Culture Magazine Thursday  17/02/2011 G Issue 332
فضاءات
الخميس 14 ,ربيع الاول 1432   العدد  332
 
مداخلات لغوية
الأخطاء اللغوية بين موقفين
أبو أوس إبراهيم الشمسان

تتألف اللغة من جملة من الأنظمة التي تحقق أغراض مستعمليها، فثمّ النظام الصوتي والنظام الصرفي، والنظام النحوي، والنظام المعجمي، والنظام الدلالي. واللغة بأنظمتها المختلفة معرضة مع الزمن لشيء من التغير الذي ينال أصواتها وصرفها ونحوها ومعجمها ودلالاتها؛ هذا ما تدل عليه أحوال اللغات المختلفة، على أن اللغات ليست سواء في تغيرها فمنها ما يكون تغيرها شديدًا حتى ليصعب على مستعمليها فهم نصوص سابقة من تلك اللغة، ولعل هذا التغير من أسباب نشوء لغات مفارقة لأصولها، ومن اللغات ما تغيرها بطيء بسبب إلحاح مستعمليها على تعلم نصوصها القديمة وترداده واستعمال ما أمكن من لغتهم، ولعل لغتنا العربية خير مثال لهذا؛ إذ ما زلنا نردد الشعر الجاهلي غير منكرين لغموض بعض كلماته، ونتلو القرآن فنفهم أكثره، وأما الأحاديث الشريفة فهي أوضح النصوص القديمة وأيسرها.

وليست أنظمة اللغة سواء في تغيرها، فأكثر ما يناله التغير المعجم والدلالة؛ لأن المعجم إنما يكون تلبية مباشرة لأحوال المجتمعات فيجد من الألفاظ ما تقتضيه أغراض المجتمع التواصلية والتعبيرية، وتتغير الدلالات بتغير مقاصد المستعملين، وليس بمنكر أن يضاف إلى معجم اللغة ودلالاتها ما لم يألفه الناس في تراثهم. وأما التغير الصوتي فبطيء غير متراجع وليس يسهل العودة إلى أصوله لضرب من تصحيح الاستعمال، وأكثر الأنظمة ثباتًا واستقرارًا النظام الصرفي والنحويّ، ولست أقصد بالنظام كلّ قواعد النحويين أو عللهم وتفسيرهم لظواهر اللغة فذلك اجتهادهم الذي يؤخذ منه ويترك، ولكني أقصد بالنظام ما يظهره الوصف اللغوي المعتمد على جمهرة النصوص المستعملة وفاقًا للاستقراء الناقص الكاشف عن النظام، وأما المتبقي من النصوص التي خالفت القواعد فهو لغة مقبولة ولكنه ليس معيارًا للاستعمال.

ونشهد اليوم موقفين من استعمال الناس لغتهم، أما أحدهما فمحافظ يرى أن ما خالف جمهرة الاستعمال هو من الأخطاء الشائعة أو غير الشائعة التي ينبغي أن ينبه إليها المستخدم كما ينبه الصغير حين يخطئ في استعماله اللغة، وأما الموقف الآخر فيرى أن ما يقع من أخطاء الناس في استعمالهم اللغة هو تغير لغوي يمكن قبوله واستعماله، ومثل هذا الموقف لا يجعل حدودًا ينتهي إليها الاستعمال، وسيفضي الأمر معه إلى تباعد المستعملين عن لغتهم القديمة وانقطاعهم عن تراثها. ويخلق لنا هذا الموقف صعوبة في الوصف والتقعيد لمعاندة كثير من استعمالات المحدثين لأنظمة اللغة لجهلهم بتلك الأنظمة ولضعف مهاراتهم اللغوية، فكثير من الأخطاء كان نتيجة للجهل بقواعد العربية، فكيف يكون هذا الجهل سبيلا للتقعيد الجديد بدعوى التطور اللغوي أو التغير اللغوي، ولا حجة في كون الخطأ شاع فلقي قبولا جمعيًّا؛ ذلك أن الخطأ اللغوي بما هو مخالفة للمعتاد من الاستعمال فيه طرافة تستهوي المستعملين وتستهترهم، وهكذا يتعاور الخطأ المستعملون ويقلد بعضهم فيه بعضًا. والذي أنتهي إليه أن التغير في المعجم والدلالة مقبول بل مندوب، وأما التغير في الصرف والتركيب فمتوقف فيه.

الرياض

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة