Culture Magazine Thursday  17/11/2011 G Issue 352
أفق
الخميس 21 ,ذو الحجة 1432   العدد  352
 
مقاربة
حكيمة الحربي في نصوصها «تراتيل الغروب»:
شعر برسم السرد يستنطق الدهشة الأولى للحزن
عبدالحفيظ الشمري

رغم الإيماءة الواضحة إلى أن إصدار الكاتبة حكيمة الحربي الجديد»تراتيل الغروب» هو من قبيل القصص، إلا انه ظل يميل إلى النص المفتوح نظراً لتوارد الصور الشعرية في الرؤية العامة، إذ لم تركن الكاتبة إلى وضع رؤية حازمة تجزم فيها بأن ما قدمته إما من قبيل النص كما يبدو الآن، أو من نافلة القصة القصيرة كما جاء في التصنيف التوثيقي للعمل.

ولنا أن نشير إلى اكتناز النصوص بالصور الشعرية هو ما جعلها تدور في فلك النص المفتوح الذي يأخذ من الشعر والقصة والخاطرة ما يشاء، لتكون هذه الإضمامة رشيقة في تكوينها وسلسة في تناولها، وقد تنسي القارئ جدلية تصنيفها كجنس أدبي.

النصوص التي توالت في هذه المجموعة ذهبت إلى اقتفاء حساسية الخطاب الشعري إذ فكرت الكاتبة حليمة بهجس شعري وكتبت بأسلوب سردي وهذا ما ظهر جلياً في نصوصها في هذه المجموعة.

فالعنوان «تراتيل الغروب» الذي دوزنته الكاتبة جاء على هيئة تلويح شعري تستطلع من خلاله رؤية المشهد الشعري، فتكاد تجزم بأن القارئ بات على وفاق مع الشاعرية التي سعت الكاتبة حكيمة إلى استحضارها كمنجز دلالي لتجربتها الشعرية في أعمال سابقة.

فالنص الأول في هذا المجموعة «انتقاص» جاء إشارة أولى إلى أنها تروم كتابة النص الإبداعي المفتوح فلم تحفل في حضور عناصر القص، لذلك نجد أنها استحضرت صورة الوهن والتلاشي للشجرة ببعد الماحي لحالة الوجود حيث ترى من خلال هذه الصورة مثالا حقيقيا لصورة الحياة بشكل أعم.

فالنص هنا جاء متخلياً عن بعده الفني الذي يتطلب رؤية الحد الأدنى من عناصر القصة القصيرة لكي تتسق رؤية السرد لعالم الشجرة التي أخذتها من ملمح وجودي فقط، ودون أن يكون للنص أي حركة حول الشجرة من قبيل حركة عنصري الزمان والمكان وما يأتي بعدهما في الأهمية وهو الحدث إذ ما استثنينا اللغة التي صاغتها الكاتبة بشكل مناسب.

فالقصة فن يجدر فيها أن تكون مستوفية لعناصر كتابتها، وإلا فإن النص المفتوح أولى بمثل هذا النص الذي يقبل عليه القارئ بشكل لا بأس فيه، لذلك أثق بأن تكون هذه الإضمامة في «تراتيل الغروب» هي من قبيل النصوص ولعل الكاتبة تشاطرني هذه الرؤية.

إذن سنسعى إلى تلمس هذه الكتابة من خلال وجودها كنص أدبي له جماليته، وهذا ما عنيت فيه حكيمة الحربي وأثبتت بعده الإنساني والجمالي في النص الثاني «عاصفة» حينما أومأت إلى أن المرأة لا زالت تحبل بالأحلام وتلد الصور الزاهية إلا أنها لا تزال تواجه معضلة الرفض أو قسوة من حولها، لتراها وقد هجست بقدر من الشجن لمآل أحلام الأنثى نحو فضاء الندم على نحو ما جاء في لحظة التنوير في آخر النص.

تتوالى النصوص في هذه المجموعة بين التأرجح والصدمة والسقوط وهي عناوين مترادفة في المعنى الذي تشير إليه رؤية الكاتبة في مضمار التجربة التي تخوضها.

أمرآخر يستوقف القارئ لهذه المجموعة هو ذلك البعد العاطفي الذي استلهم الكثيرمن الصور الإنسانية حيث تحول هذا العصف الذهني إلى مزيج من الألم والحيرة وفقد اليقين ولاسيما وأن من يروي مثل هذه المواقف غالباً ما يكون طرفا فيها.

وتميل النصوص إلى لون من ألوان كتابة الرسائل حيث عمدت حكيمة الحربي وبما تمتلكه من أسلوب شعري إلى أن تجعل من هذه الرسائل والإخوانيات إطاراً يحدد الفكرة ويرسم المبتغى دون أي إطالة أو حشو ليعكس مفهوم الومضة في بناء معادلة الوقفة الشعرية في تفاصيل حكاية الأنثى التي هدها العناء والسفر لتدون «حكيمة» في كل بلد من البلاد ولادة النص إمعاناً منها في تثبيت حالة الخطاب الإنساني لامرأة معذبة من سهر الحياة والبحث عن الذات:

«لست أذكر متى آخر مرة

دخلت السعادة غرف قلبي؟»

فالكاتبة هنا تستخلص الرؤية العامة للحياة من خلال قلبها الذي تعده هو المقياس الحقيقي لنجاح أو فشل التجربة حينما باتت العلاقة بينها وبين من حولها في مهب رياح الحزن الذي برعت في نقله وتصويره بشكل حاذق في ثنايا هذا النص «حزن».

* * *

إشارة:

* تراتيل الغروب (نصوص)

* حكيمة الحربي

* دار المفردات - الرياض 2011م

* تقع المجموعة في نحو50صفحة من القطع المتوسط


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة