Culture Magazine Thursday  17/11/2011 G Issue 352
فضاءات
الخميس 21 ,ذو الحجة 1432   العدد  352
 
رؤية
على مذهب من ينتظر!
د.فالح العجمي

أهلكنا القدامى بكثرة التصنيفات؛ سواء في العلم أو الدين أو الجاه أو الأنساب. لكن ما يهمنا في هذا المنحى هو الصنف الذي أسماه بعض دارسي العربية: «لغة من ينتظر»، وأطلق عليه بعضهم مصطلح «مذهب»، لولعهم بتصنيف الناس إلى أصحاب مذاهب. ومدخل هذه المقالة يتفق مع أصحاب تلك الدراسات في المصطلح فحسب.

أما «من ينتظر» في سياقنا الذي نتحدث عنه اليوم، فهو ذلك الشخص أو تلك الجماعة التي تبقى واقفة مكانها، وتنتظر قدرها. فالمشكلات الجمّة والمتعدّدة الاتجاهات تُفقد المرء أو المجتمع القدرة على الحركة، إذا كان ينظر إليها وقد حلّت به. لذلك تفادت المجتمعات التي تحسب الأمور قبل وقوعها، وتشتغل بطريقة جدية على التنبؤ، وأخذ المبادرات، قبل أن تكون المبادرة مفروضة بإيقاع الأزمة أو الكارثة. وتستوي تلك المبادرات في فاعليتها، بغض النظر عن نوع المشكلات التي تتنبأ بها تلك الأجهزة الوقائية (اقتصادية كانت أو سياسية أو اجتماعية أو ثقافية).

ومن هنا يلزم المجتمع الذي لا يرغب في أن يكون مصيره في يد غيره، أو ألا يكون عرضة لدوامة مشكلات لا مخرج منها إلا إلى مثيل لها، أن يتبنى آليات تفرض وضع من يتسم منهم ببعد النظر والقدرة على الرؤية الشاملة في مواقع قرار التخطيط الفعلي (لا النظري أو الاستشارات التي لا تقدم ولا تؤخر)، أو أن تنشئ مراكز ذات فاعلية تقوم بهذا الدور، سواء تعلق الأمر بشؤون الداخل أو الخارج. سيقول البعض بأن جزءاً من هذا الدور تقوم به أجهزة الاستخبارات، خاصة ما يتعلق بالعالم الخارجي؛ لكن ذلك لا ينطبق سوى على الجانب الأمني، ومعروف أن عمل مثل هذه الأجهزة روتيني، وتنقصه الجرأة والصراحة والانفتاح على كل المذاهب الفكرية، وكذلك تعوزه الدراية بكثير من المجالات الآنفة الذكر، لأن أساس الاستقطاب في تلك الأجهزة الحساسة يقوم على ائتمانها في الجانب الأمني بدرجة كبيرة.

ما الدور الذي يُفترض أن تقوم به تلك الكفاءات أو المراكز الفكرية؟

أولاً: سيكون لها الدور التخطيطي - وربما التنفيذي - الجوهري في تفادي اللا مبالاة التي تتصف بها بعض الجهات العامة والخاصة، وبعض القائمين عليها. فلم يعد مقبولاً في هذا العصر أن يكتفى بتعليقات مثل: هذا قضاء الله وقدره! أو: سنشكل اللجان اللازمة للتحقيق في الموضوع! فالتحقيق والتحقق من سلامة منشأة أو صحة مسار تنموي يفترض أن يكون قبل وقوع الكارثة وتراكم الخسائر البشرية والمادية.

ثانياً: هناك بعض المؤسسات شبه العامة، مثل هيئة سوق المال (أو الأوراق المالية) المشرفة على سوق الأسهم، والخطوط السعودية اللتين تتعثران من مرحلة إلى أخرى، وكأنه لا توجد قواعد عامة متبعة في المؤسسات المماثلة لهما في العالم. ومثل هذه الجهات التوجيهية إذا كانت محل ثقة من أصحاب القرار ستسهم في تبيين البدائل السليمة؛ فالمجتمعات البشرية ليست بحاجة في كل مرة إلى إعادة اختراع العجلة (فما تصنعه هاتان المؤسستان من تجارب بدائية، والاتجاه في ناحية ثم عكس الاتجاه، لتعود إلى نقطة البدء نفسها لا يمكن أن ينم عن استشعار للمسؤولية وسلامة السلوك).

أعرف أن مثل هذه الأفكار بحاجة إلى قرار جريء من صاحب قرار يجزم ألا يقف في المنطقة الرمادية، ويواجه كل القوى التي تريد الاستفادة من وجود الأراضي الرخوة. لكن المرحلة الحالية لا تحتمل التغاضي عن الجرأة في هذا المجال. وكما فعل رجال من قبل؛ جنبوا بأفعالهم بلدانهم مخاضات عسيرة، تتطلب هذه المرحلة وجود مثل هذه الأفعال، وبوادرها - فيما أظن - ليست غائبة.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة