Culture Magazine Thursday  23/06/2011 G Issue 347
أوراق
الخميس 21 ,رجب 1432   العدد  347
 
تحولات الخطاب النصي
قاسم حول
-

إشكالية العلاقة بين الإبداع والتلقي تبقى قائمة وليس من السهل حسمها ثقافياً. وما ورد في مقدمة كتاب «تحولات الخطاب النصي» لعبد الرزاق الربيعي عن صيحة الناقد الفرنسي «تزفتيان» في كتابه «الأدب في خطر» للفصل بين الأدب والقارئ هي صيحة ذات أهمية تشخيصية ينبغي الوقوف عندها حقاً. وعملية التلقي بمعناها الكامل هي عملية إبداعية لو أردنا تقييمها فنياً وجمالياً. هنا يأتي الفصل بين إنتاج الثقافة وبين القارئ الذي بنى المؤلف قراءته للنصوص الأدبية بمعزل عن إبداع التلقي.

تحولات الخطاب النصي للربيعي الذي رصد فيه الأدب العماني والأدباء العمانيين هي مدخل لفهم العلاقة بين الكاتب المبدع والمتلقي المبدع إذ تقف العملية النقدية بينهما جسراً غير منظور يشكل المعادل الموضوعي بين إبداع المنتج وإبداع المتلقي. فهذا الكتاب المدون بلغة أدبية محكمة البناء وسهلة الاستقبال وواضحة الفكرة يضع عملية النقد في مكانتها المحترمة. فعندما تناول على سبيل المثال منهج الشاعر عبد الله الخليلي فهو شخص الحداثة الشعرية في تجربة الشعر الكلاسيكية في عمان. وهو هنا لم يمسطر الشعر في شكله وانتمائه شكلاً للحداثة أو للكلاسيك ولكنه شخّص معنى الحداثة في شكل الشعر الكلاسيكي لدى الشيخ الخليلي. وبين النص الكلاسيكي في الشعر والنص الشعري السردي الذي كسر ألمألوف في المفردة المقفاة التي قد تسجن المعنى وتقوده قسراً نحو إيقاعها الموسيقي فإن المؤلف يقف موقف الباحث الذي يغوص في أعماق البحر الواقعي ليحصل على اللؤلؤة في البحر الشعري، وهذا ما كتبه عن علي المخمري وقماطه الذي سجنه طفلاً وبقي يتململ فيه حتى في نهضته الوجدانية شاعراً وكذا في مراودات صالح العامري الذي عبر عن مراوداته في تعبير رعشة اللغة.

الملاحظة أن تحولات الخطاب النصي إعتمد في نسبة كبيرة منه على النص الشعري. ولأنني هنا بصدد الكتاب ولست بصدد النص الشعري وأنا أقرأ نماذج من نصوص الشعراء وقدرة الكاتب على استجلاء ليس فقط المضامين بل أيضا الأشكال المصاغة بها تلك المضامين، أن موجة الشعر السردي إلذي يقترب من القصة والمقالة تذكرني بموجات الفن والأدب التي مرت في التاريخ وانتهت دون أن تؤسس على ما بني من قبل فأصبحت مثل خطوة في الهواء.. هي موجة أطلقت في لبنان وأستهوت موجة عارمة من جلاس المقاهي ليتحولوا إلى شعراء بالجملة. الذين نجا منها قلائل وحاولوا الاستفادة من تحررها بشكل واع. ويمثل شعراء الحداثة في عمان، أو في الأقل الذين قدمهم الكتاب نموذج الحداثة المتأسسة على ثقافة إرثية موصولة مادياً وعضوياً بالحاضر وبكل خوالجه والتباسه.

هذا الليل لي

ولن

يشاركني فيه أحد

غير

هذا النسر الجريح

الذي

يخفق بجوانحه بين رئتي

«من مؤلف هذا الليل لي للشاعر هلال الحجري»

أليس في هذا تأسيس ضمني غير منقول ولا متأثر به بمعلقة امرئ القيس «الا أيها الليل الطويل ألا أنجلي.. بصبح وما الإصباح منك بأمثل»

تأخذ النصوص المسرحية والقصصية حيزاً أقل في «تحولات الخطاب النصي» ومع صعوبات الخوض في إشكاليات النص الأدبي ودراسة الظروف التي تحيط بهذا الخطاب، ظروف الواقع الثقافي والتحولات الإجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تطور وتحرك الواقع سلباً أو إيجاباً وتحتاج إلى مؤلف تقييمي واسع إلا أن كتاب عبد الرزاق الربيعي فتح أمامنا نافذة رحبة شكلت فرصة نطل من خلالها على واقع الثقافة الأدبية في عمان.

من خلال هذا المؤلف «الصافي» والموضوعي نتمكن من النظر بيقظة إلى الأدب في عمان وبسبب التشظيات العربية، تشظيات المكان وتشظيات تأشيرات السفر وتشظيات لغة جوازات السفر العربية ونسرها الألماني على أغلفتها دليل القوة والتحليق عالياً ما أبعدنا هذا النسر عن التلاقح الثقافي العربي وفر علينا كتاب «تحولات الخطاب النصي» فرصة السفر إلى عمان واللقاء وإن عن بعد مع مجموعة مبدعة من مبدعي عمان عبر نصوصهم الشعرية والمسرحية والقصصية.

-

+ sununu@ziggo.nl - هولندا

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة