Culture Magazine Thursday  15/12/2011 G Issue 356
ذاكرة
الخميس 20 ,محرم 1433   العدد  356
 
من بريدة أصله وفي الحوطة نشأته
الشيخ الجليل عبدالعزيز السماعيل وآثاره العلمية في بلاد الهند
عبدالملك بن عبدالوهاب البريدي

من ضواحي بريدة أصله ومنشأه، وفي حوطة سدير مولده ونشأته، ولحيدر آباد بالهند تعلمه ومطلبه، الشيخ عبدالعزيز بن محمد بن عبدالله السماعيل الغانم الدعمي من قبيلة بني خالد كان آباؤه وأجداده من أهل الصباخ إحدى ضواحي جنوب مدينة بريدة، وفي عام 1292هـ، ارتحل جده ووالده إلى سدير وهناك كانت ولادة المترجم له، وفي عام 1344هـ، عين الإمام عبدالعزيز آل سعود - رحمه الله - والده محمد ابن سماعيل قاضياً في عسير فأفتى فيها وعلم وبعد سنة ونصف من قدومه انتقل إلى رحمة الله.

الشيخ السماعيل في ذاكرة الشيخ عبدالعزيز التويجري يرحمهما الله

أشار الشيخ عبدالعزيز بن عبدالمحسن التويجري نائب رئيس الحرس الوطني سابقاً في كتابه الموسوم ب (ركب ادلج في ليل طال صباحه) يقول «بعد وفاة والدي الحقتني والدتي (بكتاب صالح بن نصرالله) بحوطة سدير وكان رجلاً فاضلاً مخلصاً هادئ الطبع يولي طلابه عناية فائقة ويعاملهم كأبنائه، وأنه تعرف في الكتاب على أحد الطلبة الذين في سنه وهو ( عبدالعزيز السماعيل) وارتبط معه بصداقة متينة وأخوة عميقة، فلما انتقل التويجري من حوطة سدير إلى المجمعة استمرت العلاقة بينهما عبر المكاتبة، وكانت رسائل السماعيل حزينة وفي آخر رسالة بعثها كتب فيه أنه مسافر ولن يعود إلا وكتب التاريخ، وتبين فيما بعد أنه ارتحل إلى بلاد الهند لطلب العلم».

رحلته في طلب العلم

ارتحل المترجم لطلب العلم في بلاد الهند سنة 1344هـ الموافق 1926م، فقرأ على علمائها وحضر مجالس التحديث وأخذ يتضلع من العلوم الشرعية منكباً على العلم انكباب النهم منشغلاً بالبحث والدرس عن أمور حياته، ينهل من مكتباتها ويغترف من عذب عيونها وسلسال شرابها. وبعد فترة من الانقطاع اشتد به هوى جارف وشوق لهيف وحنين طاغ لأهله وذويه فقرر العودة إلى بلاد نجد، ويضيف رفيق صباه الشيخ عبدالعزيز التويجري إلى أنه «مكث في الهند عشر سنوات فلما عاد والتقيت به لاحظت عليه الوجوم والصمت سألته لماذا أنت هكذا؟ فقال أشعر أني لم أحقق رسالتي حتى الآن سأغادر البلد، حاولت أن أثنيه عن ذلك لكن لم يقبل بل عاد من حيث أتى».

الانقطاع الطويل

فلما عاد إلى الهند انقطعت أخباره، فأخذ أخوه الأصغر سليمان يبحث عنه ويخاطب المسؤولين حول ذلك، وقابل الملك عبدالعزيز يرحمه الله وطلب منه التدخل في البحث عنه فوعده خيراً، ثم قابل الملك سعود يرحمه الله بهذا الشأن، فقامت الحكومة السعودية وبعثت خطاباً لمكتب شؤون رعاياها في الهند لتأكيد البحث عنه، فلما علم الشيخ عبدالعزيز السماعيل أن أهله يبحثون عنه، فبعث خطاباً يتلطف فيه أخاه وفحواه ( فقد علمت أنك تبحث تسأل عني وإني مشتاق لك ولوالدتي وأقاربي ولكن حالياً أموالي مفرقة بين الناس ومتى استعدت ذلك فسوف أعود).

ويقول أحد أبناء عمومته في الكويت من أسرة الغانم إني «كنت أسمع عن عبدالعزيز السماعيل وانتقاله للهند ولكن لم يسبق لي الالتقاء به ولا أعرفه، فلما سافرت للهند حبستني الصلاة في ميناء بومباي الهندي، فلما فرغنا من الصلاة في مسجد الميناء تقدم شخص سحنته وملامحه عربية، فأخذ يعض الناس ويرشدهم، فلما فرغ من ذلك ذهبت وسلمت عليه وعرفته بنفسي عندها أخذني بالأحضان وعانقني وهو يبكي وقال أنا ابن عمك عبدالعزيز السماعيل، ولقد بذلت جهداً في إقناعه بالعودة معي فرفض رفضاً شديدا».

الاستقرار في حيدر آباد

تنقل الشيخ السماعيل في بلاد الهند لطلب العلم فلما فرغ قرر العودة إلى نجد، فمر في طريقه على إقليم السند و تحديداً مدينة حيدر آباد، فشاهد فيها انتشار أمور الشرك والخرافات والبدع واختلاط العقائد بأوهام ومكاشفات المتصوفة، فحزن على حالهم وحركت هذه المشاهد في نفسه أشجاناً، وأخذ يستحضر فضل تبليغ العلم، وشمر عن سعد الجد وكتب لهم الرسائل في وجوب تنقية العقيدة وحذرهم من خطورة الشرك وطالبهم بالابتعاد عن البدع والخرافات، وآثر البقاء و الاحتساب في حيدر آباد و دعوة أهلها لعل الله أن ينفع به فاطمأن به المقام، ولقد ذكر مقرض رسالة ( إظهار الحق) أن الله حبسه عندهم من غير اختياره والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لايعلمون، وكان من لطائف دعائه أثناء إقامته في حيدر آباد وهو يصارع الشوق إلى أهله (اللهم يارب العالمين ويا أرحم الراحمين قر عيني بأخي وأختي وإخوتي وأهلي أجمعين كما قررت أعين عبادك الصالحين فإني أسيرك في بلاد السند غريب مسكين بين عباد الأولياء والمخلوقين، كئيب القلب حزين لفراق الأهل والأقربين فاجعل لي من لدنك ولياً واجعل لي من لدنك نصيرا) .

عرض موجز لكتابه (إظهار الحق).

من آثار الشيخ السماعيل العلمية في حيدر آباد مصنف من الحجم المتوسط ويقع في 16 صفحة وطبعتة حجرية هندية، وهو بعنوان (الحصة الرابعة من إظهار الحق) ويبدو أن هذا المصنف عبارة عن سلسلة من الحصص كما هو ظاهر في العنوان ولقد فرغ منه يوم الأحد 8 ربيع الأول 1355هـ.

دوافع تأليفه

ذكر المصنف في المقدمة أن السبب الذي حمله لتأليف هذه الرسالة وهو لما رأى تمسك أهل السند بالأولياء واتباع طرائقهم وأوامرهم وعكوف البعض على قبورهم والاستمداد منهم.

متفرقات من الكتاب:

- جمع في هذا الكتاب الآيات التي نهى الله فيها عن أخذ الأولياء واتباعهم طلب النظر والتبصر في هذه الآيات القرانية والعمل بها وحملها على مواضعها ومجاري خطابها والانقياد لآيات الله وقبولها.

- تطرق إلى أسباب هلاك القرون الأولى قوم نوح وقوم عاد وقوم صالح وقوم لوط وإنهم ماهلكوا إلا لما أعرضوا عما جاءت به النذر ثم أخذ يستعرض الآيات في ذلك مع تفسيرها.

- قام بالإشارة إلى بعض الحوادث في الهند مثل الزلزلة العظيمة التي وقعت آخر ليلة الجمعة لسبع وعشرين خلت من سنة 1354هـ في بلدة كوتيه بلوجستان شمال الهند تزلزلت أرضهم دقيقة واحدة فزالت بيوتهم وسقطت على سكانها وهم نائمون، وأشار إلى حادثة ثانية وقعت قبل هذه الحادثة بسنة تقريباً حيث وقع خسف في البحار مدة ساعتين فلم يبقَ منهم عين ولا أثر غير أن أرضهم ومساكنهم صارت مياهاً تجري.

في آخر الرسالة تقريض لأحد علماء الهند جاء فيه ( ما ذكره الشيخ عبدالعزيز في هذه الرسالة هو الحق وماذا بعد الحق إلا الظلال أملاه قائد الموحدين في ديار الكنج من بلاد النهد الشيخ عبدالرحيم بن عبدالعزيز رحيم آبادي).

الشيخ وصي مظهر يثني على جهود السماعيل العلمية

مكث السماعيل في حيدر آباد يدعو إلى دين الله ويعلم الناس العقيدة السليمة، ولقد حدثني الاستاذ عبدالرحمن بن علي السماعيل أحد أبناء هذه الأسرة، أنه سبق أن نشر في مجلة المجتمع الكويتية في أعدادها الأولى إعلانا من الشيخ عبدالعزيز السماعيل يطلب فيه التبرع لإنشاء مدرسة في بلاد الهند وذلك في حدود عام 1390هـ، كذلك يفيد أنه سبق أن تحاور مع (وصي مظهر) أحد تلاميذ الشيخ عبدالعزيز السماعيل وكان يثني عليه وعلى جهوده العلمية ومما قاله (إنه اشتهر عندنا باسم عبدالعزيز عرب، ولقد فسر القرآن الكريم بلغة أهل السند وشرح بلوغ المرام، وألف رسالة في الذب عن أهل نجد، وله سلسلة إظهار الحق، عاش حياته في الدعوة والمناظرة ولم يذكر أنه تزوج ولقد توفي ودفن في مقبرة السلفيين في مدينة حيدر آباد).

ولقد أشار معالي الشيخ محمد ابن ناصر العبودي في معجم أسر بريدة أن السماعيل سافر إلى الخليج والهند وكتب رسالة صغيرة مطبوعة في العقيدة السلفية وصلت إلينا ونحن صغار نطلب العلم ففرحنا بها لأنها ذات اتجاه سلفي سليم ثم حضر إلينا الرجل في بريدة فدارسناه وجالسناه فوجدناه يعمل بالتجارة إلا أنه لم ينسَ الدفاع عن العقيدة السلفية وكانت وفاته في الهند عام 1393هـ. ولقد أفادني الشيخ عبدالعزيز بن عبدالرحمن اليحيى رئيس هيئة الأمربالمعروف بالمنطقة الشرقية سابقاً أن الشيخ السماعيل عاش حياة حافلة بالعطاء والبذل والعمل الجاد والتضحية في سبيل نشر العلم السلفي، رحم الله الشيخ عبدالعزيز السماعيل وبرد الله مضجعه وأمطر عليه شآبيب رحمته.

* * *

1- كتاب إظهار الحق الحصة الرابعة/ عبدالعزيز السماعيل طبعة هندية سنة 1355هـ

2- كتاب ركب ادلج في ليل طال صباحه/ عبدالعزيز التويجري - رواية شفوية من الاستاذ/ عبدالرحمن السماعيل

3- معجم أسر بريدة/ معالي الشيخ محمد العبودي

مدير دار النفائس والمخطوطات ببريدة بريدة

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة