Culture Magazine Thursday  17/11/2011 G Issue 352
فضاءات
الخميس 21 ,ذو الحجة 1432   العدد  352
 
الوزارة ترد الصاع صاعين
لمياء باعشن

بعد مقالين كتبتهما حول موضوع تلاعب مجالس الأندية الأدبية بنص اللائحة الذي يشترط منح العضوية إما لمن له منتج أدبي أو من لديه شهادة بكالوريوس لغة عربية، فقد كان المتوقع من وزارة الثقافة أن تتدخل لمنع تلك التجاوزات، والإصرار على الالتزام بنص اللائحة واحترام بنودها. لكن رد فعل الوزارة جاء مخيباً للآمال، فبدلاً من تصفية القائمة المرسلة إليها من نادي جدة مثلاً، فقد قامت باعتمادها كما هي، كما فعلت مع الأندية الأخرى!!

كانت مقالاتي بمثابة بلاغات رسمية تشي بعدم قانونية انضمام أفراد تم استثنائهم بلا وجه حق وبمزاجية تامة وتستحث الوزارة على أن تدافع عن اللائحة الرسمية وتمنع انتهاكاتها الصريحة، لكن الوزارة اختارت قبول القائمة على علاتها، حتى لو كانت تلك الأسماء التي فُرضت عليها وجاءت خالية الوفاض من الشرطين قد رشحت نفسها لمجالس إدارة النادي. هذه العبثية لم تثر اهتمام الوزارة، بل إنها أكملت فصول العبث وصمتت، واختارت أن تراقب وصولهم إلى مقاعد الإدارة آمنين مطمئنين، وتبارك لهم بسلامة الوصول.

إن هذا الموقف السلبي العجيب لا بد وأن يثير التساؤل ويحض على التأمل: ما الذي يدفع الوزارة إلى الإشراف على عمليات انتخابات الأندية الأدبية بشكل حيادي تام؟ لماذا تنأى جانباً وتحجم عن تصحيح الأوضاع المعوجة؟ وهل يا ترى نستطيع استنتاج إستراتيجيتها المستقبلية في التعامل مع الأندية من وقوفها الحالي موقف المتفرج؟

سيتعجب من يبحث في قوقل من عدد التصريحات المتكررة للوزارة التي تؤكد نيتها بعدم التدخل في العملية الانتخابية، أي أنها لن تفرض ولن ترفض من يتم ترشيحه وانتخابه، لذلك يؤكد معالي الوزير لوكالة الأنباء السعودية أن الوزارة « لا تتدخل في الأسماء التي سوف ترشح نفسها بغرض انتخابات مجالس إدارات الأندية الأدبية»، ويصرح سعادة الوكيل أن «أعضاء مجلس الإدارة هم الأعلم بشؤونهم وبمرشحيهم».

لكن الأمر لا يتوقف عند حدود الانتخابات، بل يفاجئنا البحث أن الوزارة لن تتدخل في جميع شئون إدارة الأندية الأدبية، وتأتي التصريحات على شاكلة: «ونفى الحجيلان تدخل الوكالة في عمل الأندية الأدبية، مؤكدا أن قراراتها تصدر من مجالس إدارتها». ويبدو أن دور الوزارة لن يتعدى تقديم الاقتراحات التي « من حق مجلس الإدارة قبولها أو رفضها»، فالوكالة «ليس لديها سلطة»، والأندية» جهات مستقلة وذات كيان خاص، ودورنا هو دعمها معنويًا وماليًا»، و»نحن لا نتدخل في عمل الأندية الأدبية فلا نفسح ولا نمنع شيئاً، وإنما نبارك المنجزات ونشجعها»، والأندية الأدبية «مستقلة 100 % ولا نتدخل في عملها»، و»مهمتنا هي الدعم المالي والإعانات المعنوية ولا نشرف عليها». كما أن الوزارة كانت قد صرحت بأنها ستسلم الدعم الملكي السخي الذي أمر به خادم الحرمين الشريفين حفظه الله إلى الأندية الأدبية مع التأكيد على «أن الوزارة لن تتدخل في كيفية تصرف النادي بهذا المبلغ، فالنادي مخول بالتصرف بالمبلغ حسب أنشطته وفعالياته وخططه».

إذاً، الضوء أخضر ومفتوح ودون مطبات..!! والقادم أدهى وأمر:

فإن قرر المجلس وضع لائحة مالية داخلية للنادي تزيد المخصصات ولا تلقي بالاً للمبالغ المنصوص عليها في اللائحة، فالوزارة لن تتدخل.

وإن صرفت الأموال العامة على مشاريع سخيفة من مثل تغيير شعار النادي وأوراقه الرسمية وتزويد الأعضاء بأجهزة أي باد وتوزيع مكافآت سخية على الأعضاء بلا جهد مقابل وتغيير سيارات النادي بالأفخم، فالوزارة لن تتدخل.

وإن كان بعض الأعضاء الجدد قد سجلوا قبولهم بالمناصب ثم توجهوا للدراسة في الخارج، وتم عقد الجلسات معهم على السكايب بالإنترنت، ثم أرسلت لهم مكافأة حضور المجلس عن بعد، فالوزارة لن تتدخل.

وإن تحولت الأندية إلى منابر دينية وورشات تدريبية، فالوزارة لن تتدخل.

وإن أصبح معيار الطباعة والنشر الوحيد في الأندية هو الأخلاقي الهادف، فالوزارة لن تتدخل.

وإن عادت اللجان النسائية لتطفو على السطح مرة أخرى فالوزارة لن تتدخل.

هذه كلها تجاوزات محققة الوقوع وليست احتمالات منتظرة!!!

لماذا قررت الوزارة أن تضرب صفحاً عن اعوجاج خط سير الأندية الأدبية ابتداءً من الترشيحات الباطلة للانتخابات وانتهاءً بعدم المحاسبة والمراجعة؟ لماذا تنصلت من مسئوليتها يا ترى؟ هل نستطيع أن نستشف أن هذه هي خطتها لرد الصاع صاعين لكل المثقفين المتنصلين من مسئولياتهم؟

في الحقيقة، أنا لا أدري لماذا نطالب الوزارة أن تهتم بعد أن أدرنا ظهورنا للأندية وتركناها لقمة سائغة لكل من جاء يسعى. منذ هدد الغذامي بمقاطعة الأندية الأدبية في ظل «التعيين المشين» والمثقفون لا هم لهم إلا الإصرار على الانتخابات والزن على آذان الوزارة مع مطلع كل شمس، مطالبين باللائحة، فساندتهم الوزارة وتركت لهم حرية وضع بنودها وصياغة قوانينها، ثم تركت أمرها برمته بين أيديهم ليراجعونها ويغيرونها كيفما راق لهم، ثم عادت احتجاجاتهم تعلو فشكلت منهم لجاناً للتعديل والتصويب، ثم اعتمدتها لهم حين انتهوا منها. وما أن اعتمدت رسمياً حتى ضج الغذامي بمديح الوزارة على خطوة ديموقراطية فذة، ثم عاد للمقاطعة دون تبرير، فامتنع عن التسجيل في الجمعية العمومية وتقاعس عن الانتخابات وسقطت الأندية من دوائر اهتماماته، وفعل فعله باقي المثقفين تكاسلاً وتأففاً وترفعاً واستكباراً في الأرض.

كل مقولات عدم التدخل من قبل الوزارة مستمدة من روح اللائحة، فالمثقفون هم من أرادوا الاستقلالية التامة وأصروا على الشخصية الاعتبارية للأندية الأدبية، والآن تقف الوزارة عن بعد رافعة يديها، وكأني بها تقول: قبركم حفرتموه فاستلقوا فيه، وكما نقول بالعامية: « فتّكم كلوه بيدكم». الوزارة لن تتدخل، طبقاً لنصوص اللائحة، فلا لوم عليها ولا عتب.

كل الاتهامات التي تحاول النيل من موقف الوزارة الحيادي يفسدها بامتياز موقف المثقفين العازفين عن الأندية، أولئك الذين يرقبون من بعيد ويرصدون الأخطاء ويترقبون الفرص للتشفي من فشل المشروع الثقافي الحتمي، فقط لينتصروا لأنفسهم ويدعوا أنهم، وهم فقط، عناصر النجاح والإنجاح. ما يُترك عيناً لا يمكن أن يُطلب ديناً، والمثقفون قد تخلوا عن الأندية الأدبية وخرجوا من المعركة خوفاً من الخسارة، ولم يعوا أن خروجهم هو خروج المهزومين في كل الأحوال.

lamiabaeshen@gmail.com * جدة

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة