Culture Magazine Thursday  09/06/2011 G Issue 345
فضاءات
الخميس 8 ,رجب 1432   العدد  345
 
نادي الحدود الشمالية الأدبي.. ودرب زبيدة
د. حمد بن عبدالعزيز السويلم
-

سعدت مع كوكبة من الباحثين والعلماء في استضافة نادي الحدود الشمالية لحضور ملتقاه الأول الذي عقد في المدة من السابع إلى التاسع من هذا الشهر. وقد خصص لـ «درب زبيدة بين التاريخ والأدب». وقد أمضينا أياماً ثلاثة كلها بهجة وسعادة واستزادة من العلم والاكتشاف. وحينما وطأت أقدامنا مدينة «عرعر» تلك المدينة الحدودية المتوثبة، أحاطنا أدباؤها الذين امتلأت نفوسهم وداً، وأضاءت وجوههم بشراً، وارتسمت البسمة على شفاههم باستقبال حار وحفاوة بالغة.

وهذا الملتقى يمثل التجربة الأولى للزملاء في نادي الحدود الشمالية، لكنه يكشف عن مقدرة جيدة واستعداد طيب لتنظيم الفعاليات الثقافية. لقد أثبت رئيس النادي الأستاذ ماجد مطلق العنزي قدرته في قيادة فريق من الشباب للعمل الجماعي المنتج.

يمثل هذا الملتقى إضافة مهمة لمجموعة من الملتقيات التي تفعلها أغلب الأندية الأدبية، تلك الملتقيات التي تحرك سكون الثقافة وتثير كثيراً من القضايا الأدبية والفكرية والتاريخية.

وقد دأبت هذه الملتقيات على نقل التجارب الإبداعية القديمة إلى واقعنا المعاصر، كي تكون ماثلة في حاضرنا يسترفدها ويستلهمها المبدعون، لأنها تمثل الجوهر الحقيقي للقيم الإنسانية.

ولما كان التاريخ والآثار رافدين مهمين للإبداع الذي يتغيا إنتاج تجارب إبداعية تمسك بحقيقة الإنسان وجوهره. ولما كان الاهتمام العلمي بها يتمثل في إماطة اللثام عن هذه الآثار، ومسح ما ران عليها من غبار يعزز من حضورها الآني، بحيث تصبح قيمة حضارية متجددة، اتجه نادي الحدود الشمالية لـ»درب زبيدة» لتسليط الضوء عليه وكشف قيمته التاريخية والأدبية والحضارية والسياحية.

لقد تضمن الملتقى أربع جلسات تناولت موضوعات متعددة منها ما تناول سيرة زبيدة بنت جعفر بن أبي جعفر المنصور هذه السيدة التي أحالت معاناتها في رحلتها إلى الحج إلى عمل إنساني خالد. ومنها ما تناول درب زبيدة وتاريخ هذا الدرب وهل كان موجوداً قبل الإسلام أم لا؟

وما الذي أضافته السيدة زبيدة إلى هذا الدرب حتى سمي باسمها؟

ومنها ما قرأ الآثار والنقوش التي بقيت في محطات درب زبيدة.

بيد أن المتأمل في هذا الدرب يدرك أن له قيمة إنسانية فهو يكشف عن أصالة الإنسان وجوهره الحقيقي، فالآثار في الغالب ليست كيانات جامدة أو محايدة، وإنما تكشف عن حضارات، وهذه الحضارات تتضمن قيماً تعبر أخلاقيات المجتمع الذي أبدعها وصنعها.

لقد رنا أفلاطون في بصره إلى السماء باحثاً عن جوهر الإنسان، لكن الحقيقة أن جوهر الإنسان ماثل في الأرض، حيث النماذج الإنسانية تصر على الاحتفاظ بمؤشراتها من خلال التاريخ والآثار. وحينما يكون الحديث عن درب زبيدة تصبح الجغرافيا شكلاً من أشكال القيم الخلقية، فالدافع للاهتمام بهذا الدرب دافع إنساني، فالسيدة زبيدة تريد أن تجعل من رحلة الحج رحلة سياحية مريحة، وأن ترفع المعاناة عن الحجيج في رحلتهم المقدسة.

وإذا كان الحجيج يسعون للتطهر من ذنوبهم، بجعلها صافية نقية كيوم الولادة، فإن هذا الدرب يعزز هذا المقصد بتوحيد الدرب الذي يؤدي إلى تقريب النفوس ونفي أي شائبة من شوائب البغضاء والكراهية.

والذي يتأمل الأحواض التي بنيت لسقيا الحجيج يلاحظ أن أغلبها جعل بشكل دائري، والشكل الدائري له دلالته السيميائية -كما يرى علماء السيمياء، فبوري لوتمان في كتابه «سيمياء الكون». يذهب إلى أن الدائرة هي صورة الكمال، وهي في العمل الخيري تمثل كمال الخير.

ورحلة الحج هي كمال العمل الصالح كما يرى علماء الإسلام، لأنها تتطلب جهداً جسدياً، وبذلاً مادياً وتوجهاً خالصاً للمعبود سبحانه، وإعراضاً وانصرافاً عن كل ما يشغل عن الله جل في علاه.

وهكذا نجد أن هذا الدرب فضاء مفتوح لقراءات متعددة، لكننا مع الأسف لا نجد في هذا الملتقى اهتماماً بالجانب الأدبي والدلالي، وهذا بلا شك تقصير من الباحثين بحق هذا الأثر المهم. ونلحظ -أيضاً- غياب كبار الآثاريين في بلادنا مثل الأستاذ الدكتور عبدالرحمن الأنصاري والأستاذ الدكتور سعد الراشد، خاصة الأخير الذي أولى درب زبيدة عناية علمية خاصة. ولعل تزامن الملتقى مع اجتماع اتحاد المؤرخين والآثاريين حال دون حضورهم هذا الملتقى.

شكراً لنادي الحدود الشمالية على هذا الجهد المتميز وهذه الحفاوة البالغة.. ونتطلع إلى نجاحات أخرى وكل ملتقى والجميع بخير ووعي.

-

+ * نائب رئيس نادي القصيم الأدبي بريدة

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة