Culture Magazine Thursday  26/05/2011 G Issue 343
فضاءات
الخميس 23 ,جمادى الثانية 1432   العدد  343
 
عن لماذا؟
مبادرة
لمياء السويلم
-

في الحديث عن التغيير الاجتماعي تختلف المراهنة بين تغيير فكر الناس وبث قناعات جديدة وبين إقناع المسؤول لفرض قرار سياسي، وقيادة المرأة للسيارة من أكثر الأمثلة المحيرة، البعض يؤمن بقرار من الدولة والبعض يراهن بأنها لا تحتاج إلا لقناعة شعبية أو رأي عام، والبعض الآخر يعتقد بكلا السببين، والسابع عشر من يونيو/ حزيران القادم هو التاريخ المنتظر لأحد أهم التغييرات الاجتماعية المنشودة وهو المطالبة بحق المرأة في القيادة من خلال مبادرة (سأقود سيارتي بنفسي بدءاً من 17 يونيو) وعليه ثمة شعور بالخوف من أن لا تنجح المبادرة لدى الكثير من المتحمسين، وثمة شعور بالمغامرة والتفاؤل أيضا، والقلق من أن لا يبادر الكثير موجود، والحماسة بأن تشكل خطوة أولى على المستوى الشعبي موجودة كذلك، لكن الأكيد أن الحكم على نتائج المبادرة سيشهد اختلافا واضحا سيحتد بين التيارات المؤيدة والمعارضة وسيتفاوت بين المطالبين المؤيدين أنفسهم من الرضا أو الغضب على موافقة النتيجة لطموحهم من عدمها، وقد ينتج عنها إما إحباطا طويلا أو ينتعش الأمل بنجاح أول.

ماذا يمكن أن نقول عن النتائج قبل أن يجيء يوم السابع عشر لينتهي، ليست المسألة تنبؤاً أو توقعاً لما يمكن أن يحدث أو لا يحدث، المسألة منذ الآن عليها أن لا تتجاوز الفهم الأساسي لكل المطالب الاجتماعية عبر التاريخ، إنه التراكم والديناميكية العمليتين التي يجب أن تندرج مبادرة القيادة الشهر القادم تحتهما، على المطالبين أن يعرفوا أن المبادرة إنما كانت نتيجتها ستشكل آثارا ودفعا في التغيير الاجتماعي، ومن الآن يمكننا أن نعرف أن هذه المبادرة ستقترب أكثر من الرأي العام وتأخذه إلى الميدان والشارع مباشرة، إنها نتيجة متراكمة لمبادرة التسعينات من الألفية الماضية وحالة ديناميكية من أحوال المجتمع المتفاعلة منذ ذلك التاريخ إلى اليوم.

وللمقارنة أن تقوم بين المبادرتين، فمبادرة التسعينات كانت من قبل أكاديميات وأسماء ثقافية أولا، وثانيا كانت محاولة بكر لخلق بذرة للفكرة، لأن قيادة المرأة كموضوع كانت مغيبة تماما ومختفية من كل الأوساط العامة تقريبا، ومن ثم كان السعي على تشكيل قضية من هذا الموضوع، قضية اجتماعية معروفة يتسنى تناولها وطرحها على مختلف المستويات الثقافية والشعبية وغيرها، بينما مبادرة هذا العام من 2011 ليست إلا خطوة عملية في الانتصار لهذه القضية التي تشكلت مسبقا، إنها محاولة لتفعيل المطالبة بشكل عملي ومباشر، هذه المبادرة الآن تسعى لأن تدفع بالتغيير الاجتماعي إلى مواجهة حقيقية مع الفكر الممتد لهذه القضية وتدويره من مواقع إلكترونية ومقالات صحفية ومن الطرح الإعلامي بعمومه إلى مشاهد يومية يعايشها الناس، فالمجتمع اليوم صار يعرف أن لدية قضية شائكة وهو مطالبٌ بحسمها هي قضية حق إنساني لأكثر من نصف عدد السكان في المملكة، المجتمع اليوم صار يعرف عن قضيته ويعرف آثارها الاقتصادية والإعلامية والسياسية، لم تعد قيادة المرأة فكرة مغيبة عن الناس، لقد حضرت وتكثفت وتشكل رأي عام حولها، فقد أصبحت خلال العشرين عام قضية حق شخصي تشغل الجميع وتدفع الكل للحديث فيها.

ومما يمكن أن يضيف إلى مبادرة (سأقود سيارتي بنفسي بدءاً من 17 يونيو) أن المبادرات هن مجموعة مختلفة من النساء لا يمكن حصرها ضمن نخبة معينة يسهل تهييج الرأي العام ضدها، وما عانته الأكاديميات من شتائم التغريب والتخوين الوطني وقتها لم يعد ممكنا بعد الوعي الاجتماعي بهذه القضية المهمة، فلم يعد حرمان المرأة من القيادة مؤذيا ومؤلما لشخصيات محدودة تعيش وعيا سابقا لمجتمعها وتعاني من تغييب كامل لقضيتها، الحرمان أصبح حالة يمكن لأكثر شرائح المجتمع أن تتفاعل معه وتشعر بحجم أخطاره، لقد نجحت المبادرات التسعينيات في خلق القضية وساهم كل من كتب فيها وتناولها ضمن طروحاته إلى الوصول إلى اللحظة المهمة، وشجاعة الفتيات المبادرات اليوم ستجد الكثير من التأييد، والأهم أن الرفض والمنع هذه المرة سيكون أعزلا من كل وسائل التخوين والتخويف التي اعتمدها سابقا، اليوم لا يمكن لشيخ ما أن يرفع صوته بحرمة القيادة ولا يمكن لمسؤول أن يدعي بأن المجتمع ليس جاهزا بعد، ولا يمكن لرأي كسول أن يفترض بالرأي العام أغلبية رفض، لقد خرج الدرس عن الصف، لقد صار حاجة ملحة تعيشها المرأة التي لم تكمل تعليمها المتوسط تماما كما تعيشها مديرة الجامعة صاحبة الشهادة العليا، لم تعد القيادة مطلب المثقف والأكاديمي فقط، لقد صارت من الحاجات الضرورية للعائلة وللمرأة التي تحتاجها في أبسط وأدق شؤونها.

المبادرة المنتظرة للشهر القادم مهما كانت نتيجتها العددية كبيرة أو قليلة كماً، هي مبادرة كيفية ناجحة ستشكل أثرا عميقا في صورة الشارع السعودي، سيكون ضمن المخيلة الشعبية صورة نساء يقدن السيارات في طرق رئيسية لا على أطرا ف القرى فقط، هذه المبادرة ستدفع بعجلة التغيير الاجتماعي بقوة خاصة ومن نوع مختلف عن الطرح الفكري الذي يسحب إلى غير مساحته، المجتمع سيشهد اختلافا في المطالبة وقوى التغيير هذه المرة، إنها أيضا بذرة ما تتشكل.

-

+ Lamia.swm@gmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة