Culture Magazine Thursday  05/05/2011 G Issue 340
مراجعات
الخميس 2 ,جمادى الثانية 1432   العدد  340
 
استراحة داخل صومعة الفكر
بشائر في أكناف الأقصى
سعد البواردي
-

د. سعد بن عطية الغامدي

207 صفحات من القطع المتوسط

بين الحلم والعلم هوة يصعب ردمها حين تتكشف الأوراق ويتعرى وجه الحقيقة على بشاعة الحاضر.. وأمنيات الأمس.. من حق أي شاعر أن يحلم، فالحياة دون وَهْم.. تماماً كسراب بقيعة دون ماء.. وكضباب رمادي محصلته ظمأ.. إلا أن وجع الحاضر وفجيعة الواقع حين يصطدمان بالأماني يتحولان إلى كابوس ثقيل يرهق النفس.. ويزهق الحس..

وأنا أقرأ عنوان شاعرنا وبشائره.. وأسترجع الواقع ومرارته أتذكر أطلال أم كلثوم الرائعة ومقطعها الذي يقول:

كان حلماً من خيال فهوى..

لن أسترسل في نبش النكبات.. ورصد الكدمات وهي كثيرة ومثيرة إلى درجة الفزع والوجع.. بل سأستعرض مع شاعرنا المتجلي الغامدي حيثيات بشائره التي ما زلت أتمناها.. بل وأثق أن فجراً ما سيطل على دنيانا مبدداً سجوف الظلام.. محطماً قيود الظلم.. فللحياة منطق لا يمكن تجاهله مهما كانت الصعاب.. منطق انتصار قوة الحق على حق القوة..

«أما في القوم من رجل رشيد؟!» هذا فاتحة العناوين:

أما في القوم من رجل رشيد؟

فيرفع راية القول الرشيد

ويأنف عن رخيص من بيان

وعن مجد يبوء به بليد؟

أقاموا من ضمائرهم فماذا

وبالأصوات قاموا بالمزيد

على هذا الوقع المستخذي والمزري ينتهي به القول.. إلى ما لا يرغب قوله:

فتيهي يا بني صهيون تيهي

ودونِك فاركبي فيهم وزيدي

وحسبكِ أن تقودي من تنادوا

يقودون الآلام بلا حدود

إلا أن أبطال الحجارة جدَّدوا في نفسه الأمل مقروناً بالعمل:

فيخرج حاشداً للطفل جيش

ويدفع للحجارة بالحشود

ترى دبابة.. وترى صبياً

ينازلها ويهزأ بالحديد

ذكريات من الماضي ما برحت عالقة في ذهن شاعرنا.. انتهت الحجارة بقرار سلام استسلام مجرد من السلاح والسلام.

«اذهب أنت وربك فقاتلا» العنوان الثاني:

مَن علَّم الجلاد أن يتكبرا

إلا الأشد تجبراً وتكبرا

ذاك الذي آواه وهو مشرَّد

وأقام دولته وآزر وافترى

وسعى له بين المحافل ناصراً

متودداً حيناً وحين منذرا

وما برح يحميه بالفيتو.. ويمدُّه بالمال والسلاح.. دون اكتراث بمصالحه.. ولا بمشاعر حلفائه.. لأن القرار إستراتيجي واسع الأهداف.

لم يعد الأقصى أسير احتلال.. الضفة محتلة.. غزة مستباحة ومحاصرة.. والعرب بين اعتدال يرى المفاوضات هي الحل، ومقاومة ترى السلاح هو الحل.

«الخوض في السلم» العنوان الثالث:

وتجمعوا للخوض في السلم

والناس تحت الطحن والفرم

البهم والجزار والراعي

وكذاك دلالان للبهـــــــم!

يتسابقون يكاد يكشفهم

في سعيهم حرص على الطعم

وتجمعوا لا شيء يجمعهم

إلا أمور كلها تصمي!

ومضوا إلى سوق بضاعتهم

ذعل العدالة والتقى الوهمي

نقموا من الطفل الذي انتفضت

فيه الكرامة فانبرى يرمي

خلاصة للمشهد رسمها بريشته لواقع تنقصه وحدة الصف.. ووحدة الهدف.. وضعف الإرادة.

وبقيت الحجارة بيد الصغار المحرك لبشائره الضائعة..

يا مَن سلاحك في ساح الفدا الحجر

ومَن هتافاتك التكبير والسور

يا من كفاحك رغم القهر مؤتلق

ومَن صباحك رغم الليل منتشر

يا مَن جنودك شيخ فوق مفرقه

تجثو السنين وطفل ناعم نضر

مفردة «السنون» فاعل مرفوع بضم الواو.. يحسن تصحيحها.

ودمع أرملة يسقي الجراح لظى

وكاعب في ربيع العمر تحتضر

يا كل عين أبت إلا السلاح غد

يستنزل النصر تحريراً وينتصر

ها قد أطل صباح ثائر قلق

وقد تحفز ليث كاسر ضجر

هذي الجراحات تغذو النصر أفئدة

وتزرع الثأر بركان وتستعر

الشيخ الذي تجثو السنون فوق مفرقه اغتاله الغدر فمضى شهيداً.. والحجارة أوقفتها مؤتمرات المؤامرات بداية من أوسلو حتى وادي عربه وشرم الشيخ!

«إلى الرجال من العرب» عنوان رابع تقول أبياته على هيئة تساؤل:

نحن هذي الشمس! هل تطفئها

ليلة تمضي.. وإن كانت طويله؟!

نحن هذي الريح! هل توقفها

صخرة تهوي.. وإن كانت ثقيله؟!

نحن هذا النصر! هل تزهقه

عصبة توذي وإن كانت قليله؟!

نحن هذي القدس! هل تلهو بها

زمرة. تقطر رجساً ورذيله؟!

نحن هذا المجد! ونحن جيل الثأر الذين ورثوا الفداء أباً عن جد.. وحفظنا الدين.. وحققنا في تاريخنا التليد بطولات وأمجاداً خالدة.. كل هذا صحيح إذا ما كنا نعني إرث الماضي.. بطولات خالد والمعتصم والأيوبي.. ولكن! هل حفظنا الأمانة؟ وهل حمينا ثالث الحرمين من غائلة الرجس والرذيلة؟!

هذا هو السؤال.. أكاد أقول يا شاعرنا ما قاله شاعر قبلك:

رب يوم بكيت فيه فلما

صرت في غيره بكيت عليه

عالمنا العربي من خليجه إلى محيطه.. وعالمنا الإسلامي من محيطه إلى محيطاته ومحطاته مستباح.. تسقط أوطان.. ويهان إنسان.. ويسخر شيطان.. ولا كرامة لفرد في وطنه.. العجز سيد الموقف.. والخلاف سيد المؤتمرات.. وتبقى الشعارات فارغة من مضمونها ومحتواها.. مجرد استنكار وشجب.. ومناشدة للخصوم في أن يرفعوا كابوس ظلمهم عنا.. وما هم برافعين.. لأن دعوة الضعف غير مستجابة.

«التمرد» عنوان خامس من عناوين ديوانه «بشائر في أكناف الأقصى».. تبحث عن بشائر ولو من باب يقظة الحلم:

تمرد هذا الليث فيمن تمردا

وقد كان غضا قبل فاشتد واعتدى

اعتدى يا شاعرنا كلمة غير موفقة.. الليث المقاوم لا يجوز وصفه بالمعتدي.. وإنما بالمناضل حماية عن عرضه وأرضه.. قل عنه مثلاً «فاشتد واهتدى» أو واقتدى تأسياً بشجاعة الأبطال المقاومين..

تمرد واختار الحجارة عدة

فأهوى بها.. تستهدف الوجه واليدا

وهل كان يملك غير الحجارة ليقذف بها مجنزرات ودبابات معادية! البندقية حتى البندقية محظورة عليه لأنه المحاصر من كل الجهات.. من الإخوة الأعداء.. قبل الأعداء الألداء.. هذا ما تتحدث عنه أخبار الساعة.. حصار حتى الموت.

تباشير حلمه فيما مضى ما زالت تدغدغ خواطره الشعرية.. وحسناً لم تتعرض لمصادرة من أحد..

فيا صبية سنا.. ويا سادة حجى

ويا قادة عزما.. ويا فتية يدا

رفعتم لواء لو أقيم عموده..

على حجر لا اهتز مجداً وأوردا

وما أنقذ الأفغان إلا ارتفاعه

وقد كان إذ جاؤوه غوثاً ومنجدا

غسلتم به عار النفوس.. وذلها

وأيقظتم عزماً أذل.. وأخمدا

العار يا عزيزي لم يُغسل بعد.. ما زال عالقاً يشوه مرآة حاضرنا.. ويستفزنا من أجل محوه.. أما الأفغان فحكاية أخرى لها فصولها.. وأصولها.. ما زالت على قيد الحياة لم تستكن بعد.. وما أخالها في نهاية المطاف إلا منتصرة بسلاحين سلاح العقيدة.. وسلاح الاستبسال لطرد الغزاة..

الدكتور الشاعر المقاوم بشعره أنهى عنوانه الخامس بهذا المقطع الجميل:

وليس لحر غير أمرين يصطفي

أعزهما عيشاً كريماً أو الردى

يذكرني هذا البيت ببيت آخر يحمل نفس المعنى..

فإما حياة تسر الصديق

وإما ممات يغيظ العِدى

في كليهما خير.. لو تحققا على أرض الواقع المعاش.. وما ذلك على الله بعزيز..

رحم أمتنا العربية مخصبة، ومنجبة لم تعقم بعد.. التاريخ يعيد نفسه ولو بعد حين.. بشارة أضيفها إلى بشائر شاعرنا.. لعل وعسى..!

«أنت يا وطني» معزوفة حماسية جيدة تحمل العنوان السادس لمنظومته الشعرية:

ما عدت أرى الغربة لي سكناً

ما عدت أرى غيرك لي وطناً

حصباؤك للنصر سلاحي

ونداؤك في البطش صباحي

هذا هو صوت الفدائي الذي يدافع عن بقائه على ثرى وطنه.. البطش مفردة خشنة أقترح أخرى حسنة تقول «ونداؤك في البذل صباحي»

صحراؤك شمسي ورياحي

ترويك دموعي وجراحي

مقاطع وطنية صالحة لكل مكان وزمان ولجميع الأوطان دون استثناء.. إنه يؤكد هذا التصور بقوله:

أنا أهتف بالعزة من عمق كياني

لا يرهبني الموت.. ولا يهدم موتي بنياني

لا يهوي صرح قام على

صدق العهد.. ونصر الرحمن..

صدقت يا شاعرنا..

عنوان تباشيره السادسة تتحدث عن سفينة العودة.. التي هُجرت فهاجرت ولم تعد بعد..

شراعك فتح عن قريب.. وموعد

وصاريك رمح في فم الخصم مغمد

وحيزومك العزم الذي هب شامخاً

تقوم له الدنيا احتفاء وتقعد

وموجك فياض وبحرك زاخر

وداعيك ميمون وشاطيك فدفد

على كل ميناء بشائر عودة

وأيام نصر كالنجوم توقد

لتلقاك في حيفا ويافا وغزة

قلوب يجافيها على القيم مرقد

مجموعة من أحلام اليقظة لا بد من اجترارها على من لا يدخل اليأس قلبه.. حتى ولو كان الحلم أشبه بالوهم.. فلا حيفا عاد إليها أهلها. ولا يافا أيضاً.. ولا القدس الذين تهدم بيوتهم ويحملون على الهجرة قسراً.. ولا غزة التي تقضم بأسنانها مرارة الحصار والدمار والدماء.

أخيراً شاعرنا المتألق الغامدي أعطى لنا جرعة من فرح نجترها على مضض.. جاء عنوان بشائره الأخيرة «لا وقت للحزن» هدية وداع به يودعنا. ويودعنا حلمه الجميل بصوت يقظة:

أيقظ جنودك.. هذا الشر يعتمل

والجرح كاللهب المسعور يشتعل

أيقظ جنودك هذا الغزو ألوية

عبر المسافات والأحقاب تنتقل

أيقظ جنودك هذا الشعب يبعثه

داعي الجهاد.. ويذكي خطوه الأمل

حتى الجهاد يا عزيزي أصبح تهمة بل أكثر من تهمة.. صنفوه في خانة الإرهاب!! تصور!

لا وقت للحزن فالأيام مثقلة

بالموجعات وحبل الغدر متصل

لا وقت للحزن إن الحزن يقعدنا

ولا تبارح جسم المقعد العلل

كم دمعة ألهبت أجفاننا ومحت

عنها السبات وجرح ليس يندمل

وكم دم شب فينا في عزائمنا

حب الشهادة حب ليس ينفصل

حتى الشهادة استكثرت على ضحايا العدوان.. تحولوا إلى مجرد قتلى في خانة الأرقام لا تثير أحداً.. ولا يكترث بشأنها أحد لأن العالم المادي الحضاري هو الذي يعرف الأشياء وفق مزاجه لا وفق حقائق الأمور.. لا يهم!! فالكارثة أكبر من المسميات.. لأنها بلا أخلاقيات.. ولأن واقعنا المتردي المسكون بعجزه يستكثر على نفسه.. ويستنكر على تاريخه حتى مجرد كلمات انتصار.. ولو لمرة واحدة.. وكأن مفردة الانتصار إن حصلت غريبة وطارئة على مفردات قاموسه النضالي والوطني.

هنا.. تكمن خطورة ما نحن عليه.. وتبقى تباشير الأمل قائمة رغم الضباب الكثيف الذي يزيد من حرارة الظمأ.. ورغم السراب البقيعة الذي نحسبه ماءً وليس بماء.. نعم تظل التباشير.. حتى ولو على سبورة ذاكرتنا مكتوبة بالطباشير.

الذاكرة التاريخية يجب استذكارها حتى لا نفقد فرصة فرج نقتل بها ما يعتمل في صدورنا من هواجس.. ووساوس.. مثقلة بقيد الانتظار الذي لا يرحم. نعم علينا أن نأمل وما ذلك على الله ثم على قياداتنا الرشيدة الحريصة على أمن أوطانها وكرامة وحرية مواطنيها بعزيز.. انتهى.

-

الرياض - ص. ب 231185 الرمز 11321 ـ فاكس 2053338

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة