Culture Magazine Thursday  26/05/2011 G Issue 343
فضاءات
الخميس 23 ,جمادى الثانية 1432   العدد  343
 
تقريباً
الماسونية.. خلف الفن!
ضياء يوسف
-

على مرّ التاريخ تمتعت رعاية الفن بشعبية واسعة جداً بين الأغنياء والجماهير حتى يومنا هذا. ومن الطرافة القول إن التاريخ يحتفظ من بين الكثير من الأنشطة المبهمة بواجهة متلألئة واحدة هي الأكثر ثقافية وشعبية تتعلق بالفن ورعايته اختفي خلفها عدد لا بأس به من الدجالين وخونة الإنسانية.. بل القتلة أيضاً! فأي غطاء جمالي أخاذ هذا الذي يصنعه الفن للإنسان وللتاريخ! ويجوز ارتكابه كواجهة سحرية!

في القرن الثامن عشر عاش أمير يدعى ريموندو دي سانجرو كان فناناً مميزاً إنما طغت شهرته كفيلسوف وشاعر وكعالم فلك وكاتب وناشر وكعسكري شجاع وكمخترع وعالم وباحث خيميائي على شهرته كفنان.. ولم يتبق من سيرته ليلمع حتى اليوم في شواهد جمالية أخاذة إلا رعايته للفن.. وبالطبع منصبه ككبير لرؤساء الماسونية في إيطاليا.. كما تبقت حتى اليوم أساطير كثيرة حول سلسلة من جرائم القتل كان يرتكبها من أجل أعمال السحر أو ربما من أجل أبحاثه! لأعوام وأعوام اختفى كل هذا خلف مصلى مسيحي بناه باسم عائلته واستغرق العمل فيه ثلاثين عاماً لينتج روائع مذهلة هي من عيون النحت التي من الصعب التخمين كيف تم نحتها بهذه الدقة والجمال مستخدماً فيها أمهر الفنانين وأكثرهم عبقرية فنية في تلك الفترة معطياً فرصاً ثمينة لغير المشهورين منهم القادرين بموهبة استثنائية على تحويل المكان إلى تحفة فنية.. بالطبع إن رعايته لهذا المصلى لم تمنع انكشاف الوجه الآخر السري له ككبير لرؤساء الماسونية هناك.. حيث أدى انكشاف أنشطته المشبوهة إلى إقرار الكنيسة حرمانه وحرمان ذريته من النشاط الكنسي.

ريموندو ليس راعياً للفن فقط.. هو وأسوة برعاة كثر للفن نراهم إلى اليوم يمارسون توجيهاً عميقاً للفن برعايتهم له.. حيث إنه وبرغم تباين فنانيه المنفذين للأعمال الفنية وعظمتهم التقنية التي لا تجارى إلا أنهم أنتجوا أعمالاً تتشابه جداً في دقتها وإيحاءاتها وتنفيذها رغم كونها تتباين في موضوعاتها ولا يجمعها إلا أمر واحد.. أن الذي طلبها ووجه لتنفيذها هو شخص واحد!

إن الرمزيات التي تمررت إلى الأجيال التي بعده،وصولاً إلى اليوم،تنطوي في الصفة المذهلة لآثاره في كنيسة سانسيفيرو سانجرو،حيث يكمن جزء معقد من عالم الفن. فالأعمال تخدم ثلاثة أهداف في آن واحد،دينية وروحانية وماسونية،فتتباين بين القيمة المستهدفة والشكل وجودة التقنيات.. على سبيل المثال فإن تمثال المسيح المستلقي في وسط المصلى،يمثّل إبداعاً تقنياً منقطع النظير،إذ مجرد التحديق فيه يوحي بعد حين للمشاهد بحركة خفيفة مذهلة من أثر نعومة طيات القماش المحفورة في الرخام،التي تشف تحتها عن الملامح الواضحة لنموذج المسيح،لذلك فبينما يشع العمل بذلك الموضوع الديني الأخاذ،يقبع طوق الشوك عند القدم اليمنى للمسيح رمزاً للماسونية.. الطوق الذي لا يخفى على أحد عمق رمزيته الدينية إلا أنه نفذ بطريقة غريبة،حيث الطوق مكون من مجموعة من المخالب والأظافر التي تبدو وكأنها قرون، والمرتبة على شكل بوصلة.

الفن كان غطاء أنشطة ريموندو.. وكان الدين غطاء أنشطة والده انطونيو دي سانجرو وبين الدين والفن نما عالم ضخم من الأساطير.. السؤال الذي يتبادر اليوم وبإلحاح.. هل ثمة من يختفي خلف بعض الحركات الفنية اليوم.. وفي أقل الأحوال هل ثمة من يختفي خلف فنتازيا المزادات العالمية للفن فيرفع الأسماء كما يريد ولأجندات خاصة؟.. أسئلة لا تقل فنتازية عن قصة ريموندو .. ولا تقل فنتازية عن الوضع الراهن ذاته.. وليس لنا منه إلا التأمل.. والدهشة.

-

+ sedrahmag@gmail.com - الرياض

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة