Culture Magazine Thursday  13/10/2011 G Issue 350
قراءات
الخميس 15 ,ذو القعدة 1432   العدد  350
 
المتنبي والثبيتي في أفق آخر
جابر الأحمري

«نص غائب» و»متشابه»، «تعالق نصي» أو «تداخل»،»إعادة تدوير» و»اجترار«،«تناص» و»حوار»، ضجيج مصطلحات له وقت تصغى فيه الآذان، لا أريد الخوض فيه وأنا في حضرة (بوابة الريح)، بوابة صرير مزلاج مصراعها الأول يقول (مضى شراعي بما لا تشتهي ريحي).

كم قارئ قرأ وسيقرأ، وكم سائل سأل وسيسأل، لم أحببت بوابة الريح؟ لمَ يعجبني صوت صرير المصراع الأول؟ نعم نحبها لأن الضعيف فرض إرادته على الأقوى، لأن المقود صار قائداً، لأنه شطر مسكون بمعنى المضي في مضاء وعزيمة، لأنه شطر يوافق مرادات مكبوتة تقف الأماني عاجزة عن تحقيقها،لأننا نسعد في قرارة أنفسنا بكسر مالا يتخيل أن يُكسر يوماً، لأننا نتمنى أن نرى شلالاً يصعد لا ينزل، وأمواجاً تبحر نحو الداخل، بينما الشاطئ في سكون جبل من جليد.

وفي المقابل: لم لا نضيّع فرصة لسماع شبّابة المتنبي إلا (ونهتبلها)؟؟؟؟، مرددين مع الجوقة :(تجري الرياح بما لا تشتهي السفن)، إننا نعشق قانوناً ولا نتخيل يوماً أن نكسره، متوافقين فيه مع إرادة الأقوى تحت راية نواميس أزلية، كثيراً ما نصطدم بقلاع وأسوار لا نملك حيالها حولاً ولا قوة، غير أن نردد في نشيجٍ نشيد المساكين (تجري الرياح بما لا تشتهي السفن).

فهل للمتنبي عذر يبرر هذا التعظيم، إنه لم يعرف الغواصة والسفينة وكسارة الجليد التي لا تبحر إلا عكس التيار، ولم يعرف الطائرة التي تطير ضد الرياح، بل تركبها ولا تحلق إلا بالصعود على متنها، كان المتنبي محصوراً في زاوية يعمل فيها الأقوى معمولاته، متدثراً بعباءة اسمها (هيبة الخفاء). أما الثبيتي وبعد ألف سنة، وقد رأى ما رأى، فلم يعد هناك من هيبة أو خفاء أو مجهول، وإنما قوانين جديدة هي قوانين الطبيعة أيضاً، وهي قوتها التي سخت بها، وأنالتها للإنسان، حتى لم يعد هناك من غرابة، وإنما هي أحداث يومية، فقدت حِسّها بكثرة مسِها، بصمت الراضين يخبئ دعوى (بما لا تشتهي)، فراراً من سطوة الجموح التي تتلبس شراعه رغماً عن رغبات ريحه.

جامعة أم القرى

-


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة