Culture Magazine Thursday  20/10/2011 G Issue 351
فضاءات
الخميس 22 ,ذو القعدة 1432   العدد  351
 
مداخلات لغوية
رحمك الله يا تمام
أبو أوس إبراهيم الشمسان

رحم الله أستاذنا أستاذ العربية العلامة تمام حسان، علم أجيالا من الباحثين المبدعين وتعلم على كتبه خلق لا حصر لهم، ومنذ أن عاد من أوربا ليعلم في دار العلوم شارك في نشر مبادئ المذهب الوصفي في درس اللغة فكتب (مناهج البحث في اللّغة)، وكتابه (اللغة بين المعيارية والوصفية) الذي بين فيه أنّ المعيار هو ما يهتدي به مستعمل اللغة وأما الوصف فوسيلة الباحث إلى الكشف عن ذلك المعيار وتفسيره، ولم يكتف كغيره بنقد النحو العربي ونظرية العامل بل حاول في كتابه (العربية معناها ومبناها) أن يدرس اللغة العربية حسب مستويات الدرس اللغوي فدرس أصواتها وصرفها ونحوها ومعجمعها، ومن أبرز ما عالج في الكتاب أنه طرح فيه بديلا عن (نظرية العامل) التي هي عماد تفسير ظاهرة التصرف الإعرابي في العربية، فاعتمد حسب منهج وصفي على (القرائن اللغوية) اللفظية والمعنوية، وهي منتزعة من الوصف اللغوي للغة من غير تعسف أو تأويل، ولم تكن نظرية القرائن هذه بعيدة عن روح النحو العربي بل صادرة من رحمه مستثمرة لكثير من معطياته وموظفة لجملة من مصطلحاته، فكانت بذلك قريبة من فهم القارئ، فتلقاها الدارسون قبولا حسنًا، ولكنها كغيرها من الجهود والمحاولات البحثية القديمة والحديثة لم تأخذ مكانها من التعليم العام لسيطرة النحو المالكي الذي حجب ما قبله وما بعده. وكان لتعمق أستاذنا في الدرس التراثي أن وهب المكتبة العربية كتابه (الأصول: دراسة أيبستيمولوجيّة لأصول الفكر اللّغويّ العربيّ) درس فيه أصول النحو دراسة عميقة نادرة المثال، وكتب عن البيان القرآني سفرًا كبيرًا أودعه كثيرًا من تأملاته وآرائه هو (البيان في روائع القرآن) فكان الدرس الوصفي منطلقًا من نصّ لغويّ حيّ غنيّ بتراكيبه وأساليبه.

ولاطلاع تمام على اللغات الأجنبية شارك في الترجمة عنها في علوم اللغوية والفكر؛ إذ ترجم (مسالك الثّقافة الإغريقيّة إلى العرب)، و(أثر العلم في المجتمع)، و(اللّغة في المجتمع), و(الفكر العربيّ ومكانه في التّاريخ)، و(النّص والخطاب والإجراء).

تشرفت بمشاركته مناقشة طالبه النابه (محمد بن حماد بن ساعد القرشي) الأستاذ في جامعة القرى الآن، وأذكر أنّي وجهت إلى الطالب ملاحظة فرد أستاذنا بما كان درسًا لي لا أنساه حين قال «اللغة أعم من قواعدها»، كلمة جامعة ما أزال أرددها على طلابي.

ومن طلاب الدكتور الذين تشرفت بمعرفتهم الأستاذ الصديق الدكتور محمد حماسة عبداللطيف صاحب المصنفات النحوية التي جمعت بين عمق المعرفة التراثية وثمرة الاتصال بالعلوم اللغوية الحديثة، والأستاذ الصديق الدكتور سعد مصلوح اللغوي والأسلوبي المتميز، وعرفت الدكتور محمد عبيد الذي زاملنا فترة في قسم اللغة العربية فعرفت فيه عمق معرفته التراثية ومدى عشقه للعربية.

نال الدكتور تمام جوائز متعددة ولكن أهمها جائزة الملك فيصل العالمية في عام 2005م. تركنا الدكتور تمام حسّان بجسده ولكنه سيظل هو وأمثاله أحياء أبد الدهر؛ لأنهم نقشوا أسماءهم في القلوب وبما وهبوا للأمة من العمل المكتوب.

* الرياض

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة