Culture Magazine Thursday  23/06/2011 G Issue 347
أوراق
الخميس 21 ,رجب 1432   العدد  347
 
معجم موازين اللغة
انحدار اللغة بين أهلها.. ونقدُ السَّبب
د. صالح اللحيدان
-

أقدر: أمكن على صيغة أفعل، وأقدر من المُشترك اللفظي على اختلاف في المعنى ويُحددُ ذلك في غالب الذكر القرينتان «الحسية.. والمعنوية».

وترى أنت أنَّ: الهمزةَ.. والقافَ.. والدَّال والراء تُشكلُ من حيث الذوق اللغوي حِساً قوياً يُنبي عن صفة قوية ماثلة أمامك،

وأقدر/ ذات اشتقاقات كثيرة فتقول:

قادر/ يقدر/ قدير/ قادرون.

وتأتي هذه الكلمة على الحقيقة كما تأتي على صيغة المبالغة..

فيُقال على الحقيقة: الأسد أقدر من الذئب.

ويُقال على صيغة المبالغة: هذا العالم أقدر من ذاك.

وقد يشتركان وليس ثمة نكير، وهي كلمةٌ تخضع للعوامل قبلها فيُقالُ:

أ- إنَّ محمداً أقدرُ على المسؤولية.

ب- كان الولدُ أقدرَ من أخيه.

وهكذا تكون،

وأقدر كلمةٌ حسب ميزانها المعجمي ذات تحديدٍ كبيرٍ نحو المراد منها، سواء على حقيقتها أو المبالغة فيها، وترد الكلمات مثلها أكثر من إيرادها في الحكمة/ والأمثال/ والشِّعر،

وقد يرد غيرها وتُرادُ هي على سبيل لا يصرف إلا إليها لاسيما إذا لم يعِ المتكلم مراد الألفاظ.

فمثلاً: ناصر أحسن من كريم في تحمل المسؤولية، ويريد القائل: «أقدر» بدليل كلمة (تحمل) وهذا دليل حسي واضح بقصدها ويرد هذا إما للجهل بدلالة المفردات على المعاني، أو العجلة في الكلام أو لظن المساواة بينهما بين: أقدر وأحسن في المثال الآنف الذكر، وهذه الحقيقة تتضح جلياً من خلال الشعر الجاهلي والإسلامي ويتبين منها كيف دخلَ التوليدُ الفجُ على اللغة؟

وكيف طغتْ لهجة المولدين خلال القرون: 2- 3- 4- 5- 6- 7 خاصة مع نهاية القرن (الثاني - 2).

فقد انتشرت مِثلُ ألفاظ كثيرة زاحمت مفردات اللغة الحقة في مشاهد كثيرة خاصة بعد توسع مكتبة (دار الحكمة) في زمن (المأمون) -عفا الله عنه- وقد بيَّن الإمام ابن عساكر في كتابه (مختصر تاريخ دمشق) وكذا الإمام الحجة ابن قتيبة في (عيون الأخبار) ومثلهما الإمام الذهبي في (سير أعلام النبلاء)، ذلك أن من تأمل طرح هؤلاء وعرضهم للتاريخ السياسي والأدبي والاجتماعي الشرعي والاقتصادي يلحظ جيداً عن طريق: الرواية، والأمثال، والتجربة، والأخبار، والقصص، والعرض، يلحظ كيف أن اللغة تضاءلت مشاهدها القوية ومفرداتها العالية بعد تداخل مفردات مولدة حتى لقد نُظم الشعر بعبارات ركيكة سيئة ونُسب هذا الشعر إلى حسان ابن ثابت -رضي الله تعالى عنه- لكي ينتشر ويدوم.

وكذا طغت الآثار الباطلة على الصحيح منها وذاعت وحملها العوَّام يزفونها من بلد إلى آخر مع أنها ذات ركاكة وسوء مفردة وقبح معنى مثل ما جاء مما لم يثبت بحال:

1- (أطلبوا العلم ولو في الصين).

2- (الأرض على قرن ثور).

3- (سلمان منا آل البيت).

4- (لا سبق إلا في خف أو حافر أو جناح).

5- (حُبب إليَّ من ديناكم ثلاث..).

وجملة القول هنا كما في جملته هناك أن اللسان الإسلامي العربي تأثر كثيراً وخرجت اللغة عن مسارها وانعطفت شمالاً صوب اللهجة الخفيفة الرديئة بألفاظ هشة هينة يدرك معها اللبيب العاقل الردى الذي أصاب اللغةَ خلال تلك القرون المتراصة.

وسوف تجد كلمة تُجعل مكان كلمة أخرى كأنها هي وتجد كلاماً مكان كلام آخر تنطقه ولا تكاد تسيغه، أنظر مثلاً:

(طلع البدر علينا من ثنيات الوداع

وجب الشكر علينا ما دعا لله داع)

أبداً ليس من شعر أول البعثة المباركة بل لعله نُظم في قرون متأخرة بدليل الركاكة والأنوثة في المفردات مع ضعف اللفظ في كل القصيدة.

ومثل هذا ما نسب إلى (عنترة العبسي):

لا تُسقني ماء الحياة بذلة

بل فاسقني بالعز ماء الحنظلي

فهل عنترة يقول مثل هذا..؟!

هل قال ذلك..؟

لا جرم الأبيات مُوَلَّدةٌ فجَّة خفيفة متضاءِلة.

لكن ومما زاد الطين بلة سعي الناس الكثير منهم إلى خفيف القول وخفيف الرواية وبسيط مشهد النقل، وخذ مثلها كتاب (الأغاني) كم ترى فيه من عيب لكن على سبيل لا سبيل الحصر:

1- 415 حديثاً مكذوباً.

2- 118 رواية باطلة.

3- 211 بيتاً مولداً.

4- روايات لمجاهيل.

طالعه شيئاً فشيئاً تفطن إلى لغة الكتاب وطريقة حكاياته وسبيل إيراد اللغة واستطراد الأخبار، ولعل خير مثال قائم كتاب: (الثابت والمتحول) لأدونيس، (فقه اللغة) للويس عوض طالعهما بتأن وقوة حضور لغوي مكين وتجرد جيد نزيه جدَّ نزيه ما أنت إلا كما وجد (حاطب الليل) أراد أرنباً فوقع على أفعى نافخة قليلة السم فعاش يرى الحياة من خلال سمها.

-

+ - الرياض

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة