Culture Magazine Thursday  17/03/2011 G Issue 335
الثالثة
الخميس 12 ,ربيع الآخر 1432   العدد  335
 
إمضاء
الساخر
إبراهيم بن عبد الرحمن التركي

لم يكن قِسمُه الذي ابتعثه الأقدمَ بين الأقسام لكنه بقي الأهمَّ رغم مرور الزمن؛ ولا يزال - بكفاءاته التدريسية لا بمخرجاته الطلابية - رقمًا يصعبُ تحقيقُه بين نظرائه، وليت القسم - وهو ينتجُ فيلمًا عن مسيرته - يعزو فضل التأسيس لمن بنى وابتنى؛ فاختيار المبرزين وتهيئتُهم وابتعاثُهم وتوفيرُ الجو المنتج لهم عواملُ حاسمةٌ في ريادته المشهودة.

كان أستاذُنا من أوائل المبتعثين وطليعة العائدين؛ فتقدم باحثًا حتى صار مبحوثًا عبر شهاداتِ ودراساتِ زملائه وطلابه ومريديه، من عزوا له الفضلَ في سبق التميز في حقل النقد الأدبي، وتحديدًا ما ينصرفُ منه للرواية التاريخية؛ فقد درسها تأصيلاً للدكتوراه، ثم فرَّع عنها دراسته الشهيرة عن «محمد فريد أبو حديد» فكان بحثًا نادرًا في مجاله؛ قالت عنه ابنةُ المبحوث: «إن بلده مصر لم يحتفِ به كما فعل الدكتور». وواصل نتاجه حول فن القصة ومعجم المصادر الصحفية والرحلات العلمية والبيئات المكانية وحكايات «سالف الأوان» والبحث عن الواقع، مثلما اهتم بالشعر قائلاً وناقدًا، وبالمنهجية الأكاديمية أستاذًا وعميدًا، وبالتثقيف المعرفي العام منتدِيًا ومحاضرًا ومشاركًا في مجالس إدارات مؤسساتٍ وأندية وجمعيات.

أسس مجلة «كلية الآداب» عام 1970 م، وأعانه في إصدارها جيل لا يتكرر من السابقين الأولين الذين تزامل معهم في آداب القاهرة وجامعتي لندن والملك سعود؛ فكانت فتحًا في المجلات العلمية المُحَكَّمة، وكان له دوره في مسيرة جائزة الملك فيصل العالمية «التي نالها»، وجائزة البابطين، والأندية الأدبية، وجائزة الدولة التقديرية، ومجلة الدارة، وخطة الثقافة العربية الشاملة تحت إشراف الجامعة العربية.

مرحٌ حتى لا تكاد تراه جادًا، وصريحٌ فلا يتوارى أو يداري، ومكث في الشورى دورةً وحيدة، وربما كان سبب عدم التجديد له حدته في النقد وسخريته اللاذعة التي عُرف بها، وربما غيرُ ذلك؛ لتبقى تجربته الإبداعية والأكاديمية والإدارية ثريةً في امتداداتها وانحناءاتها.

درس الجامعة في القاهرة؛ فكان من أساتذته «طه حسين وسهير القلماوي وشكري عياد وحسين نصار»، ورغم تطلعه لدراسة الفلسفة أو الاجتماع، وطموحه السابق ذي التوجه العلمي الذي حُرم منه بدخوله «المعهد العلمي السعودي» بدلاً من «تحضير البعثات»، إلا أنه وجد نفسه داخل الدائرة البحثية الأدبية حتى صار أحد أساطينها.

كان له موقفٌ صارم - إبان عمادته لمركز الدراسات الجامعية للبنات - حين رفض تدريس طالبات الدراسات العليا عبر الشبكة المغلقة؛ عادًا ذلك خللاً يصل حدَّ النكسة، ويستعيد ذكرى «جَدته» التي فرضت قيمتَها وسط عالَم الرجال والنساء على حد سواء؛ فلم تكن بيئة الجزيرة العربية في كل أمدائها تعرف الفصل الحاد بين «الذكر والأنثى».

تمتزج في بنيته الثقافية أجواءُ مكة المكرمة وإرثُ المدينة المنورة وحياةُ الرياض وعلاقاته الممتدة في أنحاء العالم العربي؛ فبدا لعارفيه شخصيةً شموليةً لا تحدها منطقةٌ وإن بدا اعتزازُه بمدارج الولادة والتنشئة والتكوين.

ينعي، وننعي معه، ذاكرةَ الوسط الثقافي والأكاديمي المحدودة؛ فحين يتقاعد الأستاذ أو يغيب عن المشهد يصبح ورقةً منسية؛ فقد أقفل عالِمُ النحو الكبير «حسن شاذلي فرهود» باب بيته حتى انتقل إلى رحمة الله، وتوارى «أحمد البدلي وعزت خطاب ومحمد الشامخ ومنصور الخريجي» ومَنْ جايلهم في بداية حركة الابتعاث الأكاديمي لآداب جامعة الملك سعود، ويبرز سؤال: هل ثَمَّ متابعون لأحوالهم أو حتى عابرون للسلام عليهم عدا قلة من الأوفياء وبقية من الوفاء؟

الأستاذ الدكتور منصور بن إبراهيم الحازمي (مكة المكرمة 1935م) ذو نكهةٍ خاصة في حضوره المنبري والكتابي والإداري، وله تلاميذه ومريدوه الذين كرَّموه في أكثر من محفلٍ وعبر أكثر من وسيلة، والأمل - وقد بدأنا نشهد اختفاءه التدريجيَّ من الساحة - ألا يكون هذا بدايةَ انزواء؛ فالمنابر تحتاج إليه مثلما تشتاق إليه.

الريادةُ سبق.

Ibrturkia@gmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة