Culture Magazine Thursday  13/10/2011 G Issue 350
فضاءات
الخميس 15 ,ذو القعدة 1432   العدد  350
 
حكايةٌ قديمةٌ لعاشقٍ كانَ منثوراً
فيصل علي أكرم

يسافرُ العشاقُ، من كلِّ الجهاتِ

إذا أرادوا القلبَ مكتملاً.. ولكنْ

أيُّ عشقٍ ينتهي فيه السفرْ..؟

نصفُ المسافاتِ الغيابُ، ونصفها وقْعُ الأثرْ

ما العشقُ إلاّ هكذا:

غيمةٌ بينَ الثيابِ.. ولا تكفُّ عن المطرْ.!

* * *

قضى عمره يفرّق بين الأصفر والأصفر ويساوي بين الذهب والذهب، يمتاز عن غيره بالرحيل ويمتزج بغيره في نشوة الوصول إلى التقاءٍ خارج حسابات الأماكن والأزمنة.يعرف أن جهله بالذي يدري يساوي جهل من داروه بما يعرفون، ويمضي في سكون.. يمضي إلى افتراقٍ ويتوقف كيما يجمّع نفسه بعد تناثر الخطى من حوله، كأنما لحوله سنةٌ يغمرها العامُ في تزاوجٍ حميمٍ يحتوي الفقرات ما بين الخصب والجفافْ.

يخافُ،

كأنَّ ميزاناً مُداناً

كادَ أن يُرمى على جبلٍ من الخطواتِ

تكمن تحتها كتبٌ سيفهمها الذي

عادتْ به الأوراقُ كي يخسرْ

حتى إذا انسحبتْ عليه خطيئةٌ

ما خطّها قلمٌ له

مرّتْ به الأمطارُ تأخذه إليها

في حساباتٍ مع الذنب الذي

ما اعتادَ أن يُغفرْ

سيفيضُ عن نهرٍ قديمٍ

ثم يدخلُ في هوى نهرٍ عظيمٍ

كانَ يرمزُ للذي عُرفتْ يداهُ حميمتينِ

وقلبهُ يُهجرْ..

فظلَّ يمدُّ يده إلى القارب المائل ويترك ما تبقّى من جسده صنماً مرتعشاً على المرآة، ليخرج في ثباتٍ وارتياح إلى حيث يبتلّ مقهوراً ويعارك بوّابات الموج.. هو ذا يتقدّم بنفسه المسكونة بها/ إليها.. وما كان يحتاج إلى ابتسامتها السهلة، بل كان يطمح –فقط- أن يتبسّم لها.. وحدها، في صعوبةٍ تليقُ بعاشقٍ ينوي إشعارها أنه لا يزال مأسوراً لديها.. مع أنه كان لا يجيد إلاّ الانطلاق. فهو لم يكمن، أبداً، ككل العشاق. إنما كان عاشقاً منثوراً.. على كل الطرقات، كان منثوراً.. وكان يهديها، كل يوم، قصيدة جديدة.. ويساوي بينها وبين البلاد البعيدة؛

هل ثمة أحد يساوي بين أحدٍ.. والرحيل؟

هو كان يفعل، من أجل الارتفاع.. وكان يرتفع بها فوق القلاع، يأخذها ويؤخذ بارتقاءٍ يكسر الكأس القديمة بين أجفان الوداع.. فهل كان العاشق مجنوناً؟

وهل كان في زمنٍ ينثر المجانين على الطرقات؟

لا تُصغروا العاشق، واحذروا ممشاه..

فالقارب قد اهتـزّ من تحته، كما اهتزّت يداه

والقلعة ضاقت على كتفيه، حين انثنى

والطريق مازال مفتوحاً إلى غير هداه

لا أحد يبتسمُ لأحدٍ..

لا جسد يلتصقُ بجسدٍ..

لا بلد تعترفُ ببلدٍ..

ولا الساحة العذراءُ تفتح بوّاباتها للضائعين القدامى، إذا استدار الضياعُ بهم وصار في مواجهةٍ مع المرآة التي خرجوا منها أصناماً راحلين..

هناك، فقط، عرف العاشقُ أنه كان منثوراً

وعرف أنه كان يتطوّر في تقدّمٍ نحو حكايته القديمة

وعرفَ أنَّ..

لا بريد يُطوى في الجيوب العميقة، إذا انفردت الطرقاتُ الشاسعةُ سطوراً تتقاربُ على هامشٍ من صفحةٍ في كتابٍ منسوخ.

-


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة