاد لنا أملاً في أن بيت الشعر الجيد ما زال قائماً.. وقادراً على ملء الفراغ في زمن بدأ فيه عود الشعر الجميل يضمر.

-


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة