Culture Magazine Thursday  12/05/2011 G Issue 341
فضاءات
الخميس 9 ,جمادى الثانية 1432   العدد  341
 
أجهدت نفسك يا جهاد للنيل من نزار قباني !!
أحمد حامد المساعد
-

من المؤكد أن للنقد الأدبي أصولا يعيها أولو العزم من النقاد، فلا يسمحون لأقلامهم أن تتحول الى أدوات للنيل من الآخرين لمجرد النيل، أو لإرضاء النزوة، وهم بذلك يحترمون عقل القارئ باعتباره الشق الآخر لمعادلة الكتابة عموما، غير أن جهاد فاضل يجهد نفسه كثيرا في إلغاء هذا المفهوم الراقي للنقد من أجل أن ينال من الشاعر العربي الكبير نزار قباني، حتى لكأن شاعرية نزار لم تنزل من زور هذا الكاتب بدليل أنه ومنذ زمن بعيد يكثر من الحديث عن الشاعر القباني بشئ من التحامل حيث كان آخر أوسمته (!) المهداة لنزار هو ما نشره الملحق الثقافي لجريدة الرياض في السابع عشر من شهر جمادى الأولى من العام الحالي بعنوان «نزار قباني ونقاده»، والذي حفل بجمل متحاملة من نوع: «الذين جاملوا الشاعر - يعني نزارا - لاسباب شخصية» وغيرها من الجمل التي تعبر عن رؤية أقل ما يقال عنها أنها غير موضوعية.. وربما أن جهاد فاضل سيستمر في عدائيته للشاعر نزار قباني إلى أن يرحل عن الدنيا من غير أن يعي أنه يغرد خارج السرب بالنظر إلى جمهور الشاعر الكبير والعريض في الوطن العربي من الماء الى الماء، إذ ما أكثر المخالفين لآراء جهاد فاضل ممن يفوقونه في القدرة على الاستيعاب والتقويم، ويفوقونه في احترام عقول القراء وهو يذكرني ببيت الشاعر العربي:

ومن يك ذا فم مر مريض

يجد مرا به الماء الزلالا

ولعل من التذكير هنا، القول بأن المنصفين من حاملي الهم الثقافي بمن فيهم الكتاب والنقاد قد اسموا نزار القباني «الشاعر العصر» مما يجعلني أظن والله أعلم أن مسعى جهاد فاضل الذي يكاد أن ينفرد به ناتج في الأصل عن موقف شخصي بينه وبين الشاعر نزار أكثر منه خدمة للنقد الأدبي بدليل تركيزه على السلبيات - إن وجدت - وكأنه يفترض أن يكون نزار قباني رجلا ملائكيا لا يخطئ، فهو يختزل روعة شعر القباني في المعنى المجرد دون غيره من فنيات الشعر التي لا أظن أن جهاد فاضل يجهلها وإن كان فيما يبدو يتجاهلها !

ولو طبقنا المعيار الجهادي في النقد الأدبي، وبخاصة في الشعر، فإن كثيرين من شعراء العربية سيسقطون كما تسقط حبوب القمح من غربال البيدر وأولهم امرؤ القيس، ومجنون ليلى، وابن هانئء، وحتى غازي القصيبي، ومع ان الكاتب جهاد فاضل يمتلك ناصية البيان، الا أني اتعجب من إصراره على الانتقاص من شاعر عملاق بقامة نزار قباني، ويحلو له أن ينفي شاعريته بجرة قلم، وكأنه يقتدي بالأستاذ محمد حسن عواد الذي أجهد نفسه في نفي شاعرية أحمد شوقي في الحوار المطول الذي دار بينه وبين الأستاذ عبد العزيز الربيع قبل عقود من غير أن يجد من يوافقه على رأيه، ومن غير أن يفطن الى كثرة المستشهدين بشعره في مختلف المواقف الحياتية، اذ لو لم يقل شوقي إلا بيته الشهير الذي أوجز فيه الدين الإسلامي الحنيف بالقول:

الدين يسر والخلافة بيعة

والأمر شورى والحقوق قضاء

لكفاه ذلك فخرا !

ولو تأملنا موقف جهاد فاضل من نزار قباني وشعره فسوف لن نخرج بغير الانطباع السائد، أعني أن عمالقة الأدب العربي لم يسلموا من النقد المتحامل والعدواني وفي مقدمة أولئك شيخ الشعراء أبو الطيب المتنبي الذي لم يترك حاسدوه مثلبا إلا ألصقوه به، وقس على ذلك العقاد وطه حسين وعلي الطنطاوي، وغيرهم، وهنا أتذكر كلمات الشاعر أحمد شوقي الموجهة للفنان محمد عبد الوهاب عند ما شكا لشوقي من قسوة النقد الصحفي الموجه لمدرسته الفنية المتفردة إذ لم يزد أمير الشعراء عن القبول: «ضع الصحف التي تشكو منها تحت قدميك فلن تزيدك إلا علوا» لأن ثقته بقدرات الموسيقار جعلته يدرك أن الحسد هو الذي حرك النقاد ضده.. وهنا نتساءل عن الحيادية والانصاف إذ المثقف أولى بالحفاظ عليهما في القول والعمل، إذا كانت ثقافته حقة، وليت جهاد فاضل يخرج ذاته من عنق الزجاجة القبانية حتى لا يختنق.

-

الباحة

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة