Culture Magazine Thursday  13/10/2011 G Issue 350
فضاءات
الخميس 15 ,ذو القعدة 1432   العدد  350
 
تحولات امرأة نهرية
ليلى الأحيدب

الكتابة - العلن

أعود للسياقات التي تنمو فيها تجربة المرأة وأقول هي سياقات ضيقة ومحدودة، وتتباين هذه الحدود من قطر لآخر ومن أسرة لأخرى، لكنها تلتقي في نقطة واحدة وهي انفتاح الرجل على الحياة بكافة منعرجاتها، وانغلاق المرأة على باب واحد فقط، فهي مغيبة عن الأدوار القيادية في المجتمع، ومحصورة بأدوار ثانوية لا تتعداها، وإن منحت لها القيادة فهي قيادة صورية يتحكم بها الرجل وينفذ عبرها إرادته. وهذا الكلام أطلقه من واقع صعود المرأة لدينا نحو أدوار قيادية وهمية منحت لها إرضاء للحركة العامة التي تجعل من أمر مشاركة المرأة واقعاً حتمياً، فوجود امرأة على هرم وزارة التربية والتعليم لم يمنح المرأة الأفق الذي نتطلع إليه، إلا في شكليات حضورها ومشاركتها الخارجية، لكن على مستوى القرارات ورسم المستقبل فأظن أن السلطة لا تزال منوطة برؤية الرجل لا برؤية المرأة، حضور الدمى هذا لا يمكن أن يمهد للمرأة طريقاً نحو المشاركة الفعلية، بل يمنحها حضوراً هامشياً من باب (أضعف الإيمان).

ومن هذا الباب نمت تجربة الحياة والكتابة عند المرأة، وأخرجت لنا هذه الأعمال التي يصفها الناقد الذكر بالذاتية المفرطة.

الكتابة بالنسبة للرجل قد لا تمثل تحدياً كبيراً، لكنها كذلك بالنسبة للمرأة، ربما لأن الكتابة حالة علن والمرأة دائماً وأبداً تأنس للسر، الكتابة تخرجها من تلك الشرنقة الصامتة، التي ظلت لآلاف السنين صدفة تحميها من البوح، حتى في إعلان موافقتها بالزواج يعد صمتها إجابة بالقبول، فهي غير مضطرة لعلن القول مادام الصمت يوفر لها ذلك!!

هذا الاستحسان لصمت المرأة وتفسيره جعله الدرب الأكثر أمناً لها، الصمت يعني الستر، الكتابة تنزع هذا الستر وتكشف داخلها تماماً، وتحدٍ كبير أن تفعل المرأة ذلك، ليس على المرأة هنا في الخليج أو الوطن العربي أو حتى العالم الغربي، بل على جنس المرأة ذاتها، لذلك عندما تتعلم المرأة النطق وتمارس البوح وتكتبه، تدخل مرحلة (العلن) وهي المرحلة التي عليها أن تقطعها بكثير من التضحيات، وأولها المواجهة، أن تقف لتقول هذه أنا وهذا ما أفكر به!

هذا الدور كان متوفراً للرجل فحسب، وعلى هذا الرجل تعتمد المرأة في كل شأن (العلن).

وربما اعتدنا كثيراً أن ندين الرجل في حياة المرأة المبدعة وأن نصب عليه كافة اللعنات، بدءاً من مظلة (الهيمنة الذكورية) وصولاً إلى مصطلحات أخرى أشد تعقيداً، لكني لن أفعل ذلك، لأنني دخلت مرحلة (العلن) بكثير من السواء، لم يكن أمر الكتابة ميسراً للكل كما حدث معي، فكثيرات حينما يتكلمن عن تجربتهن الكتابية يحكين عنها كدرب من الشوك عبرنه بكثير من التضحيات، وهو واقع ملموس لدى كثيرات، لذلك كنت أتهيب كثيراً من طرح تجربتي التي لم أعاني فيها من العقبات التي كانت تعترضهن، وكأنني بذلك أمارس خيانة للدور النمطي عن معاناة المرأة في المجتمع النجدي تحديداً حين تريد أن تكتب، غيداء المنفى كتبت أجمل قصائدها بأكثر من اسم مستعار ولم تصرح باسمها إلا في السنوات الأخيرة، فاطمة القرني ظلت تكتب باسم وفاء السعودية ردحاً من الزمن، وأسماء عديدة كتبت وتوقفت بأسماء مستعارة لا أحد يعرف من هي! وفي المقابل كان هناك مجموعة من الكاتبات يكتبن منذ البدء بأسمائهن الصريحة، وإن اختلفت جرأتهن في الطرح ومعاناتهن فيما يتعلق بالرقيب الاجتماعي.

تجربتي لم تكن استثناء ولم تكن عامة أيضاً، أعرف كثيراً من الأسماء تكتب لكنها لا تستطيع أن تنشر، ولم تجد الدرب سالكاً إلا في الألفية حينما أصبح أمر مشاركة المرأة واقعاً حتمياً وحضارياً، هذا التأخر في نشر تجاربهن جعل من تجربتهن هشة وضعيفة، لأن الكتابة وحدها لا يمكن أن تنضج وعيك الإبداعي ما لم تمتحنها بالنشر وتلقي الآراء حولها.

وأعي تماماً أنني لست استثناءً ولا أشكل حالة نادرة، مثلي كثيرات، وأعي أيضاً أن هناك أخريات حرم الرجل عليهن وطء هذه العتبة وكان من أكبر العقبات، لذلك فأنا أؤمن بحقهن في الحديث عن هذه العقبة والمطالبة برفع وصاية الرجل عنهن،، خصوصاً أن المجتمع ما زال يؤمن بأن الذكر أصلح من الأنثى في إدارة الأمور، وهو الأمر الذي يجب أن نجتهد فيه لتكون المرأة نصفاً مشاركاً لا نصفاً حاضراً فحسب، ومن الضروري أن نطالب بحقوق المرأة في أن يكون لها فرصة مساوية للرجل في مؤسسات المجتمع لكن ليس بكل هذا التنميط الثقافي الذي يصور الرجل كصخرة تسد فوهة النبع.

-

+ الرياض

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة