Culture Magazine Thursday  09/06/2011 G Issue 345
الثالثة
الخميس 8 ,رجب 1432   العدد  345
 
إمضاء
التراثي
إبراهيم بن عبد الرحمن التركي
-

يحكي فتتمنى ألا يصمت، وتزعم أنك تعرفه بتلقائيته ثم تتأمله فإذا هو متمدد في محفوظاته ومروياته الشعرية والنثرية والفصيحة والعامية والتاريخية والجغرافية بأداءٍ عذب وإحساسٍ نادر، وتستبين من لغته لهجة أهله فلم يعلُ فوقها، ولم تزده إلا جمالا.

هذا المتحدث الذي لا يكاد يبارى لا تجد له مكانًا في زوايا الصحف وأعمدتها، وتدرك أنه رضي بما يحسنه فلم يتجاوزه كما كثيرين يظنون الألف والدال بطاقة عبور متعددة تأذن لحاملها أن يكون في كل مكان وزمان، ولا بدع في الأمر؛ فمن يجيدون فني الكتابة والخطابة أو الحديث والمقالة بصورة متوازية قلة بل ندرة، وربما أثرت إحداهما على الأخرى فأساءت لها ولا سيما حين تغلب لغة «الخطابية» على الكتابية فيتيه رونق الأسلوب وتتبدد ملامحُ التميز فيه.

لم يقف به ذلك دون التأليف؛ فقد صدرت له مؤلفاتٌ معظمها تراثيةٌ عن سوق عكاظ ويزيد بن الطثرية؛ فكسبنا عالماً فرغ للتعليم والتحقيق والتحكيم والعمل الأكاديمي الإداري في قسم اللغة العربية أستاذًا مقيماً وزائراً ورئيس قسم وفي بعض مراكز البحوث وكثير من اللجان التخصصية.

تميزه مباشرةٌ وعفويةٌ يقرأ المتفرج فيهما الصدق، وحين أفردنا عدداً خاصاً لتكريم العلامة أبي عبدالرحمن بن عقيل أشار إلى حكايته معه، يوم قابله أول مرة في مكة المكرمة -حيث كان عمله في كلية الشريعة بمكة المكرمة إبان عقده مؤتمر الأدباء السعوديين الأول- وبدا متوفزاً لهذا الشاب القادم من نجد يحمل الضدية الثقافية بين ابن حزم وأم الوليد ووردزورث؛ فتصيّد أخطاءه أو ما ظن أنها أخطاء في محاضرة له عن العروض، ورد عليه الشيخ الفتى بدفع من منكبه، ثم صارا صديقين ونشر له الشيخ -حين كان رئيساً للنادي الأدبي في الرياض- رسائل شمس الدين أحمد بن سليمان ابن كمال باشا اللغوية؛ فكانا كبيرين مختلفين ومؤتلفين.

الأستاذ الدكتور ناصر بن سعد الرشيد (1941 م- الشعراء) تخرج في كلية الشريعة بمكة المكرمة (1963 م) وتحصل على الدكتوراه من جامعة «سانت أندروز» الاسكتلندية في الأدب والنقد (1972)، وعمل في جامعتي أم القرى والملك سعود.

أثراه (ثهلان) وأثر به؛ فصاغ شعره مزيجا من الحنين والتطلع والشكوى والمناجاة وذكرنا (بتوباد) قيس وجبل ابن خفاجة..

أيا جبل الأوشال فيك تفتقت

بواكر أحلامي ونبض فؤاديا

وكنت إذا حلَّت شجون كثيرة

عليَّ تباعاً ثم ضاق احتماليا

قصدت ذراك الشامخات تلهفاً

وشاركت صقر الجو أرقب عاليا

للوسط الثقافي حقٌ على باحث وشاعر وراوية أن يمنحه بعضاً من وقته؛ محاضراً ومداخلاً وكاتباً وبخاصة عن الهمِّ الثقافي الذي يعيشه جيل الشباب؛ فلا هم راضون بواقعهم، ولا هم قادرون على رسم مستقبلهم بعيداً عن ضغوط البيروقراطية الثقافية التي يزيد تكريسها بالتعليمات والقرارات واللوائح والتعديلات.

ناصر الرشيد مطالبٌ بأن يكون له صوتٌ لا في العروض والتراث فحسب بل في مستجدات الفعل والتفاعل والقول وقول القول.

بين «الشعراء ومكة واسكتلندا والرياض» مسافات من الذكر والذاكرة والتعمم والتعلمن والقديم والجديد؛ فهل نقرأ لأستاذنا الرشيد ما يجلو حكايةَ التغيير الشامل الذي مر به المجتمعُ فطال الثقافةَ والمثقفين.

التراث انفتاح.

-

+ Ibrturkia@gmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة