Culture Magazine Thursday  27/01/2011 G Issue 331
فضاءات
الخميس 22 ,صفر 1432   العدد  331
 
الجنادرية تزف العريس.. ابن خميس!
عبدالله الحيدري

في شهر شوال من عام 1422هـ دعتني جريدة الجزيرة مشكورة إلى المشاركة بكتابة مقال عن الشيخ عبدالله بن خميس أطال الله في عمره بمناسبة تكريمه في المهرجان الوطني للتراث والثقافة (الجنادرية) بوصفه الشخصية الثقافية المكرّمة، فاستجبت لهذه الدعوة الكريمة، وبعثت بمقال عنوانه « الجنادرية تزف العريس.. ابن خميس!»، ونشر في الصفحة التاسعة من ملحق خاص أصدرته جريدة الجزيرة بتاريخ 10 ذي القعدة 1422هـ (24يناير2002م)، غير أنه وقع خطأ طباعي في اسمي، وظهر المقال بتوقيع « عبدالله الحميدي»، فلم يعرف أحد أنه لي، وبخاصة أنه جاء خالياً من الصورة. وكنت وقتها مشغولاً برسالة الدكتوراه، فلم أنبه زملائي في الجزيرة على وجود هذا الخطأ، وليتني فعلت!

أقول « ليتني»؛ لأن الكتاب الوثائقي الخاص بابن خميس الذي أصدرته الجزيرة هذا العام 1432هـ في سياق إصداراتها الثقافية، وجرى توزيعه في احتفالية رائعة في إطار شراكة مع النادي الأدبي بالرياض بمركز الملك فهد الثقافي يوم الاثنين 13-2-1432هـ ورد فيه مقالي متداخلاً مع مقال آخر دون الإشارة إلى اسمي، وكيف لهم أن يعرفوه وقد نشر باسم محرّف؟؟

وقد تواصلت مع الصديق العزيز والزميل الكريم الدكتور إبراهيم التركي مدير تحرير جريدة الجزيرة للشؤون الثقافية والمشرف على سلسلة إصدارات الجزيرة الثقافية، وبيّنت له ماحدث، فتفهم الموقف وطلب أن أكتب عن هذه الملابسات وأن يُعاد نشر المقال السابق، تصحيحاً لخطأ مر عليه عشر سنوات، وبياناً للتداخل الذي حصل بين مقال الأستاذ عبدالله بن سالم الحميد « قراءة في السيرة والذاكرة والشعر» المنشور في الصفحات من 195-211من الكتاب، ومقالي» الجنادرية تزف العريس..ابن خميس».

والحق أن السطرين الأخيرين من الصفحة 208، والصفحات 209-211 تتضمن مقالي كاملا المشار إليه سابقاً، وفيما يلي نص المقال كما كُتب عام 1422هـ.

ارتبط عبدالله بن خميس بالأدب والعلم ارتباطاً مبكراً حين كان يجلس إلى والده وهو ينشد الشعر وهو في سن لما تتجاوز الثامنة، ثم قاده حب العلم إلى الدراسة في الكتاتيب، ثم إلى المدارس النظامية فأكمل دراسته في دار التوحيد بالطائف، ومن ثم حصل على الشهادة الجامعية من كلية الشريعة بمكة المكرمة في وقت لم يحصل فيه العديد من أبناء جيله على الشهادة الجامعية.

وقد أنشأ وزملاؤه في دار التوحيد نادياً أدبياً وعهد إليه الزملاء برئاسة النادي، وفي مكة توسع نشاطه فبدأ في مراسلة الصحف والمجلات، وأشرف على طباعة مجلة اليمامة التي كان يرسلها الشيخ حمد الجاسر من الرياض.

وتولدت لدى ابن خميس الرغبة في إصدار مجلة خاصة به تُضاف إلى المجلات الأخرى، وهي قليلة على كل حال.

ويروي ابن خميس أن فكرة إنشاء مجلة كانت تلاحقه منذ فترة طويلة قبل أن يعمل مديراً لمعهد الأحساء العلمي..، وربما كانت مجلة « هَجَر» التي أصدر منها عدداً واحداً في الأحساء النواة الأولى لمجلة الجزيرة التي أصدرها فيما بعد، وبالتحديد في المدة من 1379-1383هـ.

ومن أتيح له الاطلاع على أعداد من مجلة الجزيرة يرى أنها لا تشبه ما يصدر حالياً من مجلات أدبية أو اجتماعية، بل أرادها أن تكون امتداداً للمجلات الأدبية الرصينة، كالرسالة والثقافة، خاصة مع ما نعرف من إعجاب ابن خميس الشديد بأحمد حسن الزيات ومجلته « الرسالة».

ومما يُحمد لابن خميس دعوته التي كرّرها في أكثر من موضع، وهي المطالبة بإنشاء وزارة للثقافة، فعندما سُئل مرة عن الحركة الأدبية في المملكة وصفها بالجيدة، ثم استدرك قائلاً: ولكنها لم تعط نتائجها الحقيقية المتوخاة المطلوبة؛ لأنها مشتتة ولم يجتمع شملها من خلال جهة واحدة، وضرب مثلاً بتوزع الجوانب الثقافية بين رعاية الشباب ووزارتي الإعلام والمعارف.

وفي مجال التأليف نجد أن عبدالله بن خميس يتجه في هذا الجانب اتجاهاً تراثياً، بمعنى أنه يغلب على مؤلفاته الاتجاه الموسوعي الشامل الذي لا يقتصر على تخصص واحد، وإنما يتسع ليشمل علوماً مختلفة، شأنه شأن زملائه المعاصرين له، كأحمد السباعي، وحمد الجاسر، وأحمد عبدالغفور عطّار، وأبي عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري، وغيرهم؛ ولذلك نجد لابن خميس كتاباً في الرحلات، وكتباً في الجغرافيا وتحقيق الأماكن، والأدب الشعبي، والتاريخ، إضافة إلى الشعر الفصيح الذي خصّه بديوان حمل اسم «على ربى اليمامة» .

وقد يبوح عبدالله بن خميس لقرائه بشيء من معاناته في التأليف، فكتابه «معجم اليمامة» أنفق في تأليفه خمس عشرة سنة حفلت بالتجوال في ربوع الجزيرة؛ ولذلك فهو أحب مؤلفاته إليه، يليه « الشوارد»، ثم « المجاز بين اليمامة والحجاز» .

ومن المواقف التي أثارت جدلاً في حياة ابن خميس، موقفه مما يسمّى « الأدب الشعبي»، فهذا الموقف بالذات أعطى لابن خميس انتشاراً بين دعاة الأدب العامي، في الوقت الذي تعرضت أفكاره الخاصة بهذا الأمر للتشويه المقصود أو غير المقصود؛ ومن هنا رأينا المتسرعين من خصومه الذين لم يتعمّقوا في قراءة أفكاره تجاه الشعر العامي يحملون عليه ويصفونه بأنه مناصر العامية وحامل لوائها، في حين ابتهج الشعراء العاميون ومحررو الصفحات الشعبية بما أبداه ابن خميس من أفكار وآراء وطاروا بها فرحاً دون التعمق في حيثياتها واستثناءاتها، وطاب لهم توسيع أفكاره وترديد قشورها دون لبها، وجعلوها حجة للاهتمام بالشعر العامي وتوسيع نطاقه وتدوينه وإفساح المجال للصفحات المتخصصة..بل للمجلات المتخصصة!

وسأقدم فيما يلي بعضاً من أقواله استناداً إلى مجلة العرب (الربيعان1404هـ)، لتتضح أفكاره. يقول عن الشعر الشعبي المعاصر: «الشعر الذي يُنشر حالياً على صفحات الجرائد أو نستمع إليه من أي مكان لا يسر ولا يبشّر بمستقبل ولا يرتبط مع الشعر القديم الشعبي برابطة تربطه قوية أو متينة تجعلنا نعتز به ونعتبره شعراً سليماً».

ويقول عن الموقف من الشعر العامي بشكل عام: «أنا لا أطالب بإحياء هذا الشعر وباتباعه وسلوكه وبنظمه وبالسير فيه، لكن أنْ أطالب بهدمه كما طالب به بعض من كتب فلا» .

فالواضح أن ابن خميس يعتز بالشعر الشعبي القديم الذي نُظم في زمن كان يُنظر فيه إلى هذا الشعر على أنه من أهم وسائل الإعلام والانتشار والتوثيق، فالشاعر في ذلك الوقت لا يتكلف قصة حب أو تجربة غير ناضجة ليكتب أبياتاً لا روح فيها، بل بالعكس كان يسعى إلى تدوين وقائع وأحداث مهمة لولاها لضاعت في ظل ندرة الكتّاب والمؤرخين.

أما الشعر العامي المعاصر الذي يدعو إليه الكثيرون مع انتشار التعليم وذيوع الفصحى فهو ترف ولا يسر، وهذا واضح من خلال النقول السابقة التي كشفت عن أفكار ابن خميس بجلاء.

وبعد، فتحية للمهرجان الوطني للتراث والثقافة (الجنادرية) الذي يتبنى كل عام تكريم شخصية سعودية رائدة لها حضورها ونشاطها، ونسأل الله أن يمد في عمر الشيخ ابن خميس؛ ليواصل مسيرته الأدبية الحافلة.

- أستاذ الأدب المشارك بكلية اللغة العربية بالرياض - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

aaah1426@gmail.com الرياض

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة