Culture Magazine Thursday  17/02/2011 G Issue 332
فضاءات
الخميس 14 ,ربيع الاول 1432   العدد  332
 
الليبراليون يتهمون المملكة ليدافعوا عنها
محمد عبدالله الهويمل

التكامل في علاقة الديني بالسياسي والديني بالاجتماعي يشكل أكبر معوقات المشروع اللبيرالي. وفتح ثغرات في هذه العلاقة أعصى من اجتراح ثقب طفيف في جبل أسطوري عملاق إلا ب(تفجيرات) عمياء متتابعة. وقرأنا في الصحف الكثير من المحاولات الغبية المفضوحة لخلخلة الانسجام السعودي،والغض من مقام طرف بالمغالاة في مقام طرف آخر. وتحولت هذه المحاولات إلى مشروع مكتمل ورديف للمشروع الليبرالي،وهو نشاط حيوي يجدر تسميته بنشاط الوقيعة بين الشيخ والحاكم، وبين الناس والمطاوعة. وابتكرت المعاجم اللغوية التحريضية لكسر التكامل بين الديني من جهة والسياسي والاجتماعي من جهة أخرى،وبلغت حدتها بعد الحادي عشر من سبتمبر، حيث تشكلت وبحدة ملامح المشكلة والتورط السعودي في هذا العمل الإرهابي،فتهيأت الأرض الخصبة لنمو لغة الوقيعة بين السياسي والديني، وكان استمرار النمو مطرد باطراد المحافظة على حيوية المشكلة. فالليبراليون حاولوا أن يبقوا على الأزمة السبتمبرية وتصعيدها وحماية سخونتها حتى يحققوا أكبر قدر من إحراج الثقافة السعودية وتوجيه التهم الجزافية لطرف بعينه لإضعافه،ولكن هذا الإضعاف مشروط بتقوية مفتعلة لطرف آخر ليس بحاجة إلى هذا التلاعب الرخيص لحماية شرعيته التي حققتها واقعيته وتاريخيته وتكامليته مع أطرف مقلقة لمشروع التغيير الذي ما زال يفتعل خرافة أن التقدم مشروط بالحد من الحضور الديني في الوعي السعودي المتطلع للحداثة.

هذه التجاذبات والتفاعلات التى أفرزتها المرحلة أكد على حيوية المحاولة في الوقيعة، لكنها أخذت منحى أكثر دبلوماسية ومكراً. وكان أن أدرك الليبراليون أن الصحافة والإعلام كذراع حديدي لمشروعهم لابد أن يلعب دوراً في إرساء معادلة إعلامية تساهم في توتير وابتزاز أطراف المثلث السعودي. واستغلوا الحرية الإعلامية وتقنيات الاتصال في سبيل التفتيش عن الأخطاء السعودية،وأعني هنا أخطاء الجهات الحكومية المصنفة لبرالياً بأنها دينية كالقضاء والتعليم وهيئات الأمر باالمعروف والنهي عن المنكر وتمتد للجمعيات الخيرية، بل ربما اختلقوا زيادات في موضوع الخطأ لإضفاء الكمال على المشكلة وأنها جديرة بالملاحقة والتشهير والعقوبة، فأدى الصحافي الليبرالي مهمة بطولية في تدشين مرحلة جديدة في إحراج بلده وخصومه، تحديداً عن طريق تصعيد المشكلة السعودية إلى الإعلام الغربي بتصعيدها في الإعلام السعودي أولاً وفتح نوافذ فاغرة في الصحافة والقنوات الأجنبية الجائعة لكل ما من شأنه أن يحقق مكاسب إعلامية ومعنوية، فكان أن كسب الإعلام الأجنبي والليبرالي السعودي وخسرت السعودية. ولفهم إستراتجية الإعلامي السعودي اللبرالي الربحية فلا يعوزنا كبير جهد في رصد معالجته الابتزازية للظواهر السلبية السعودية (مجازاً) فيستهلها بالبحث مع سبق الإصرار والترصد لأي خطأ،ثم يحدد الجهة التي صُدِر عنها، فإن كانت محسوبة على الدينيين التقطها بعناية وتكلف عدائي دقيق ونشرها في الإعلام السعودي كأي مشكلة جديرة بالنقاش والنقد. ويتم التعاون بين الفريق اللبيرالي الإعلامي لتكثيف نقدها وتضخيمها وفتح نوافذ إعلامية باتجاه الغرب ليستقبلها ويحتضنها، وربما تم تعاون في الظلام لتبليغها بتفاصيلها المشوهة لذلك الإعلام. ونلاحظ حتى الآن أن الخطأ أو السلبية التي تم تصعيدها هي خطأ حكومي بامتياز لأن الجهة المقصرة حكومية وإن كانت محسوبة على تيار خصم لليبرالي. فيتم التصعيد اليبرالي على أنه في الظاهر خطأ مسؤولين في الدولة، وفي الباطن الليبرالي يسوق على أنه خطأ التيار الديني، ومن ثم يتلقاه إعلام علماني غربي لا يفرق بين ديني وسياسي في توجيه التهمة،وإن عرض المشكلة متندراً على الحالة الدينية إلا أن هذا الإعلام سيحرض السياسي والحقوقي والإعلامي الغربي على التعليق عليها، وسيسفر التعليق عن شجب السياسي السعودي وانتقاص قدرته القيادية، وعندها يبرز الإعلامي السعودي الليبرالي محامياً ليدافع عن المملكة ممثلة بالسياسي ويحيل التهمة مجدداً إلى الديني، وبهذا يحقق هذا الإعلامي ابتزازين ناجحين بدأهما بتبرئة السياسي واتهام الديني، وكان هدفه تحريض الغرب على السياسي وختمهما بتبرئة أخرى للسياسي واتهام آخر للديني ويكون حقق ضربتين عشوائيتين أصابت هدفهما ضد الديني وسجل في الآن ذاته جميلين على السياسي على أمل أن يردهما له بتحقيق مكاسب إيديولوجية أو شخصية لهذا الفريق الإعلامي الليبرالي الذي مارس ابتزازه بمهارة ونفاق حاذق استهلوه باتهام بريء ضد المملكة واختموه بتبرئة اتهامية. على الرغم أن هذا الفريق الليبرالي ينقد أخطاء المصالح الحكومية الأخرى دون أي تصعيد مهما بلغت فداحة الخطأ كأخطاء الأطباء ورجال الأمن والوزارات الأخرى،لأن معادلة الابتزاز ستكون مختلة،فلن تمكنه هذه المعادلة من تبرئة السياسي واتهام الديني، فأبقى عليها ضمن التداول النقدي السعودي المحلي، وما فلت منها للإعلام الغربي كان من دون رغبة منه لأن الإعلامي اللبرالي السعودي سيقع في حرج دون أي مكاسب ذات بال.

إن كل ما ذكرته هو جزء من مسلمة الوقيعة بين السياسي والديني، ولعل ما أسلفته جزء من نشاطتهم في خلق القلق بينهما لإضعاف الأخير، ولهم نشاطات أخرى لا يعلمها إلا الله والراسخون في السياسة والدين.

hm32@hotmail.com الرياض

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة