Culture Magazine Thursday  13/01/2011 G Issue 329
فضاءات
الخميس 9 ,صفر 1432   العدد  329
 
الإنسان أولاً قبل القصيدة والنقد والإعلام
حصة البادي

حينما شح المطر ترقبنا الغيم بقلوب مخلصة، وغيثنا الذي انتظرناه طويلاً هو التفات الإعلام العربي لبرامج تخدم اللغة العربية الفصحى عامة ثم الشعر العربي -الذي لم يعد ديواناً للعرب- خاصة.

بعد أن طال انتظارنا جاء برنامج أبو ظبي «أمير الشعراء» ليقدم لنا بعض ما انتظرنا، وحين أقول ذلك فإني أحاول جاهدة تحري الصدق. وحين أنوي ذلك وأقصده فلا مناص من تبيان بعض فضائل البرنامج: من تقديم أصوات شعرية رائعة لم يخلقها البرنامج فعلياً ولكنه أشرع لها نوافذ لتصل إلى أسماع الملايين من محبي الشعر في كل مكان. وحين نتحرى الصدق فلا بد أن نشير إلى أن البرنامج كذلك ساهم في جعل مساحة تلقي الشعر الفصيح أرحب بكثير مما كانت عليه قبلها.

رغم كل حالات عدم الرضى التي تثير بعض جماهير الشعر هنا وهناك في أنحاء الوطن العربي حول نتائج الحلقات التسجيلية الأولى والحلقات المباشرة لا ننكر قدرة البرنامج على تحريك الآسن من بركة النقاش حول اللغة ومفرداتها الفصيحة والإيقاع والأوزان العروضية وأساليب الكتابة خارج القاعات الدراسية المتخصصة. كل ذلك أدى بطبيعة الحال إلى توسيع القاعدة المعرفية لدى الأجيال الجديدة من شباب العرب لاستقبال النص الجيد وتمييزه عن الرديء ولو قليلا. هنا يستحق القائمون على البرنامج كل الشكر وكل التقدير.

اليوم بعد سنوات من البرنامج بما قدمه صار بإمكاننا تجاوز البدايات والثناء عليها لنضع ما أحببنا تحت عدسة النقد لأننا نحب العربية أولا ونحب الشعر ثانيا.

ما أثارني لكتابة هذه المقالة اليوم الحلقة التي عرضت للمتشارك منتصر الخالدي من جزر السيشز؛ المتشارك المتفائل جداً والمحب لأصله العربي رغم ظروف أهله التي أخرجتهم من فلسطين ليعيش في جزر السيشل عوضاً عن وطنه، ظن الخالدي أن كل ذلك سيشفع له لدى اللجنة التي تتكون من نقاد نحفظ لهم كل التقدير من قبل ومن بعد ولا نعصمهم من الخطأ إذ وقعوا فيه.

ما زلت غير قادرة على تجاوز موقف اللجنة مع هذا المتشارك ولا أملك إلا أن أصفه «من باب إنصاف الحق» بالقسوة وتجاهل إنسانية المتشارك لإثارة الجمهور في تنافس أعضاء اللجنة للسخرية من المتشارك المصاب بالدهشة من وسيلتهم في نقده لا من رفض نصه.

المتشارك لم يك جاهلاً فهو يعمل طبيباً، وقد وجدته -أنا- محبا للعربية ولم يك ليتقدم لهذه المسابقة لولا حبه للشعر، إني هنا لأتساءل في غير سذاجة: كيف قامت اللجنة باختيار هذا المتسابق ليكون بين المشاركين في الحلقات التسجيلية دون أن تقرأ نصه الركيك في رأيهم والجميل في رأيه هو إذ إنه لم يدرك أن مستوى نصه دون سقف المسابقة؟! ومن أين له أو لي أن ندري؟ اختارت اللجنة نصه وهذا يكفي إشارة إلى جودة النص حسب مقياس أي عاقل.

حين تقبل اللجنة هذا النص ثم تسجل حلقة للمتشارك لإهانته أمام الملأ هنا ينبغي أن نقف مع الإنسان قبل القصيدة وقبل النقد.

قد نتساءل: لم فعلت اللجنة ذلك؟ ويقيناً لن نجد مبرراً إلا الإثارة الإعلامية لكسب الجمهور. ترى هل كسبت اللجنة الجمهور فعلا؟ وهي تعيب على الدكتور منتصر الخالدي لغته الركيكة ولا تعيب على مقدم البرنامج ألفاظه غير العربية أو ما يقع به بعض أعضاء اللجنة أنفسهم حتى من أخطاء لغوية!

قد أفترض براءة اللجنة وعدم قراءتها النص قبل ذلك لولا أني قرأت بأم عيني وأبيها شروط التقدم للبرنامج ولولا معرفتي بالكثير من أسماء الشعراء المتمكنين في كل مكان ممن عادت قصائدهم إلى أدراجهم.

أما عدم اختيار هؤلاء فقد برره توضيح آلية البرنامج لهذه النسخة حيث مراعاة التنوع بين الدول العربية المختلفة وبين الجنسين من الذكور والإناث. لكني ما زلت لا أجد أي مبرر للموقف غير الإنساني من قبل اللجنة مع المتشارك.

وأجزم أن صنيعهم هذا يكفي ليكره الخالدي الشعر بل ومن الممكن أن يكره العربية ولا أحسب أن هذا كان مدوناً ضمن أهداف البرنامج «تنفير المشاهدين من العربية؛ لغة القرآن الكريم والشعر العربي حين لم يكن للعربي فن غير الشعر يعرف به».

رأيت مثل ذلك في مسابقات مخصصة لاختبار الأصوات الغنائية التي تقوم فكرتها على أن يركض المتسابق للجنة لتسمع صوته وهناك لا مفر من التسجيل المباشر للحلقة أما مع الشعر ومع النصوص المكتوبة قبل قراءتها من قبل المتشارك لا أجد للجنة التحكيم حتى ربع مبرر.

وإني لأدعو كل قراء هذه المقالة لمشاهدة حلقة الخالدي على موقع البرنامج لنصل جميعاً إلى عذر للجنة في تناسيها العظيم لقيمة الإنسان في مقابل الصخب الإعلامي وتمجيد القصيدة.

وإني حين أقول ذلك لأستحي كوني أتبع الأدب مُصدِقَّة أنه يحضُّ على مكارم الأخلاق كما ورد إلينا في كثير من مراجع الأدب والنقد القديم والحديث، وما كنت لأكتب هذه المقالة لولا تكرار هذا الموقف العام الماضي مع متشارك هندي وآخر سوداني.

إن لم يصيرنا الأدب إنساناً أسمى ومخلوقاً أنبل فلا حاجة لنا بالشعر ولا بالنقد إذ لا ينقصنا مزيد من التهميش لإنسانيتنا والسخرية منها.

أعتذر للخالدي نيابة عن القصيدة لأنها تعرف أنه أحبها وإن أخطأ الصياغة، وربما أخطأ المكان إذ لم نجد أي حسنى نقول له بها: شكرا لحبك للعربية يا منتصر ولا بأس أن تبقى محباً للشعر دون كتابته. أما إن كنت موقنا بقصيدة ما تختبئ بين جنبيك فاكتبها بغير العربية علّ متلقيها يكون أحنّ عليك من لجنة «أمير الشعراء».

بريطانيا

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة