Culture Magazine Thursday  12/05/2011 G Issue 341
فضاءات
الخميس 9 ,جمادى الثانية 1432   العدد  341
 
ذكرياتي معهم
خالد بن أحمد السديري
حمد الزيد
-

قابلت الأمير خالد رحمه الله لأول مرة في منزل (سعد بن دلقان) في مناسبة غداء في أواسط عام 1378هـ، والدلقان من جماعتنا أهل (مراة) بالوشم ويعمل عند السدارى في بيتهم بالطائف منذ ترك (الهجانة) قبل سنوات طويلة، وكان وقتها يستأجر منزلاً شعبياً في حي (قروى) فيه ديوان تم فيه اللقاء مع الأمير خالد الذي كان وقتها وزيراً للزراعة، بعد خدمة سابقة في إمارات متعددة في الجنوب (أبها وجيزان) وفي الحدود الشمالية الغربية (تبوك)، وفي الشرق في مقاطعة الظهران.

وأذكر من تلك المناسبة البعيدة التي جمعتنا بالراحل، بأنه كان في ريعان شبابه ونضارته، وتبدو عليه سيماء الوسامة والنبل، كما كان متحدثاً لبقاً.. ولا يبدو عليه شيء من التكبر أو الغرور وهو داء يبتلى به الكثير من الناس، المسؤولون منهم والوجهاء، بل وتجار (الحراج)؟!

كنت مع مجموعة من الشباب الصغار وبعضهم من أبناء عمي أو خالي وأهل (مراة) ندرس في مدرسة أو معهد دار التوحيد المشهور في الطائف، فالتفت إلينا رحمه الله وقال بعاطفة أبوية: ليش كلكم يا عيالي في دار التوحيد؟! ولم يجبه أحد منا، ربما خجلاً أو حياء، فتطوع (سعد بن دلقان) رحمه الله بالجواب على شكل نكتة إذ قال: جماعتنا -طال عمرك- في البحرين أيام الغوص، إذ اشترى واحد من دكان كلهم يروحون ويشترون منه! فضحك يرحمه الله - وعرف لماذا كل أهل (مراة) في دار التوحيد ولا يلتحقون في ذلك الوقت بالجيش مثلاً كأهل القصيم!!

قبل اللقاء بسنة عندما كانت دار التوحيد في بيت أبو عرب بحي الشرقية بالطائف، كنت أزور (ابن دلقان - أبو عزيز) وكان يشغل الدور الأرضي من بيت باطويل الكبير -في ذلك الوقت- الذي تسكنه عائلة الأمير خالد المقيمة دائماً في الطائف، وكان يبعد أمتاراً عن مدرستنا المذكورة.

ولم أر الأمير بعد تركه وزارة الزراعة إلا بعد أن أصبح مسؤولاً في منطقة نجران الحدودية بعد وقوع حرب اليمن، وقد نقل عمل والدي -بالصدفة- إلى نجران في تلك المرحلة المضطربة وذهب بعائلته إلى هناك، وتوثقت علاقته بالأمير خالد الذي أهداه (رشاش برت) كما ذكر لي والدي! كما ذكر لي صهري: خالد محمد عسيري أنه انتدب لمدة عام كمسؤول عن اللاسلكي في نجران في تلك الأيام المضطربة، وتوثقت علاقته بالأمير خالد الذي كان يسكن في مخيم خارج المدينة التي كانت تقصفها الطائرات المصرية بشكل مستمر، وتمتلئ بالمقاتلين.

والسلاح من الملكيين اليمنيين، ويدير الأمير السديري كل ذلك برباطة جأش وشجاعة وصبر عجيب والوالد وصهري شاهدا عيان على مناقب الأمير في تلك المرحلة التاريخية الهامة والحساسة في تاريخ السعودية ومصر واليمن والعالم العربي، أما المناسبة الأخرى التي قابلت فيها الأمير خالد فكانت في التسعينات الهجرية، وكان بيته الكبير المفتوح، على مقربة من بيوتنا في حي (قروى) بالطائف، وكنت وقتها أعمل في التعليم بالطائف.

وقد اشتهرت كأديب بما أنشره في الصحف السعودية، وبرئاستي لنادي الطائف الأدبي وقت تأسيسه 1395هـ - 1396هـ، وكان مبنى النادي المتواضع في (قروى) على مقربة من بيت السديري ولما دخلت عليه رحمه الله ذكرّه بي وبوالدي (سعد بن دلقان) فقام وعانقني بود أبوي، وقربني إليه في المجلس، وكان مليئاً بالزوار، ومن بينهم بعض أنجاله كتركي ومحمد، وصار يسألني عن التعليم، والكتب، ويناقشني في الأدب والتاريخ حتى حان وقت العشاء، فقمنا في معيته وتعشينا معه، وأصرّ أن أكون إلى جواره دائما مما جعلني أحب هذا الرجل النبيل وأكبره، فقد كان يعرف أقدار الناس.

وكما لمست من حديثه، وعرفت من بعض أبنائه ومعارفه -فيما بعد- بأنه شغوف بالمطالعة في كتب التاريخ والأدب والأنساب، وله معرفة واسعة بالقبائل، وجغرافية المملكة، كما كان إدارياً وقائداً محنكاً عركته السنين والأحداث، وعجنت عوده بالصلابة، بالإضافة إلى أنه يقول الشعر العربي والنبطي:

ومن شعره هذه الأبيات من قصيدة له نشرت بجريدة (الجزيرة) بعنوان (ذروة المجد)

قال من هو تمثل في كلامه

كلمة الحق هي خير الدلايل

ذروة المجد في حجر اليمامه

لابة.. عزها من عصر وايل

مركز الطيب هم ذروة سنامه

فعلهم بين كل الناس طايل

هم هل المجد عنوان الشهامه

بالملاقي يروون السلايل

بيرق النصر حطوا له علامه

راية ظللت كل القبايل

دار عدوانهم صارت هدامه

عزهم راح مثل الفي زايل

وضدهم راح ما حصل مرامه

ذاق من نسل عدنان الغلايل

كتب عنه الأستاذ الأديب: عبدالله بن محمد بن خميس في كتابه: «أهازيج الحرب أو شعر العرضة» ص 129 ما يلي:

{... ركن في دولة الملك عبدالعزيز وابنه (سعود) وابنه (فيصل) وابنه (خالد) وقائد جيوش وسرايا وأمير مقاطعات، وزيرُ عرف بإخلاصه وتفانيه في سبيل قيام هذا الكيان والحفاظ عليه، ومع ذلك فهو من أسرة شريفة، ومن مقام كريم، ومستوى متناه في الكرم والعز وحسن الأحدوثة.

ثم هو من قبل ومن بعد غاية في التواضع وحسن المعاشرة، وطيب الذكر والعقل وحسن التدبير، ثم هو شاعر مجيد في الشعر الفصيح والشعبي، له في كليهما مشاركة جيدة، ومواقف محمودة، وجزالة وقوة.

خالد السديري علم من أين ما تعرفت على شخصيته في جانب من جوانب الفضل وجدته نابهاً متمكناً...}. ثم أورد له في الكتاب نماذج من شعره النبطي وحربياته التي قالها يرحمه الله.

ولفقيدنا المرحوم جائزة سنوية للتفوق العلمي تعطى للطلبة والطالبات المبرزين في التعليم العام كل سنة بمنطقة (سدير)، وفي ظني أن الشاعر الساخر الشهير الذي عاش في (نجد) خلال القرن الثاني عشر الهجري حميدان الشويعر يستحقها بجدارة! فقد خلّد في أبيات شعرية معبرة جَدّ السدارى الأعلى (سليمان) أمير «الغاط» في وقته، بعد أن أعاد له مطيته وما عليها.. من البدو (الحنشل) وقد مرّ بالغاط قادماً من الزبير في طريقه للوشم.

يقول الشاعر:

من قابل خشم (العرنية)

فالخــاطر منقول خطــره

ومن قــال أنا مثـــل (سليمان)

كرم السامع ياكل بعره. !

وللفقيد العزيز الكثير من الأنجال، الذين عرفت بعضهم بحكم تجاورنا بالطائف، وعرفت فيهم الأدب والتربية الحسنة والرقي في التعامل، أذكر منهم هنا النجل الأكبر الشيخ (فهد) الذي تولى إمارة منطقة نجران بعد والده، وكان وكيلا لوزارة الإعلام وسفيراً ناجحاً في دولة الكويت وقتها، و(تركي) الذي عمل طويلاً في الإدارة ومجال الخدمة المدنية، ووصل قبل تقاعده إلى رتبة وزير دولة وعضو في مجلس الوزراء، و(أحمد) المحامي الناجح في جدة، وقد جمع ثقافة حقوقية وعامة واسعة، وهو كريم الطبع، سمح السجايا ولي ذكريات طويلة معه.

و(متعب) المتخصص من أمريكا في إدارة الأعمال، ويعمل بالقطاع الخاص بالرياض، وفيه شهامة وكرم ووفاء وتواضع. و(محمد) و(سلطان) وقد عرفتهما عن كثب في الطائف، وتوليا في عهد والدهما وكالة إمارة منطقة نجران.

والفقيد من مواليد الأفلاج عام 1333هـ، وتوفي بعد صراع طويل مع الأمراض التي لم تقعده عن أداء عمله كأمير لمنطقة نجران، في ظروف حساسة وصعبة، فقد كانت الحرب الأهلية في اليمن على أشدها، وكانت المناطق الحدودية كنجران وجازان مستهدفة، والاعتداءات من الطيران المصري مستمرة، والحالة خطيرة لعدة سنوات. وكان شقيقه الشاعر الكبير محمد الأحمد أميراً لجازان في ذلك الوقت العصيب وتحمّلا الشدائد معا..

وتوفي الأمير خالد في أحد مستشفيات أمريكا ونقل جثمانه ليدفن في المملكة في عام 1399هـ.

رحم الله الفقيد الكبير، فقد كان من أفذاذ الرجال، ومن جيل البناة العظام الذين تبقى ذكراهم خالدة في ذاكرة التاريخ والزمان.

جدة

-


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة