Culture Magazine Thursday  13/10/2011 G Issue 350
فضاءات
الخميس 15 ,ذو القعدة 1432   العدد  350
 
الانتخابات النزيهة= مساواة – استثناء
لمياء باعشن

ماذا يعني لنا تأكيد وزارة الثقافة مراراً وتكراراً أنها لن تتدخل في عملية الانتخابات للأندية الأدبية؟ هي بالطبع تريد تأكيد استقلالية الأندية وتأكيد كونها مؤسسات اعتبارية مستقلة، وفي نفس الوقت تريد ألا تساورنا الشكوك بأنها تمارس الضغوط لفرض أي اسم على المجالس العمومية أو على اللجان المنتخبة. حسناً للوزارة ما شاءت، لكنها رغم ذلك تركت باباً اسمه (الاستثناء) مفتوحاً على مصراعيه تدخل منه رياح الريبة عاتية وتعصف بمبدأ النزاهة من أصله.

عندما نقرأ اللائحة بتمعن، نجد أن كلمة استثناء قد وردت مرة واحدة فقط، وذلك في صدد الشروط اللازمة للانضمام للمجالس العمومية والتي تحدد نوعية العضوية لكل منتمٍ للأندية: تنص اللائحة على أنه: يشترط للحصول على العضوية العاملة توفر أحد شرطين، أ- الحصول على مؤهل علمي في الأدب أو اللغة يحدد مستواه مجلس الإدارة، و ب- إصدار كتاب أدبي مطبوع، «ولمجلس الإدارة الاستثناء من أحد الشرطين».

معنى ذلك أن مجلس الإدارة يجب أن يلتزم قانونياً وأدبياً بتطبيق اللائحة المعتمدة رسمياً، فيقبل فقط من لديه تخصص علمي، (أو وليس و)، كتاب أدبي. لكن السؤال هو أين تصل حدود صلاحيات المجالس الإدارية في تطبيق قوانين الاستثناء التي لا تتماشى مع روح الانتخاب الديموقراطية؟ هل يجوز لها أن تقفز على منصوص اللائحة وتمارس أريحيتها لتضرب بالشرطين الاثنين عرض الحائط وتستثني من شاءت لمجرد أنها مجالس أندية ذات اعتبارية مستقلة؟! وهل هذا الاستقلال يعني أنها فوق اللوائح والأنظمة التي منحت أعضاءها هذا الحق؟ وبذلك أقصد أن الأعضاء أنفسهم إما أن يحترموا اللائحة التي من خلالها اكتسبوا حق تنظيم عملية الانتخابات، وإما أن يفقدوا ذلك الحق بمجرد التلاعب والاستهانة ببنودها.

النص واضح ولا يحتمل التأويل: هما شرطان، ومن حق المجلس استثناء من يرى من أحدهما، فمن أين استدلت مجالس الإدارة على المعنى الأوسع الذي يمكنها من شطب كلا الشرطين؟ وإن كان من الممكن أن يحصل شخص ما على العضوية العاملة، فيتهيأ للتصويت، بل وللترشح لمجلس الإدارة، بلا شرط ولا قيد، فما الذي ميزه عن غيره من عباد الله؟ وعلى ماذا تستند تلك المجالس في تمييزه يا ترى، محض مزاج، أم محسوبية قوية، أم مصلحة خفية؟ ليس ثمة مبررات أخرى لهذه الاستثناءات الصادمة!!

الريبة دخلت وتصدرت المجلس الذي يقوم أعضاؤه باستلام الاستمارات وفرزها وقبولها ورفضها، يعرفون جيداً من هم الذين تقدموا، وما هي مؤهلاتهم، ونتاجهم، وهي معلومة تظل سرية لا يطلع عليها سواهم، كل هذا في ظل السماح لهم بالدخول للمجلس تصويتاً وترشحاً، بمعنى أن المسؤولين عن العملية الانتخابية سيتحولون بعد الفرز والانتقاء إلى مرشحين ومنتخبين مثل غيرهم بعد أن كانوا يديرون اللعبة ويتحكمون بها، فهل تجدون رائحة المساواة في هذا الإجراء العجيب؟ كيف تتساوى فرص الذين غابت عنهم المعلومة وعجزوا عن التواصل مع غيرهم وعن تجهيز حملاتهم الانتخابية والتعريف بأنفسهم، مع أولئك الذين هم في دائرة الضوء والذين بحوزتهم أدق التفاصيل والقادرين على رسم خطط ترشيحهم، بل وترتيب فوزهم؟

وكأن ذلك الوضع العجيب لا يكفي للإخلال بتعادل كفتي الميزان حتى يدخل عنصر الاستثناء لتميل إحداهما كل الميل!! تخيلوا معي الوضع داخل المجلس: طلبات مقدمة من أشخاص مرفوضين يتم عرضها للتوصل إلى اتفاقات غير قانونية للتجاوز عن الشروط المنصوص عليها بوضوح: لماذا؟ لا بد أن هناك سبب غير المصلحة العامة، فهؤلاء الذين يفتقرون لأحد الشرطين لا بد وأنهم من خارج منظومة الأدب والثقافة الأدبية، فما فائدة انضمامهم غير القانوني؟ تحقيق وجاهة للأندية مثلاً؟ أم هو انصياع لتدخلات وضغوط من الخارج؟

لا أحد يملك إجابة شافية، لكن الفراغ الذي يخلفه اختفاء الأجوبة يظل ممتلئاً بالشكوك، وأقوى تلك الشكوك ربما هو أن الأعضاء أنفسهم سيستفيدون من هذا الاستثناء من باب تبادل المجاملات والوعود: نعطيكم العضوية وتعطونا أصواتكم. ذلك أمر وارد وجائز رغم أن لا أحد يمكنه تأكيده، وإلا فما الذي يجبر أولئك الأعضاء على لوي عنق اللائحة والإصرار على عدم المساواة في عملية ديموقراطية حقة لا تتجانس مع الواسطات والضغوط والمجاملات؟

الأمر يزداد استفحالاً حين ندرك أيضاً أن هؤلاء الأعضاء تعاضدوا لمساندة بعضهم، فكلنا نعرف أن تشكيلات الأندية الأدبية الأولى وجهتها فكرة توسيع دائرة الثقافة، فتم تعيين أفراد في مجالس الإدارة ممن لا تنطبق عليهم شروط اللائحة الحالية، لكنه كان تعييناً حسب رؤية وزارة الثقافة في عهدها الأول. وفي هذه المرحلة والتي سُمح للأعضاء بترشيح أنفسهم كان من الضروري الالتزام ببنود اللائحة، فلا يقبل منهم من ليس لديه منتج أدبي، ومن تخصصه يبعد كل البعد عن الأدب واللغة. لكن في ذلك المجلس الذي تصدرته الريبة تم الاتفاق على أن أعضاء مجلس الإدراة السابقين الذين بيدهم وحدهم الحل والربط، هم فوق كل اعتبار لأنهم في مؤسسة هي في ذاتها اعتبارية، فاستثنوا أنفسهم وبعضهم البعض من شروط اللائحة!!

هل تدرك الوزارة وتبارك حقيقة وأبعاد الصلاحية المطلقة لمجالس إدارة الأندية الأدبية في استثناء من يريدون من شرطي المؤهل العلمي والإنتاج الأدبي معاً ومخالفة بنود اللائحة المعتمدة، أم أن المجالس تتصرف من عندياتها؟ وهل تعتقد هذه المجالس الموقرة أن لا أحد من المتقدمين نظامياً - والذين طبقت عليهم الشروط حرفياً قبولاً أو رفضاً - سيعرف جيداً من هم الأشخاص الذين يفتقرون لمتطلبات الانضمام قد تم قبولهم بشكل غير مشروع؟؟ ألهذا الحد يستغبون غيرهم من المثقفين الذين ستتساوى فرصهم دون وجه حق مع أولئك الذين فرضوا وجودهم ودخلوا عنوة من الأبواب الخلفية وقد خلا وفاضهم من المؤهل وكذلك من المنتج؟

إن التوجس يسود الأجواء خارج هذه المجالس، وقد كان من الممكن أن تتفادى مجالس الإدارة كل هذه المزالق وتجامل من تشاء من خلال تطبيق نظام العضوية الشرفية والمنصوص عليها نظاماً لتحقيق البريستيج الاجتماعي المنشود. لكن الانصياع لرغبات الطامحين في دخول جمعيات العموم دون أن يكون لهم أدنى صلة بالأدب والثقافة الأدبية، قد وضع مجالس الإدارة القديمة في دائرة الشك وجلب عليها الكثير من الشبهات.

إن كانت الوزارة قد كررت وعدها بعدم التدخل في الاتخابات ضماناً لنزاهتها، فنحن مقدرون موقفها التقدمي والريادي، لكن حين تدرك الوزارة أن النزاهة يشوبها شائب وأن أهدافها تتعرقل في غياب نفوذها، فاعتقادي أن تدخلها يصبح ضرورياً لتحقيق المشاركة المتكافئة ولإعادة الثقة في لائحتها ولضمان عدم الإخلال ببنودها. ولو كانت اللائحة لا تعجب أحداً، ولو أن الالتفاف حول بنودها سيكون ديدننا، فلنتمهل ونراجع مواقفنا ومتطلباتنا بدلا من التحايل والحفاظ على تجربة ديموقراطية شكلية ومختلة.

-


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة