Culture Magazine Thursday  28/04/2011 G Issue 339
حوار
الخميس 24 ,جمادى الاولى 1432   العدد  339
 
رشيد الخيون لـ( المجلة الثقافية ):
هناك كذبة اسمها الحداثة وليست نظرية

الثقافية - عبدالمحسن الحقيل

الدكتور رشيد الخيون يحب أن يصف نفسه بأنه باحث عراقي ويرفض معطيات الفلسفة ومسميات التفكير، اهتم بشؤون التراث فناقش ونافس،

استغلت الثقافية حلوله ضيفا على مهرجان الجنادرية فكان هذا الحوار:

في البداية أود أن أسألك: من هو الدكتور رشيد؟

- باحث وكاتب عراقي... مهتم بشؤون التراث والفلسفة، أحاول بكل جهدي أن أقدم شذرات منيرة في التراث وأحاول ربطها بالحاضر والسبب أن مجتمعاتنا مبتلية بالماضي بلاء عظيماً ولذلك فأنا أرى أن هناك أملا بالماضي وليس هناك أمل في المستقبل فأنا لدي أمل بالماضي ومعنى ذلك أن مالدينا في الماضي ليس الإسلامي فقط بل تراث المنطقة الإنساني ما قبل الإسلام وما بعده وبجوانبه المتعدده الاجتماعية والسياسية وغيرها، فهناك عقول مرت على المنطقة وقدمت شيئا وأهملت، لذلك فأنا أسميه التراث المحجوب فمن الممكن أن أعمل على كتاب من هذا الجانب فهذا هو عملي.

أنت ترفض لقب مفكر.. لم؟

- لا أؤمن بألقاب مفكر وفيلسوف لأنها تجاوزها الزمن وليس هناك عمل اسمه التفكير لأن الطفل يفكر بل وحتى المجنون يفكر وهناك شاعر عمله الشعر وباحث عمله البحث وهكذا.

أزمة الفكر الإسلامي هل تعتقد أنها ساهمت في إيقاف الحضارة العربية؟

- لاغبار على الإسلام كعبادة فالعبادة هي مابينك وبين ربك ولكن هناك إشكال في المعاملات التي هي ما بينك وبين الناس وأيضاً القبيلة تكون عائقا للتقدم الاجتماعي.. لا أظن أن هناك اقتصادا إسلاميا أو علوما إسلامية لأنها كانت علوما تجاوزها الزمن وبعضها لم يتجاوزه وكل فكر يمكن أن يكون مأزوما والفكر الذي يبقى هو الفكر الحي الذي يمكن أن يستمر وتحدث الأزمة عندما يحدث تضاد بين الواقع وبين الفكر وجوانب التطبيق والأزمة طبيعية.

ماذا تعني بكونها طبيعية؟

- عندما لا نريد أن نجدد أو نخرج من زمن معين فالعبادة لا تجديد فيها ويمكن تطبيقها لكن عندما تصر على تطبيق فكرة ما هنا تحدث الأزمة.

إذن هي تقف أمام تقدم الحضارة العربية ؟

- نحن في عصر لابد فيه من التطور وقديما خرج المعتزلة ثم إخوان الصفا وفلاسفة ومفكرون منهم من قتل، فالواقع هو الذي ينتج الأفكار والغرب لم يتطور إلا بعد أن فك نفسه عن الماضي.

نحن نعيش تراجع العقل الفلسفي أمام العقل الإلكتروني. كيف ترى هذا المشهد؟

- أنا لا أعتقد أن هناك عقلا بشريا وعقلا إلكترونيا ولكن هناك علما إلكترونيا فهناك تخصص في العلوم وهناك أناس متخصصون في علم الإلكترون هم من اخترعه وطوره فهو يخدم الفلسفة من خلال نشر المواد وإيجاد حلول عبر معادلات الكترونية فهو نفسه نتاج فلسفي فمتى تم اكتشافه..بعد اكتشاف المادة ؟ صحيح أنه اكتشاف فيزيائي ثم إن اكتشاف أجزاء المادة والإلكترونيات وغيرها هي علوم، فالماركسية لم تكتشف إلا بعد اكتشافات علمية هائلة، مثلاً اكتشاف وحدة الخلية أو قانون الطاقة ووحدة الحركة والمادة مثل أن الحركة لا نهاية لها كما أن نظرية دارون أثرت بوجود فلسفة متطورة أقصد أن العلاقة بين العلوم والفلسفة علاقة جدلية دائماً أي أن العلوم تتطور يعني رؤيتك إلى الكون هي فلسفية ولكن كيفية اكتشاف الكون يكون عن طريق العلوم ومن ضمنها العلم الإلكتروني فأنا لا أجد هذا التناقض ولكن هذا التناقض ينشأ عند من لم يستفيدوا من الإلكترون نفسه.

في المشهد العربي والإسلامي العالمي الحالي ماهي القضايا التي يجب أن تشغل اهتمام الأديب والمثقف؟

- القضايا هي التي تفرض نفسها فليس أنا من يفكر أن هذه القضية يجب أن تشغلني اليوم بل هي التي تفرض نفسها أما القضايا التي لا تفرض نفسها فليس هناك حوافز للانشغال بها.

ظهرت في عالمنا الفكري والأدبي نظرية الحداثة. هل ترى أنها سقطت ولماذا؟

- هل هناك نظرية حداثة هذه أكاذيب فالحداثة والمعاصرة ومن تحدث فيها هي ترجمات لغربيين كمودرن وغيره

هل هي ترجمة حرفية؟

- نعم حرفية فليس هناك نظرية اسمها الحداثة هناك تطور اجتماعي طبيعي هذا التطور هو الحداثة وأنا لكي أعمل معه أوضده فعلى حسب قوته يعني أعطني مجتمعا من المجتمعات مهما كان غارقا في الماضي ألا يستخدم الإنترنت، هذه حداثة فكل هذه النظريات من وجهة نظري حداثة. أيضاً المعاصرة والأصالة كلها أكاذيب فما زال التراث العربي الشعري جذابا، هذه هي أصالة، إذا لم يكن جذابا فلن أطلع عليه لذلك استطاع الشعر الحديث أن يلبي حاجة معينة؛ لذلك وجد، كذلك القصة مسألة حركة اجتماعية فليس هناك تجاوزات على الوقت كل شيء في وقته.

هل تقول إن الشعر الحديث لا زال يملك القدرة على التواجد؟

- نعم هو يملك القدرة لذلك هو موجود.

هل هناك شاعر حديث يلفت نظر الدكتور رشيد؟

- الشعر الحديث علم للتسهيل أي أن ذاك البيت المرتبط بالوزن والقافية والموسيقى ماعاد ينتج فالقصيدة تغيرت ففي الشعر الحديث ممكن أن تعبر عن البيئة والطبيعة وهو أيضاً تأثير غربي صحيح فأنا أعتبر أن نثر أبوحيان التوحيدي أو الجاحظ هو جزء من شعريهما فقصيدة النثر هي جزء من النص خالية من السجع والموسيقى أحياناً وذلك تجده عندما تقرأ نصاً لأبي حيان التوحيدي أو الجاحظ فتجد الموسيقى كذلك في نصوص أبي العلاء المعري النثرية.

في عالمنا العربي والإسلامي نعيش سيطرة المقدس بالمفهوم العام للقداسة فهل هذه السيطرة محرض على التوقف والانغلاق أو هي محرض على الانفتاح والانطلاق؟

- هناك لاعبون يلعبون في هذا المقدس فالمقدس يفرض حالة روحية معينة على الإنسان ولكن عندما يستغل المقدس بحيث يفرض على الناس بطريقة ما فأنا لست ضد المقدس ولكن ضد أن يتحول المقدس إلى مشجع للخرافة بحيث لو تبحث وراء أي مقدس تجد أناسا يحاولون استغلال هذا المقدس لسبب سياسي أو ديني أو مذهبي فهذه السيطرة هشة. وأنا لا أقصد بالمقدس الله جل وعلا ولكن قد يكون هذا المقدس ماديا كفكرة من الأفكار أو ضريح من الأضرحة وذلك يعتمد على حاجة الناس النفسية.

أفهم من كلامك أن هناك أقاليم تتقبل أفكارا ترفضها أقاليم أخرى.. ماذا عن تقبل المجتمعات للعنف مثلا؟

- يرجع ذلك حسب البيئة والحاجة فأنا ضد أن يقال أهل الحجاز كذا أو أهل العراق كذا هذه تؤخذ صفات عامة ولكن العنف يرجع لأسباب اجتماعية أو دينية فلابد أن يكون لهذا العنف أسباب مثل العوز أو كثرة المعارك فيكون هذا العنف رد فعل لهذه الأمور.

لنأخذ العراق مثالاً. كيف ترى مستقبل العراق كإقليم تقبل العنف في فترة من الفترات ؟

- العراق لم يتقبل العنف بل رفضه ولكنه فرض عليه، فلو تأخذ الشعب العراقي البالغ عدده 25 مليون نسمة كم شخص يمارسون العنف ؟ تجد فقط ميليشيا بالآلآف فقط ولكن المشكلة عندما تجد 5 أو 10 يحملون السلاح فقد يسيطرون على مليون، والعراق كإقليم تعرض لحروب كثيرة وفترة حصار طويلة وصلت بها الثقافة حد التراب لأن الحصار هو أقسى حرب على العراق ثم الظلم السياسي والاجتماعي الذي وقع على الشعب من السلطة السابقة ذلك الحزب العنيف في ذلك الوقت حيث حاول السيطرة على الناس بالقوة ولم يسمح بأي حرية للفكر أو الرأي ووصل الحال بالناس إلى أن تقتل بسبب نكتة وأن تحاسب على النظرة ووصل الحال بالعائلة أن تخاف من أبنائها والزوج من زوجته وكان المجتمع تحت الكاميرا المخابراتية فعاش الناس في رعب ولكن المجتمع ليس عنيفا بل فرض عليه العنف لهذه الأسباب.

في مثل هذه الحال كيف تكون الحالة الإنسانية ؟

-كثير من الأفكار والآراء والثقافات تظهر في الأزمات وهذا المثقف الذي يظهر من هذه البيئة يظهر صلبا وقويا كما أن القصيدة التي تظهر من المأساة أو الأزمة تكون قوية فأنت ترى الفرق بين قصيدة الفرح والحزن لأن الحزن فيه وجدانية أكثر.. الآن يكون الأمر مغبراً وليس له ملامح ولكن بدأت تظهر ثقافة جديدة منفتحة فالشاعر ينظم القصيدة التي يريدها والرسام يرسم اللوحة التي يريدها بدون أي حساب ولكن الضغط الموجود الآن هو ضغط العنف الذي تمارسه الميليشيا وهي مجموعة مسلحة والدولة نفسها لم تتمكن من أن تكون عنيفة.

في أحاديث سابقة معكم تصرون دائما على الإشارة لرسائل إخوان الصفا ما الذي يعنيكم من هذه الرسائل ؟

- المجد الذي بناه ابن خلدون في المقدمة كتطرقه لقضية الطبيعة وغيرها أخذها من إخوان الصفا ولم يشر إلى رسائل إخوان الصفا أوأنه أخذ منها كما أشار للطبري والمسعودي عندما أخذ منهما. كما أنني أعتبر أن رسائل إخوان الصفا هي نقطة مضيئة بتاريخ الأسلاف فقد ظهروا في القرن الرابع الهجري - العاشر الميلادي وهؤلاء عندما تقرأ نصوصهم تجد أنهم ميزوا بين السياسة والدين وهذا أمر سابق لأوانه بالنسبة للمجتمع فقالوا مثلا الإسلام دين بمكة وملك بالمدينة وكان عندهم منحنى ليبرالي وكانوا يأملون بتأسيس دولة باسمهم خالية من الظلم وتحتوي على بعض الخرافات التي نحن لسنا بصدد الحديث عنها كما تحدثوا عن تطور المخلوقات وهم أول من تحدث عن علاقة عالم القردة بالناس وقد تأثروا بأفلاطون ثم جاء ابن خلدون بعدهم. فأنا أشير لهم بأنهم نقطة مضيئة يجب أن نتحدى بها تخلف الحاضر فأنت تحضر مقولة قبل 10 قرون فكيف بك أنت أيها المعاصر.. أيضاً المعتزلة بنفس الإطار وقد كتبوا بأسماء مستعارة كشفهم أبو حيان التوحيدي في كتابه أعتقد أنه المقابسات وكان متهما بأن يكون أحدهم ولكنه كان يتردد على أحدهم.

هل تقول إن ابن خلدون حتماً نقل نقلاً من إخوان الصفا ؟

- ابن خلدون حتماً تأثر تأثراً كبيراً بإخوان الصفا بل أخذ نصوصا منهم كقضية تدرج الطبيعة ولكن ليس معنى ذلك أن ابن خلدون رجل قليل الكفاءة بل هو رجل كفء كبير لكن ظلال إخوان الصفا بادية عليه.

مهرجان الجنادرية كيف ترى خدمته للحياة الفكرية والثقافية الإبداعية ؟

- بالتأكيد هو لا يخلو من هذه الخدمة الكبيرة أولاًعن طريق عقد الندوات وتقديم الأفكار بحرية والدليل أنني قلت بعض هذه الأفكار ونقلت عن طريق بعض الصحف والأمر الآخر هو لقاء المثقفين مع بعضهم فهناك مثقفون معي في لندن ولا ألتقي بهم إلا في الجنادرية وأدباء من العراق كذلك..فقد تكون هذه اللقاءات الهامشية أكثر جدوى وأهمية من اللقاءات المرتبة؛ لأن فيها إنتاجا سواء كانت بين الشعراء أو الأدباء فهو مهرجان لتقديم ما وصل إليه المثقف إضافة لما يكتب عنه، فهي عشرة أيام ثقافية قد تكون في المستقبل في حالة أفضل مما هي عليه الآن.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة