Culture Magazine Thursday  12/05/2011 G Issue 341
فضاءات
الخميس 9 ,جمادى الثانية 1432   العدد  341
 
عن لماذا
العلاقة بين السعودي والسعوديين
لمياء السويلم
-

هل تبدو علاقتنا بالسعودي مختلفة عن علاقتنا بالسعوديين؟ لماذا يطغى لغتنا عند لفظة السعوديين الجمعية حالة سلبية من التقييم والإحساس بينما تأخذ اللغة عند الإفراد بسعودي حالة من التضخيم والإحساس العالي بالذات؟ هل يمكن اعتباره ملاحظا أن الرأي في السعودي الفرد رأي متضخم ومتعصب قد يشف عن تقدير شيفوني، بينما العكس تماما يظهر على الهوية الجمعية «السعوديون» فيتشكل رأياً سلبياً أو دونياً؟

إن كان ذلك ملاحظا على اللغة أو غير ملاحظ فهذا قد لا يعني أن إحساسنا بفرديتنا يماثله إحساسنا بجمعيتنا، بمعنى آخر لدي انطباع شخصي أن الهوية السعودية على المستوى الجمعي تبدو أضعف وأقل قيمة منها على المستوى الفردي، وتقييمنا العام لأنفسنا كمجتمع غالبا ما يكون تقييم غاضب ورافض وغير متصالح، بينما في تقييمنا لأنفسنا كأفراد نظهر بشكل أقرب للرضى والقبول بالذات والتصالح معها، فعندما نتحدث بصيغة الجمع ونقول «السعوديين» كثيراً ما قد يتبعها نقد سلبي، ساخر وسيئ، والنقد الذي يعيش ذروته هذه الأيام سواء في المقالات المكتوبة أو حتى على مستوى العام بين الناس في تجمعاتهم، يمكن اعتباره كنقد اجتماعي إشارة واضحة إلى جرءتنا على تقييم المجموع والقدرة على مواجهته وربما هو أيضا دلالة خفية عن رفضنا للكل، وقد تكون النكتة الاجتماعية التي تنشط ثقافتها هذه الفترة الزمنية هي إشارة أخرى إلى حاسة النقد الساخطة والساخرة التي نمارسها نحن تجاه أنفسنا كمجموع أيضاً، وإن كانت هذه الملاحظات ممكنة، أو إن كان الإحساس المتفاوت بأنفسنا بين المجموع والفرد هو شعور من الممكن أن نتلمسه أو نتنبه له في مواقف مختلفة، فهو ليس يسيرا أن نتمكن من التصدي له بجدية إلا من خلال محاولة تفسيره ثقافيا أو التعرف على ظواهره ضمن علوم سسيولوجية مختصة.

الأفراد السعودية التي حققت أسماء مهمة في مجالاتها على مستوى عالمي يمكن تعدادها ويحصل أن نعتز بها، والإنجازات الشخصية لهم مسجلة في تواريخها، لكن الذي يغيب بالمقابل هو اسم الجماعة السعودية، لا منظمات ولا جمعيات ولا مجموعات ولا مؤسسات ولا شركات ولا أي شكل من الأشكال الجمعية حضرت كأسماء مهمة لا إقليميا ولا عالميا، الأسباب وراء ذلك تختلف وتتفاوت وقد لا نستطيع إحصاءها، لكن مما يصعب تفسيرها ويزيد من إشكالها أن نعيش في مجتمع ثقافته جمعية بدرجة أساسية، تتراجع فيه قيم الفردانية ولا يعترف بها، ومع ذلك حصل وأن أنجز الفرد السعودي ولم تنجز الجماعة السعودية، مفارقة ليس من السهل فهمها، وهي تنعكس على لغتنا وإحساسنا وتبطن بشكل ما أن تقديرنا للفرد أعلى من تقديرنا للجماعة، وهو بدوره قد يذهب بنا إلى أننا على مستوى لا واعٍ من التفكير نؤمن بالفرد أكثر من الجماعة رغم أننا كمجتمع لا نزال نعيش تحت واقع الثقافة الجمعية التي تحكم قبضتها علينا من خلال مفاهيم وأنظمة عديدة الأبوية والوصاية بعضها لا كلها.

نحن نعيش داخل ثقافة تستنكر المواقف اللا أخلاقية على الفرد السعودي الواحد وترفض التصديق بها، بينما لا تتردد في وصف جماعتها بأي صفة سلبية والسخرية منها حد الجلد، كل قضية فردية ضد أحد أفراد المجتمع ستجد حشد المتعاطفين معه والمتعصبين في الدفاع عنه بشكل بداهي تلقائي لا يحتاج حتى لمعرفة أي معلومات عن القضية ليشكل رأيا عاما حولها لأنه مسبقا وبإحساس شيفوني متعالٍ ستنحاز لطرف الفرد فهو سعودي ليس من السهل القبول بتورطه اللا أخلاقي، وإن ذهب الوقت وثبت تورطه ستبدو القضية مبررة وأسبابها منطقية حتى ولو كانت جريمة أو جرائم لا إنسانية.

موت أسامة بن لادن يصح مثالا هنا، لكن الاقتصار عليه هو اختصارا مخلا لقصة التعالي في الفرد السعودي الذي يعجزنا عن تقييم أفعالنا بشكل صحيح، هذا التعالي الذي لا نعرف هل كان عن طوباوية مثالية في تفكيرنا أو كان عن تعصب لا مدني في هويتنا، هل كان عن شيفونية دينية حديثة أو كان عن مركزية تاريخية متجددة، ستتعدد الأسباب وتختلف دائما، لكن الذي يجب أن ندركه ونعترف به هو أن الفارق بين إحساسنا الفردي والجمعي متفاوت بشكل ملفت يستحث التفسير، هذا التفاوت لن يبقى على مستوى لغوي فقط أو يحتفظ بكونه مجرد شعور متذبذب، ثمة الكثير من المرجعيات المعرفية التي تغذي هذا التفاوت، تزيد من حدته وتوجيهه، وهو في النتيجة لن يثمر عن أي حالة إيجابية قدر ما يزيد من الهوة بين الفرد ومجتمعه، وبين الهوية الجمعية لنا كسعوديين وبين إحساس الفردي لكل منا بنفسه كسعودي. والضائع الخاسر في هذا التفاوت كثير لكن التساؤل يدور بشكل مركز عن المسؤولية الاجتماعية، وعن مدى تقدير الفرد السعودي لمسؤوليته الشخصية في تكوين هذه الهوية الجمعية التي لا تعجبه «السعوديين».

-

Lamia. swm@gmail. com - الرياض

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة