Culture Magazine Thursday  16/06/2011 G Issue 346
فضاءات
الخميس 14 ,رجب 1432   العدد  346
 
مداخلات لغوية
جريد - جريدة
أبو أوس إبراهيم الشمسان
-

كان الفلاحون في بلادنا يقطعون عسبان النخيل ليقشى (يقشر) خوصها حتى تصير العسبان جريدًا من الخوص، ليستعمل الجريد في سقف البيوت والخوص لسفّ الزبلان أو الحصر أو الجلال، وكان سألني الأستاذ خالد العلي الصيدلاني الذي حباه الله بخلق رفيع وروح مرحة، وثقافة واسعة تعدت مجال الصيدلة إلى التفكير في اللغة ومركباتها، بعلة أنّ (الجريدة) من النخل جمعها (جريد)، وأمّا الجريدة (الصحيفة) فجمعها جرائد، لا يقولون في جمعها: جريدًا.

أما معاجم اللغة فذكرت (الجريدة والجريد) وربما اختلفوا في الكلام عن ذلك بعض الاختلاف الذي تهبه مصادر جمع اللغة من البيئات المختلفة. قال ابن سيدة في معجم (المحكم): «والجريدة سعفة طويلة رطبة، قال الفارسي: هى رطبة سعفة، ويابسة جريدة، وقيل الجريدة للنخلة كالقضيب للشجرة». وأضاف ابن سيده قولا يوحي بأن (جريدة) وصف للسعفة، أي (سعفةٌ جريدة) بمعنى: مجردة، قال: «وذهب بعضهم إلى اشتقاق الجريدة فقال هى السعفة التى تقشر من خوصها كما يقشر القضيب من ورقه والجمع جريد وجرائد، وقيل الجريدة السعفة، ما كانت، [رطبة أو يابسة] بلغة أهل الحجاز»، ثم ذكر قول من ذهب إلى أن (الجريد) ليس بجمع، قال: «وقيل الجريد اسم واحد كالقضيب، والصحيح أن الجريد جمع جريدة كشعير وشعيرة». وقول ابن سيده عن (الجريد): إنه جمع قول صحيح من حيث المعنى والاعتبار المعجمي، وأما الصرفيون فلهم قول آخر؛ إذ يرون (جريدًا) في الوضع قبل المفرد؛ ولذلك فجريد عندهم (اسم جنس جمعيّ)، فهو يطلق على جماعة متجانسة الأفراد، ويؤخذ المفرد (الواحد) من لفظه بإلصاق تاء التأنيث (1) ، مثل: شعير وشعيرة، شعر وشعرة، تفاح وتفاحة، نخل ونخلة، دجاج ودجاجة، كلم وكلمة، آي وآية.

و(الجريد) عندي في الأصل نعت نقل إلى الاسمية فجمد لدلالته على ذات، ومن الجريد أخذ المفرد (الجريدة) وتاء التأنيث فيه للدلالة على الواحد وليست وسمًا يميز المؤنث من المذكّر. وانتقل هذا اللفظ بالمجاز الذي منه إطلاقهم الجريدة على الجماعة من الخَيْل جُردَت من سائرها لوَجْهٍ، وقال الأصمعي: الجريدة التي قد جَرَدَها من الصِّغار، ثم عمّموا لفظ (الجَرِيدة) فأطلقوه على (البَقيَّة من المال) أي الإبل ونحوها ولفظ (الجريدة) بهذا المعنى صار اسم جمع لا واحد له من لفظه.

ولمّا كان جريد النخل من أدوات الكتابة في الجاهلية وصدر الإسلام لشحاحة ما يكتب عليه ساغ للمحدثين أن يطلقوا على الصحيفة اليومية (جريدة)، وربما سميت بهذا لما يجمع فيها من الأخبار والأقوال التي جردت من مظانها. والجريدة بهذا كأنما وضعت ابتداءً ولم تؤخذ من لفظ اسم الجنس، وحُق لها بهذا أن تجمع جمع تكسير كما تجمع الأسماء التي على بناء فعيلة فيقال (فعائل)، ومن هنا صار جمع الجريدة الصحيفة على الجرائد لا (الجريد)، كما تقول في فتيلة فتائل، ولست أرى بأسًا أن يقال في جمع الجريدة (جريد)؛ لأنه يدل على متعدد متجانس، كما قالوا في جريدة النخل جريد وجرائد حين عاملوا جريدة النخل معاملة اللفظ الموضوع ابتداءً، ولكن طريق الاشتقاق أن يكون اسم الجنس الجمعي أولاً ثم المفرد منه، والجريدة الصحيفة نقلت من مفرد بالمجاز للدلالة على معنى مختلف فكان طريق التصريف أن يكسّر الاسم للجمع.

( 1 ) ومنه ما يكون مفرده بإلصاق ياء النسب مثل (عرب وعربي، ترك وتركي، زنج وزنجيّ).

-

+ الرياض

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة