Culture Magazine Thursday  13/01/2011 G Issue 329
الثالثة
الخميس 9 ,صفر 1432   العدد  329
 
إمضاء
هنا هدى
إبراهيم بن عبد الرحمن التركي

من يعرف منحنياتِ العمل الإذاعي يدرك أسرارها وأسوارَها، ويثق أن الوقوف في واجهة الشاشة أو خلف المايكروفون عملية معقدة لا يكفيها جمالُ صوتٍ ووضاءةُ وجهٍ وحضورُ ذهن؛ بل هذه كلها بدرجاتٍ قد تتفاوت ضمن منظومة معرفية وثقافية يُفترض فيها المراوحةُ بين الشمولية والتخصص مع مقدرةٍ لغوية وذائقة إبداعية وتمكنٍ نحوي وبلاغي وإلمامٍ بشيء من لغةٍ أجنبية لا تُلجئُ المذيع إلى تهجئة اسم أو تجعل من نطقه مدعاةً تندر.

هو الزمن الصعب يوم سكن الإذاعةَ ذوو المهارات والإمكانات، وحين كان الدخولُ إلى بواباتها يعني مراحلَ طويلةً من عناء الاختبارات والتجارب والتدريب والظهور دون صوت ثم ربط الفقرات بصحبة مذيع ثم الربط وحيدًا فتقديم منفرد فالظهور على الهواء بشكل تدريجي ثم الظهور الكامل فقراءة المواجز ثم النشرات عدا الرئيسة منها ثم النشرة الرئيسة، ومن واقعٍ عايشه صاحبُكم قبل ربع قرن (1985 م) تقدم أكثر من «سبع مئة شاب» انتهوا إلى»ثلاث مئة» ثم صاروا «اثني عشر» لم يوفق منهم سوى «ثلاثة».

هذا في إذاعة الرياض فكيف إذا كانت الإذاعةُ «لندن»، وكيف إذا المتقدمةُ فتاةً صغيرة، وكيف إذا كانت سعوديةً من «نجد»، وكيف إذا كان ذلك قبل أربعين عامًا، وكيف إذا صارت هذه الإذاعية علامةً مميزة بصوتها «المرسيدسي» – كما وصفه «أكرم صالح» – رحمه الله – ينطق ب»الساعة « معلنةً توقيت «غرينيتش» فنشرة الأخبار مقروءةً بلغةٍ متقنة وصوتٍ متفرد.

مكثت ثلث قرن في مبنى ال»بوش هاوس»، ثم قررت الرحيل باختيارها بعدما رأت واقعًا لم تعتده، فتفرغت للدراسات العليا غيرَ عابئة بمرور العمر؛ فكأنها تقتفي مدرسة أحد أساتذتها الكبار الذين بدأت معهم في إذاعة جدة ولم يفتأْ متعلمًا (وهو الدكتور بدر كريم)، وامتد وفاؤُها لآخرين أبرزهم (الأستاذ علي البعداني) الذي قدمها في «جدة» فقدمته في « لندن».

لا تنسى هذه الإذاعية كذلك دور الدكتور عبد الرحمن الشبيلي (مدير عام التلفزيون) حين أظهرها على الشاشة مذيعةَ أخبار في شهر رمضان (1975 م)؛ ما دعا وزير الإعلام الراحل الدكتور محمد عبده يماني - رحمه الله - يقول ممازحًا: «بلاش الأشياء الحلوة قبل الإفطار».

كان لوالدها (عبد المحسن الصالح الرشيد - عنيزة: 1920- 1989 م) دورٌ في مرحلتي الإحجام والإقدام على العمل الإذاعي؛ فعارض في البدء، لكن إرادة الفتاة ووقوف أخيها إلى جانبها جعلا رئيس بلدية الرياض في عهد الملك عبد العزيز - رحمهما الله - (1950 م) يوافق على اغترابها واثقًا ببذاره؛ «فهل ينبت الخطي إلا وشيجُه»!

الأستاذة هدى عبد المحسن الرشيد مذيعة ال» بي.بي.سي « الشهيرة قاصة أصدرت مجموعاتها عن دار «روز اليوسف»، وأولها: «غدًا يكون الخميس» عام 1975 م، وأتبعتها ب «العبث» و»الطلاق»، كما هي باحثة تحمل شهادتي ماجستير من «بريطانيا»، وتواصل دراسة الدكتوراه؛ مؤمنةً أن قدر الكبير أن يبقى كبيرًا؛ فالنجاح يلدُ النجاح، والوقوف محطة العاجزين.

هدى - كما غيرها من الرعيل الأول - مطالبةٌ بكتابة سيرتها الحافلة؛ ليعرف إذاعيو الزمن «الفضائي» المسافة الضوئية الفاصلة بين اللامعين والملمعين؛ فقد امتلك الإذاعة العاثرون وتوارى القادرون، ومن يظن في هذا الحكم مبالغةً فليُصخْ قليلًا ليسمع الرث وتعميَه «الفلاشات».

الموهبة غير الهبة.

Ibrturkia@gmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة