Culture Magazine Thursday  16/06/2011 G Issue 346
قراءات
الخميس 14 ,رجب 1432   العدد  346
 
كتاب (الحداثة الشعرية في ربع قرن)
بين الوعي النقدي والسهام الموجهة
د. عماد حسيب محمد
-

من المتعارف عليه أن المؤلف لا يتحدث عن مؤلفه، ولا يتناول منجزه فيذكر قيمته أو مثالبه، لكن يترك هذه المهمة للقارئ المختص ليبدي رأيه القائم على دراسة واعية ورؤية علمية، وأحمد الله أنه ما زال لدينا علماء أوفياء يقدرون مثل هذه الكتابات، ويتناولونها تناولا نقديا هادفا، وكتابنا من الكتب التي تناولها كثير من النقاد داخل المملكة وخارجها، ولكن الذي دفعني للكتابة في هذا الموضوع ما أثاره زميلي الدكتور عبد الله المعيقل عن هذا الكتاب، وما أشاعه بين الزملاء في قسم اللغة العربية، والطريقة التي استخدمها لنشر الموضوع؛ مما جعلني متحفزا للكتابة فيه، فهو يتحدث في قضية علمية، والقضايا العلمية ليس مكانها مكاتب الزملاء ولا الغرف السرية، بل يجب أن تخرج للنور، وتطرح على مائدة النقاش أمام المختصين، ولنعترف بأخطائنا - إذا كنا مخطئين - أو نقدم إفادة علمية للمتلقي، تشكل - لديه - بعدا من أبعاد الرؤية. والقضية التي طرحها الدكتور المعيقل ترتكز على نقطتين أو اتهامين، نفصل القول فيهما:

النقطة الأولى تختص بفقرة وردت في كتابنا في صفحة (220)، وهي مكونة من تسعة أسطر، أشار الدكتور المعيقل إلى أن هذه الفقرة تنسب إليه، ووردت في (موسوعة الأدب السعودي الحديث - نصوص مختارة، المجلد الثاني، 86)، وقد تمت إحالتها في كتابنا إلى عز الدين إسماعيل، وما ذكره الدكتور المعيقل صحيح، وهذا يعد خطأ في الإحالة، وهو خطأ وارد يقع فيه كثير من الباحثين، خاصة أن عدد صفحات الكتاب تتجاوز (260) صفحة، وقد وقع المعيقل نفسه في هذا الخطأ في مقدمته، التي كتبها في الموسوعة، وهي لا تتجاوز صفحاتها التسعين أكثر من سبع عشرة مرة، وهي أخطاء لا تقع في دائرة المسكوت عنه؛ لأنها خطيرة جدا، وأذكر منها على سبيل المثال:

- في صفحة (18) أورد المعيقل أبياتا شعرية للشاعر إبراهيم الأسكوبي، وأحالها في الهامش إلى (عبد الرحيم أبو بكر: الشعر الحديث في الحجاز، دار المريخ، الرياض، 1980، ص 165)، وقد وقع هنا في خطأين: الأول: أن الصفحة التي ذكرها ليست صحيحة، والصواب ص 157 - 158، والآخر: خطأ في إثبات المصدر؛ لأن الدكتور لم ينقل الأبيات عن الكتاب المشار إليه آنفا، بل نقلها عن ديوان إبراهيم الأسكوبي، الذي حققه الخطراوي، ووردت هذه الأبيات في صفحة (156)، والدليل على ذلك أنه في كتاب (الشعر الحديث في الحجاز) المشار إليه في الهامش حُذف بيت من أبيات الأسكوبي وهو البيت القائل:

ولا أؤمل أن القلب منك له

ميل لمثلي فيسعى الدهر في طلبي

وأثبته المعيقل ضمن الأبيات، وذلك لأن البيت مثبت في الديوان، وأيضا ورد في الكتاب المشار إليه في أحد الأبيات عبارة (أما وربك لا أنساك)، ووردت في موسوعة المعيقل (فلا وربك)، وهذا ما جاء في ديوان الأسكوبي.

- ورد في الموسوعة في صفحة (22) الفقرة «يشبهه عبد القدوس الأنصاري بالبارودي في عروبة بيانه وبث الشكوى والأشجان، والمساهمة في حوادث المكان»، وأحالها المعيقل إلى (مجلة المنهل، أكتوبر، 1957، ص 164)، وقد وقع هنا في خطأين، الأول: أن الفقرة منقولة كاملة عن كتاب (الشعر الحديث في الحجاز) في صفحة (174)، وقد نقلها الأخير عن (مجلة المنهل)، والدليل على ذلك أن الفقرة الواردة في مجلة المنهل تبدأ من (عروبة بيانه.. إلى آخر الفقرة)، أما التوضيح السابق لها فهو يعزى لمؤلف كتاب (الشعر الحديث في الحجاز)، والآخر: خطأ في النقل، فقد جاء في نقل المعيقل عبارة (حوادث المكان)، والصواب (حوادث الأكوان).

- أورد المعيقل في الموسوعة في صفحة (17) أبياتا للشاعر إبراهيم الأسكوبي، وأحالها إلى (ديوان إبراهيم الأسكوبي، تحقيق محمد عيد الخطراوي، دار الأصفهاني للطباعة بجدة، 1989) والخطأ هنا وقع في معلومات النشر، فالصواب مكتبة دار التراث، المدينة المنورة، ط1، 1989

- وردت مجموعة من الإحالات في الصفحات (30-31-32-52)، أحالها المعيقل إلى كتاب بكري شيخ أمين، وذكر ثبتها هكذا (بكري شيخ أمين: الحركة الأدبية في المملكة، دار العلم للملايين، ط5، بيروت، 1986)، والحقيقة إن الإحالات التي أحالها المعيقل في الصفحات الثلاث غير صحيحة؛ لأن الطبعة التي ذُكرت في الهامش ليست هي الطبعة التي اعتمد عليها المعيقل، بل اعتمد على طبعة أخرى بنفس ثبت الصفحات التي ذكرها، هذه الطبعة هي الطبعة التاسعة عام 1999

- في صفحة (31) في الموسوعة وردت الفقرة الآتية «وتعتبر - يقصد مجلة صوت الحجاز - من أبرز المعالم في تاريخ الأدب الحديث في المملكة، ولسان حال الكثيرين من الكتاب»، وتمت إحالتها إلى (محمد عبد الرحمن الشامخ: النثر الأدبي في المملكة العربية السعودية، مطابع الرياض التجارية، 1975، ص 140)، وهنا وقع في ثلاثة أخطاء، الأول: خطأ لغوي، فقد ذكر (يعتبر) والصواب (تعد)، والثاني: خطأ في ثبت المصدر، فذكر مطابع الرياض والصواب (مطابع نجد)، والثالث: - وهو الأهم - أن الفقرة المشار إليها لا وجود لها في كتاب الشامخ - لفظا أو دلالة - في الصفحة المذكورة لا من قريب ولا من بعيد.

- وكذلك ذكر في نفس الصفحة (31) الفقرة الآتية «ومجلة المنهل هي من أوسع وأهم المصادر الأساسية لدراسة الأدب وخاصة الشعر في المملكة، وكان لها اهتمام واضح بالقصة والقصة القصيرة والشعر الحر»، وأحالها إلى كتاب الشامخ ص (156)، والصفحة المذكورة هي الصفحة الأخيرة في الكتاب، وعنوانها الرئيس (محتوى الكتاب). وما زال لدينا أحد عشر خطأ وقع فيها الزميل في التوثيق فقط، ناهيك عن الأخطاء الأخرى الخاصة بالأبيات الشعرية وتحريف المنقول والبتر المتعمد لأجزاء النصوص.

النقطة الأخرى: ذكر الدكتور المعيقل أننا اعتمدنا في كتابنا على نصوص شعرية لشعراء سعوديين وردت في الموسوعة وأشرنا للدواوين التي نُقلت منها النصوص ولم نشر للموسوعة، فكان جوابنا الآتي: إن كتابنا (الحداثة الشعرية في ربع قرن) أورد ستة وسبعين نصا شعريا لشعراء من جميع أنحاء الوطن العربي، وكل نص دُرس في ضوء الظاهرة النقدية، والظاهرة النقدية هي التي حددت حضور النص، والنصوص السعودية الواردة من هذا الكم لا تتجاوز تسعة نصوص، وقد أفدنا من المختارات التي شملتها الموسوعة، ولكن يتوقف دور الموسوعة عند حد الجمع للنصوص دون القراءة النقدية أو التعليق أو الربط بالظاهرة الفنية، وتبقى الموسوعة - من الوجهة العلمية - مرجعا وسيطا أو ثانويا، يتم الاسترشاد به فقط، لكن عند إثبات المصدر يتم إثبات المصدر الأصلي وهو الديوان، وهذا ما يقتضيه البحث العلمي من إجراءات تؤسس له، فقد ذكر أستاذنا الدكتور أحمد شلبي- أن «المراجع الأصلية (المصادر) هي المراجع ذات القيمة في الرسائل، ولذلك وجب الاعتماد عليها والرجوع إليها، وكلما زاد استخدام المراجع الأصلية وكثرت الحقائق المستقاة منها كلما عظمت قيمة الرسائل»، فالنصوص المختارة في الموسوعة لا تنسب للدكتور المعيقل، إنما تنسب لأصحابها الشعراء، وهذا ما قام به كثير من الباحثين عندما وقعوا على النصوص المختارة في موسوعة الدكتور: يوسف خليف (الروائع في الأدب العربي - العصر الجاهلي) وإيليا الحاوي (أعلام الشعر العربي القديم)، فقد اقتبسوا النصوص - كما هي -، وعند الإثبات عادوا للدواوين الأصلية.ولدينا تجربة معاصرة تكاد تتماس مع هذا الموضوع، هذه التجربة لأستاذنا الدكتور عبد الله الفيفي في كتابه الرائد (حداثة النص الشعري في المملكة العربية السعودية)، فقد أبت تلك العقلية العلمية المخلصة أن تكتفي بالمرجع الوسيط وتنقل عنه، فعادت للدواوين الشعرية لتستوثق من صحة النصوص وصحة الثبت، فعندما وظفت مجموعة من النصوص التي وردت في الموسوعة، ومنها (موقف من الرمال موقف من الجناس للثبيتي - هواجس في طقس الوطن للصيخان - ورقة مهملة للحميدين - البروج للدميني) أثبتت المصدر الأصل وهو الديوان، ولم تشر إلى الموسوعة.

والغريب أن الدكتور المعيقل نفسه فعل هذا الأمر في موسوعته، فلديه مجموعة من النصوص الشعرية التي أوردها في الموسوعة قد وردت في مختارات وكتب سابقة، ونقلها المعيقل كما هي، ونسب اكتشافها لنفسه مغفلا دور السابقين، من هذه النصوص قصيدة (يا ليل) للصبان، نقلها عن كتاب شعراء الحجاز لعبد السلام الساسي، وقصيدة (همس الأهداب) ليحيي توفيق، وردت في كتاب (نظرات في الأدب السعودي الحديث) لراضي صدوق، ولم يشر إليه، وقصيدتا (زهرة) للشاعر محمد سراج، و(في ضيافة أبي الطيب) لأحمد الصالح، وردتا في كتاب (الرمز في الشعر السعودي) للعطوي، ونقلت القصيدتان بنفس الإحالة الموجودة في كتاب الأخير، ولم تتم الإشارة له، وغيرها من النصوص الأخرى.

هكذا عرضنا لما ذكره الزميل، ونشره بين الزملاء بصور شتى، لنضع الأمر أمام القارئ المثقف، ونبتعد عن الدوائر الضيقة، التي تختفي فيها الحقائق، فمن الأفضل أن نكون أمام أنفسنا والآخرين صفحة مفتوحة، وها أنا قد عرضت لما وقعت فيه من خطأ واحد في الإحالة، وحتى لا يقلل هذا الخطأ من قيمة الكتاب؛ فمن واجبي أن أسعى لتصحيحيه في الطبعات القادمة، لكن ماذا عن الأخطاء التي وقع فيها الزميل، التي ذكرنا بعضها وما زال في جعبتنا الكثير، لموسوعة نشرت منذ عشر سنوات، ولم يكتشف أحد ما فيها، ولم يسع صاحبها للتعديل أو التصويب، كيف يطالب الدكتور المعيقل بتحقيق الأمانة العلمية، وما قدمه لنا في الموسوعة بعيدا تماما عن تلك الأمانة، كل التحية والتقدير للزميل العزيز.

-


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة