Culture Magazine Thursday  19/05/2011 G Issue 342
قراءات
الخميس 16 ,جمادى الثانية 1432   العدد  342
 
فوزية أبو خالد:
صوت من فرط عمقه تظنه سليل الماء والهواء!
محمد الحرز
-

لا أريد لشهادتي هنا أن تقترب من التفاصيل ,ولا أن تتحدث عن شاعرة ومبدعة ومثقفة طليعية بشيء من الموضوعية الباردة، الكلمات بعض الأحيان تتيبس من برودة الجو. أريدها انخطافا وتأملا يصعب معها ترتيب الحواس وفق منطق الأشياء لأن الكتابة بحميمية خلاف ذلك. هذا هو الموقف الذي أراه في هذه اللحظات، لذلك أقول: لا بد أن يقال أنها تكتب الشعر بفرادة المرأة التي تعيش حياتها كما أرادت أن تكون حياتها ذاتها. فوزية أبو خالد لا تذهب إلى الشعر كمن يذهب إلى حفلة صاخبة، بل كمن يذهب إلى غابة على حافة الوادي. تتسلل إلى أشجارها بفتنة التعرف على ظل الأشياء الجميلة، بفتنة الصمت حين يأخذك إلى الجذور كي تستجلي ذاتك في مراياها بهدوء المفتون. التسلل والفتنة هما موقف الحياة إزاء الشعر، وطريقة حضور لا تخلو من ألم الكتابة، هكذا هي صوتها حين تتأمله من العمق، ولفرط عمقه تظنه سليل الماء والهواء. طريقة نادرة مَنْ يذهب بهذه الكيفية إلى الشعر. لم يتعود عليها شعراؤنا منذ فترة السبعينات، ناهيك عن الشاعرات. كانت الحداثة الشعرية في تلك الفترة تخطو خطواتها البطيئة والخجولة، لم تضع بصمتها على المشهد الثقافي، إلا ما يسمح لبعض الأصوات الإبداعية أن تهمس همسا. فوزية أبو خالد لم تكتفِ بالهمس ،فالحداثة لم ترتبط فقط بالشعر، ولا بقضاياه من الداخل، بل هو جزء من منظومة التحديث الذي ينبغي اقتياده إلى فضاءات أوسع وأرحب تكون وثيقة الصلة بالتنوير والمعرفة والإيمان بالعلم والإنسان. فوزية أبو خالد راهنت على مثل هذا الفضاء منذ أن خاضت غمار حياتها العلمية والثقافية. رفعت قنديلا وأيقظت الإنسان في داخلها، لكزته باليقظة، فتدفق الدم في شرايينه، ومعه تدفقت الكلمات في عروق الشعر. رفعته عاليا كي تنظر أبعد مما ينظر أصحاب القامات السامقة. وأقل مما يدعي الزائفون بالفرادة والحقيقة. فكان لها وعي ثقافي هو الوجه الآخر لوعيها الشعري، بلا تمايز أو انفصال. هذا التوتر بين عالمين متفارقين هو الزيت الذي يغذي القنديل. هو شرطها الإنساني الذي تعيش به، وتنظر من خلاله إلى الحياة. هو شرارة المبدع حين تعوزه اللمسة الدافئة تسري في برودة الأشياء، هو السؤال الذي لا يستقر إلا على فوهة بركان من الإجابات، ومن يتأمل مسيرتها الثقافية والعلمية يجد الأثر كأنه خيط دقيق يشد التوتر إلى نفسه كلما خبا الضوء أو كاد. خوضها عالم الطفل هي طريقة أخرى لقول الشعر. خطابها عن المرأة هإيمانها بالإنسان الذي أضاءته بالشعر، وبأشياء أخرى هي وثيقة الصلة بموقعها الريادي والطليعي في المشهد الثقافي في المملكة. قضايا المجتمع والتربية الاجتماعية التي شغلت حيزا من تفكيرها هي التجسيد الحقيقي لروح المسؤولية التي كدنا أن نفقدها ليس عند المبدع فقط ، بل حتى عند المثقف العضوي. أليست هي المرأة النموذج التي تكسر طوق التصورات النمطية التي سادت عن المرأة السعودية.!؟ أليس على الأجيال اللاحقة أن تفرك الصدأ عن أبصارها لترى بعين البصيرة كيف هم نساء الوطن يقودون نهر التنوير إلى مصبه الأخير.!؟ المرأة النموذج هي فوزية أبو خالد، إنها المرأة الأيقونة التي نريد أن تضيء حتى أحلامنا التي يتعسر عليها أن تولد. أيقونة لمن يرغب أن يدفع بمراكبه جهة الموج دون خوف أو وجل. أو لمن أراد أن يعود إلى الشاطئ متخففا من ثقل ذاكرة الموج. المرأة النموذج كانت دائما تقترب من الماء باعتباره الهاجس الأكبر الذي يغذي المخيلة عندها كما لو أنها تبحث عن شيء غامض هي بالذات تجهل ما هو؟ كأنها تحرث في الأشياء التي تلامسها دون أن تخدش ذاكرتها من فرط تعلقها بالماء. الماء الذي يختفي في كلماتها كما تختفي مدينة بكاملها عن الأنظار.

-

+ - الأحساء

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة