Culture Magazine Thursday  16/06/2011 G Issue 346
فضاءات
الخميس 14 ,رجب 1432   العدد  346
 
تجفيف منابع الجريمة
عبدالله بن محمد السعوي
-

لا يستوي البنيان الاجتماعي على سوقه ما لم تكن العلاقة الحميمية الممتدة والتضحية المشتركة هي الإطار العام الذي يمنح المنضوين تحت لوائه قدرا عاليا من التماسك البيني والانسجام التام. الحاجة تبدو ملحة وأكثر من أي وقت مضى للتدشين لتقنيات التواصل التي تمدنا بأعلى مستوى متاح من التآلف الذي يتجاوز العلاقات الهامشية العابرة. إن عمق التواصل المجتمعي وتوثيق الترابط الأسري داخل الأحياء السكنية شأن يفرض ذاته وخصوصا في ظل اتساع دوائر الجريمة بمنحييها الفردي والجماعي من تحرش واغتصاب وسطو وسرقة وقتل وترويج للمواد المخدرة بكافة ألوانها. العيش في إطار جغرافي واحد وفي حيز مكاني له حدوده شأن يملي ضرورة التوسع في إنشاء وتفعيل (مراكز الأحياء) لتشكل حلقة وصل بين الأهالي الذين لا يتصاعد منسوب اللُّحمة ولا يتعمق مستوى التفاعل فيما بينهم إلا من خلال تلك المراكز بحسبها مؤسسات مرتكزة على الشراكة والتضحية المتبادلة والتي يؤوب مردودها في المحصلة النهائية لصالح الجميع.

تفعيل مراكز الأحياء وترشيد توجهاتها هو الذي يسهم في الحد من وجود التجاذبات البينية ويعلي من وتيرة التواصل المفعم بالحميمية التي تتولد كانعكاس حتمي للالتقاء على العمل المشترك وعلى التمحور حول القواسم المتقاطعة في وسط الأجواء الناضجة المؤهلة للتأثر والتأثير وكم من مركز جرى تفعيله فبات همزة وصل يتذاكر فيه المتجاورون ويتباحثون حول العناصر التي يلزم توفيرها للحي وحول ماهية نقاط السلب التي يفترض التخلص منها وينشئون الحلول الجذرية لمداواة ما يعترضهم من إشكاليات على المستوى الأسري.

أيضا من خلال تلك المراكز يتم استقطاب الشباب من الجنسين وتوظيف طاقاتهم وإنفاق جهودهم في سياقات تلبي تطلعاتهم وتشبع رغباتهم وتنعكس على المصلحة العامة بالمردود الإيجابي العام. إن التوظيف الفعلي الصحيح لتلك المراكز يجعلها تمثل السياق الشرعي لتجسيد نداء التعايش الذي أومأ إليه التشريع، ويجعل منها قبلة للشباب وقناة جوهرية يتم عبرها تبادل المنافع والاصطفاف على خط واحد لمقاومة ما يستجد من المخاطر وإرساء معززات الدعم المادي والمعنوي المتبادل بين الأفراد. ثمة أسر تعاني من آثار الدخل المادي المنخفض وهي بحاجة ماسة إلى روافد ضخمة من الدعم والمساندة الاجتماعية والصلات الدافئة التي تخفف من مدى المعاناة وتحجم من مظاهر التوتر.

تلك الأسر التي تتطلع إلى الدعم العيني والمادي في الغالب يتعذر الظفر بمعرفتها إلا من خلال تلك المراكز التي تسهم في تعميق عملية التكافل الاجتماعي وتقي المجتمع من مغبة التفكك في بنيته وهو من خلال برامجه المكثفة وأنشطته المتنوعة يرتقي بمستوى شباب الحي ويحتضن طاقاتهم ويوجه قدراتهم ويحفظ أوقاتهم من خلال برامج هادفة وشامله لأكثر المجالات ولكافة الفئات. إن وهن التواصل العلائقي وعدم الدخول في شراكة إيجابية بين سكان الأحياء أورث ضربا من التفكك فالجار لا يعرف من بجواره وإن كان ثمة معرفة فهي على نحو سطحي عابر حيث لا يلتقيان إلا عن طريق الصدف وكم من بيت يئن تحت وطأة العوز أو يعاني من تصاعد حدة الإشكاليات بين الزوجين وأقرب الجيران لا يعرف شيئا عن تلك الأحوال وفي كثير من الأحيان لوطفت الحي بأكمله لم تظفر بمن يسهم في إصلاح ذات البين أو وضع الترياق الملائم لما يتشكل من إشكاليات، بل أحيانا قد يستحيل الحي إلى مأوى لأوكار الجريمة أو مخبأ لسدنة الإرهاب ومع ذلك فمَن بالجوار يغطون في سبات عميق ولا يعون ما يحاك حولهم من مؤامرات! إن الشريحة الشبابية على وجه الخصوص وبحسبها القلب النابض في المجتمع هي المستفيد الأول من تلك المراكز إذ الشاب يشعر بأن قيمته مصونة وأن كينونته محل اعتبار فتلك المراكز تشبع رغباته وتفجر ما يستكن فيه من طاقات. إن من المعهود أن الشاب عندما يعيش انفصالا اجتماعيا ويكون بمنأى عن أسرته فإن الأفكار المرذولة والتجمعات القائمة على الشرّية ستحتضنه وستخلق له الأجواء التي تتلقفه وتحوله بالتالي إلى قنبلة موقوته معدة للانفجار في أي وقت. إن تصميم مركز للحي على نحو يشكل أداة جذب ونقطة التقاء في الحي السكني شأن في غاية الجوهرية إذ لابد من احتواء طاقته الاستيعابية على الخدمات الدينية كالمساجد والخدمات الثقافية كالمكتبة المزودة بدرجة إضاءة كافية وبصالات مخصصة للقراء وكذلك الخدمات الرياضية كالملاعب ذات المسطحات الخضراء والمسابح ومختلف الخدمات كصالات الالتقاء والصالات المعدة لمباشرة كافة الأنشطة وكذلك لابد من الوضع بعين الاعتبار توليد المناخات الملائمة لكبار السن والمعوقين وكافة الشرائح الاجتماعية الأخرى.

ومحصول القول:إن صرف المزيد من العناية بمراكز الأحياء هو أحد أبرز الحلول اللازمة لاستقطاب الشباب ورعايتهم وحفظ الأحداث من الجنوح الذي يفترض تجفيف منابعه حتى لاندفع الثمن وحتى نكون بمنجاة من مرشحات الانفلات الأمني.

-

+ Abdalla_2015@hotmail.com - بريدة

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة