Culture Magazine Thursday  15/12/2011 G Issue 356
فضاءات
الخميس 20 ,محرم 1433   العدد  356
 
الحيوانات في الأدب والفن
قاسم حول

قرأت المقالة الجميلة ذات الدلالات العالية التي تعيشها المنطقة والتدهور الحاصل في المجتمع والفرد. وهي مقالة الدكتور غازي القهوجي في الملحق الثقافي لصحيفة الجزيرة. وكان عنوان المقال «النباح حتى الصباح» وقد أثارني المقال وجعلني أعيد التأمل في ما كتب عن الحيوانات والكلاب في الثقافة والسينما.

للكلاب حكايات كثيرة في الأدب مثلما لبقية الحيوانات حيث تتخذ من مواصفاتها الشكلية والغريزية قصصاً وروايات وأفلاماً سينمائية ومسلسلات تلفزيونية من الصعب حصرها. فحكاية توم وجيري الساحرة لوالت دزني بقيت حلم الأطفال والكبار أيضاً في متابعتها على شاشات التلفزة وسابقاً عبر الشاشة السينمائية. وهناك مسلسل جزيرة الكنز يلعب فيه الكلب دوراً رئيسياً. ومن الصعب تجاوز مسرحية «حكاية الرجل الذي صار كلباً» للكاتب الأرجنتيني «أوزفالت داركون» التي ترجمت وقدمت على مسارح العالم. أما كتاب «كليلة ودمنة» فبقي خالداً في الأدب على مر الأزمان وطبعت منه طبعات ملونة مزدانة بالرسوم واللوحات. وكلها حكم لأبناء البشر من خلال الحيوانات.

الكاتب الليبي الراحل «صادق النيهوم» كان يتخذ من الحيوانات موضوعات لرواياته وقصصه. وكتابه الشهير «القرود» قال من خلاله ما لا يمكن قوله في البشر لأن ذلك سيقوده إلى عقاب البشر الذي لا يرحم! وكان رحمه الله قد أرسل لي فكرة لفيلم سينمائي كتبت لها السيناريو ولم أجد من يمولها لي وعنوانها «الحصان العربي» وهي حكاية جميلة أتمنى أن تتاح لي يوماً فرصة تحويلها إلى فيلم سينمائي وهي فكرة مؤثرة وجميلة حقاً.

تذكرت كل هذا العالم وأنا أراقب أفلاماً سينمائية حديثة. الحيوانات هي شخوصها التي صارت تتحدث بلسان البشر وتناقش أخطاء العالم الإنساني عبر الأبعاد الثلاثة. وحقيقة الأمر أن الناس بدأت تزدحم على شباك التذاكر.

النظرة إلى عالم الحيوان وإلى الحيوانات هي نظرة نسبية تحكمها الجغرافيا والتاريخ والقيم والمبادئ.

جلس المواطن «سين» القادم من بلاد الشرق يحاور زوجته عن شخصية من الجالية التي ينتمي إليها وقد أصبح مواطناً في هولندا. وفي غمرة الحديث مع زوجته وصف الشخصية موضوع الحوار بالكلبية قائلا لزوجته «هذا واحد كلب» فانتبهت ابنته التي كانت تتصفح مجلة عن الطبيعة وهي مولودة في هولندا وقالت لوالدها «بابا أرجوك أن تدعو هذا الذي تتحدث عنه لبيتنا كي نتعرف عليه .. هل صحيح أنه كلب!؟»

تعبير كلب والشتيمة «كلب ابن كلب» كثيراً ما قادت إلى حروب في المنطقة. حيث شتم أحد العراقيين يوماً في غمرة الانفعال أحد جيرانه قائلاً «كلب» فسحب الجار بندقيته وأطلق النار على الشاتم وأراده قتيلاً فانتفضت عشيرة المقتول وقتلت القاتل ثم تطور النزاع إلى حرب بين عشيرتين ثم انتصرت عشائر لهذا الطرف وعشائر لذاك الطرف وصارت حرب أهلية حتى تدخل عقلاء القوم وحسم الأمر أن يتم زواج بنات من عائلات القاتلين إلى رجال من عائلات المقتولين .. زواج بدون مهر وبدون حاضر ولا غائب ما يشبه الفدية للمغدورين! كل ذلك حصل لأن الشخص وصف جاره بالكلب.

الأنظمة الدكتاتورية العربية ممثلة بأجهزة مخابراتها تشتري كلاباً عدوانية قاتلة يتم تفريخها في مزارع بين بولندا وروسيا وتباع بأسعار غالية جداً. والإسرائيليون يهتمون بهذا النوع من الكلاب ويمتلكون منه الكثير حيث يوضع المتهم مع أحد هذه الكلاب في غرفة ضيقة ويتركونه ليحقق معه بطريقة كلبية فينهار المتهم ويدلي باعترافاته أو يدلي باعترافات عن أحداث غير موجودة يضع نفسه مداناً فيها! فيما ابنة المواطن «سين» الهولندية طلبت من والدها دعوة الشخص على الغداء لأن والدها وصفه بالكلب!

عرفت الكلاب كثيراً عندما أقمت في اليونان فترة غير قصيرة من حياتي لأنها تعوي كلما أحست بقرب حدوث هزة أرضية أو زلزال والهزات الأرضية والزلازل كثيرة ودائمة في اليونان. تشعر بها الكلاب قبل غيرها فهي قبل أقل من دقيقة من حصول الهزة الأرضية تعوي جميعها في سيمفونية كلبية جميلة ومموسقة ذات نغم كورالي ونباح مونو متناغم، تسمعها من كل الجهات ولها سحر خاص وخاصة في الصباح فيهرع اليونانيون وأنا معهم ونغادر منازلنا فتحصل الهزة. تسقط بيوت وتنهار جدران ولا تحصل ضحايا بسبب تنبيه الكلاب للمواطنين عبر سيمفونية صوتية ساحرة الجمال.

مؤسسة الضمان الاجتماعي تمنح كل أعمى في هولندا وفي أوربا كلباً يساعده في عبور الشارع فهو يعرف الإشارات الضوئية. ويجلس معه في المنزل ويفتح له باب الدار عندما يرن الجرس ويعوي فقط عندما يشعر بأن صاحبه مريض، وقد يخرج من المنزل ويدق باب الجيران طلباً للمساعدة.

أنا شخصياً أنزعج كثيراً عندما يأتي رجل البوليس في المطارات الأوربية ومعه الكلب البوليسي ليشم حقيبتي اليدوية أو جهاز الحاسوب ويتحسس ملابسي فأشعر بالخوف فيشعر الكلب بخوفي منه ويتمادى في التفتيش لأنني بشكل عام أتحسس من الكلاب وأخاف من أنواع منها. وعادة أمتنع عن زيارة العائلات التي لديها كلب في منزلها. لا أميل لصداقة النساء من اللواتي يعتنين بالكلاب!

عندما وصلت أوربا. وعشت أغلب حياتي فيها قيل لي إن المشي في الغابات والركض يطيل العمر. فاشتريت ملابس الرياضة الخاصة بالركض وبدأت أقلد الأوربيين وأركض. وذات يوم وأنا أركض في الغابة لم أكن أعرف بأن الكلاب تركض خلف الشخص الذي يركض فشعرت بأن كلباً من ذلك النوع الكبير يركض خلفي فبدأت أصرخ وأنادي صاحبه بمنعه الركض ورائي، وصار صاحب الكلب يضحك حتى انقلب على قفاه من شدة الضحك. يومها توقفت عن رياضة الركض والمشي في الغابات. ولا تزال ملابس الرياضة معلقة في خزانة ملابسي للذكرى والتنبيه أن لا أركض ثانية في الغابة حتى «لا أصرخ» ثانية وأنا في مثل هذا العمر!

سينمائي وكاتب عراقي مقيم في هولندا sununu@ziggo.nl هولندا

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة