Culture Magazine Thursday  29/12/2011 G Issue 358
تشكيل
الخميس 4 ,صفر 1433   العدد  358
 
الحقيبة التشكيلية
رحل بعد أن سلم راية الفن التشكيلي لجيل جديد
محمد الصندل هادئ في حديثه مجلجل في إبداعه عشق الأحساء فكان لها وفياً
إعداد: محمد المنيف

رحل محمد الصندل كما رحل قبلة السليم والرضوي والغامدي والعبدان والعمير ومحمد سيام، هؤلاء السابقون ونحن اللاحقون تلك هي سنة الحياة والإيمان بالقضاء وبالموعد الذي لا يمكن لنا تأجيله بقدر ما علينا الاستعداد له، رحلوا وتركوا لنا الكثير من الحزن والكثير الكثير من الإنجازات الإنسانية، أما الأهم من هذا كله فهو في ما أبقوه من ذكرى لأخلاق كريمة وجميل معشر وصدى نبض قلوب مشبعة بالحب للجميع، نعم هؤلاء كانوا بيننا معلمين ومرشدين وموجهين، لا يشعرون بالمنافسة أو يتهيبون وجود أجيال شابة جديدة بقدر ما كانوا داعمين لها، كانوا معلمين في المدارس قبل أن يكرمهم الله بنعمة الشهرة وخيرات الموهبة التي منها حب الناس لهم وإعجابهم بما قدموه،.

وإذا كنا قد تحدثنا عن هؤلاء في وقت رحيل كل منهم باستثناء فقيدنا الصندل فإننا اليوم نستعيد بعضا مما يجب أن نذكره عنه مع الألم الموجع بأن ما تسطره الأقلام بعد رحيل من نحب لا تعادل ما كان يجب أن يقال عنهم في حياتهم، وهذا تقصير من أصحاب الأقلام ومن المحبين لهؤلاء ولغيرهم ممن افنوا حياتهم في العطاء الإيجابي خدمة للمجتمع دون أن نبرئ أنفسنا فنحن نتحمل النصيب الأكبر من التقصير باستثناء من بادروا وأشادوا بهم.

الصندل المتحدث الصامت

من لا يعرف محمد الصندل فهو معذور فالراحل - رحمه الله - ليس من أولئك الباحثين عن مواقعهم في الساحة التشكيلية، بأصواتهم العالية ومهاتراتهم العقيمة التي لا توازي ما قدمه هذا الفنان من إبداعات كانت ولا زالت أبلغ واقرب إلى وجدان وعقول جمهوره وللساحة من أصوات أولئك، كان - رحمه الله - يمتلك صفة الصمت المؤطر بالحكمة، ان تحدث فبهمس مسموع ومؤثر، وان سكت.. وهي أكثر حالاته عرف رأيه بما تحمله عيناه من قدرة على الإجابة التي يتبعها بالابتسامة التي لا تقل هدوءا من صمته، التقيت به في كثير من المناسبات، يحمل العتب المحبب دون إيذاء، ويطرح رأيه دون تشدد، يقبل الاعتذار، ويتحمل المواقف من الآخرين تجاهه بمحمل الظن الحسن والتماس عذرا من سبعين بابا من الأعذار، مع أن المواقف ضده قليلة، لقد أعيانا التعب في البحث عن صور لأعماله أو كتيب أو (بروشور) عن معرض من معارضه فلم نجد إلا ما ينشر أمامكم من صور مكررة في كثير من المواقع لشح الجديد منها. دليل على ما كان عليه الفنان من إيثار غيره على نفسه - رحمه الله -.

عطاء وانتماء

ولد - رحمه الله - في واحة الأحساء بين ماء وخضرة ووجوه كريمة ومجتمع محب للإبداعات مهما تنوعت يحمل شهادة معهد المعلمين عام 1385، وشهادة مركز الدراسات التكميلية، يعد أحد مؤسسي جمعية الثقافة والفنون، ورئيس لقسم الفنون التشكيلية أحد المؤسسين للجمعية في الأحساء منذ عام 1392، أسست فيها مرسماً أنتج الكثير من الشباب الذين أصبحوا اليوم فنانين يشار له بالبنان، كما أشرف على دورات فنية وتصميم كتيبات أنشطة الجمعية وإعداد الديكورات لمسرح الجمعية، عمل معلما للتربية الفنية وتجاوزها إلى تعليم الأخلاق عبر مادة هي الأجمل والأحب عند تلامذته تعلم أسس وأصول الفن عبر معلمين المعهد ثم اعتمد على نفسه واجتهاداته التي لم تنقطع إلا عندما اشتد به المرض، شارك في المعارض الفنية التي تنظمها فروع جمعيات الثقافة والفنون وأنشطة رعاية الشباب من عام 1393.

عشق الواقعية ورصد بها واقع الأحساء طبيعة وعادات وتقاليد ومهن يدوية وصناعات شعبية، أسهم بها في المعارض الخارجية في العراق عام 1396 والمغرب عام 1397 والجزائر 1411.

رائد المدرسة النفسية السلوكية

لن أجد ما يمكن أن أضيفه الى ما أبدع بوصفه الكاتب (أمين البو دريس) الذي أوقفني عند أجمل ما يمكن طرحه عن الراحل عند بحثي في مواقع الإنترنت لكل ما كتب عن الراحل، التي قل أن تجد منها ما يعطيه شيئا من حقه في هذه المادة التي نعتذر لكاتبها عن الاختصار تقديرًا للمساحة المتاحة لنشر هذا الموضوع.

يقول الكاتب أمين البو دريس: إذا ما سبق الهدوء اللّون فخير لك أن تسلّم بنضج غير عادي. هو، قادم - ولا ريب - ولما تكون إطلالة من تكون في ضيافته متزنةً يتحول لقاؤك به همساً؛ هؤلاء من البشر ممن تسبق ملامحهم جلّ كلامهم، تنظر من حولك فترقب ألواناً، تشكيلاً، بل فنّاً أصيلا، ويصبح ترددهم أكثر صحة من سائر من يعانون من أمراض الشخصية.

لأولئك تحمل كل شيء ذي قيمة. لا تدخر وسعاً في البذل كل أنواع البذل لأنهم الإيثار، وإذا لم تكن غير ذلك فستطبق عليك كفّارة “ نبي الله زكريا “ (ع).

قريحتك سترتل أعذب، وأصدق المشاعر “ الموضوعية “ لأنك بصدد حالات من الندرة بمكان أن تسجلها تقنيات العصر الحديث، وتختزل كل ذلك بالقول:

الفن إشراق الحياة ورفقها وذوو الفنون ملائكة أبرار

إنّ الزهور من التراب مثارة والفن من نفس الجمال مثار

لا تهملوا أمر الفنون فإنها لنهوضنا ورقينا معيار

جاء الصندل، محمد بن صندل قبل ستة عقود ليعاصر الروّاد على مستوى المدارس التشكيلية في هذه القارّة (المملكة العربية السعودية )، وشأنه شأن القلّة من أولئك الروّاد حين يأبى أن يرتضي بما جاء به قدره، بل الجموح لديه جعل منه أن يتجاوز الإطار النظري لمركز الدراسات التكميلية بالرياض الذي يعد الدارس ليصبح معلماً عامّاً للمرحلة الابتدائية فبحث، ووجد في الدورات العملية في التربية الفنية ضالته فضلا عن دراسته في معهد المعلمين بالأحساء والزيارات المسائية لمعلّمه عبد الوهاب المصري الذي يعتبر أول من قدّم إليه أنبوب الزيت عام: 1383هـ حيث كان الصندل يزاول الرسم بالأصباغ العادية، وكانت الانطلاقة بالجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون عام: 1393هـ.

اتخذ الصندل منهج الواقعية الممزوجة بالخطوط الحداثية، وحسبنا خصائص الفنان الذي ينتهج هذه المدرسة التشكيلية ليكشف، وبجلاء عن الصندل الإنسان ومنها استخدامه كل السبل الميسرّة التي توصل رسالة الفن التشكيلي إلى متذوقيه.

عمل الصندل على إنماء ملكة التذوق لدى أبنائه فكانوا بحق الباكورة للمدرسة النقدية لديه، ومن جملة ما اشتغل عليه الصندل البراعم من الأطفال، حيث يؤكد مقولة رائد المدرسة النفسية السلوكية الأمريكي “ جون واطسون “ John Watson: بأن يسلّم مجموعة من الأطفال فهو كفيل بإخراج المهندس، والمعلّم، والمجرم حسب التوجه السلوكي لمبادئ المدرسة النفسية الأمريكية، ويضيف الصندل بأنه كفيل بإخراج حتى الفنان أيضاً إذا ما سلّم له باكرا، وهذا ما يبرر المطالبات الحثيثة له لإقامة المراسم بالمدارس، وبفروع الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون على مستوى المملكة فكانت الترجمة مؤخراً، وعلى التحديد في: 16-3-1424هـ التي تتمثل في استجابة الرئاسة العامة لرعاية الشباب والرياضة حيث كلّفت كل فرع قائم على الفنون التشكيلية بفروع تلك الجمعية بعمل الموازنة الافتراضية لإقامة تلك المراسم.

ومما هو جدير بالطرح، المعاناة التي يجابهها الفنان التشكيلي على مستوى المملكة التي تتمثل في إقامة المعارض، وتحمل الأعباء الثقيلة في نقل الأعمال من منطقة لأخرى، وضرب الصندل بعض التجارب الحيّة للفنانين التشكيلي منها فقدهم للحوافز بنوعيها المادي، والمعنوي، وانتقاده ما يتم في بعض المسابقات المدرسية حيث الأعمال المحرّفة، التي تعنون بنتاج الأطفال، وهي في الجوهر معدلة مما يعتبر تجنيا واضحا على الملكات الخاصة برسوم الأطفال كالتخيل، والخطوط الحادة واللينة فالطفل ينصرف من خلال أعماله لينقلها من عالمه الداخلي لكل متفرج عطوف بدءا من أبويه ومعلمه، لكنه لا يحصد إلا السخرية من الأبوين - إلا ما ندر - والتحريف من معلمه وهذا من العوامل التي تشين مدنيتنا الفكرية مما تسهم بشكل أو بآخر في تدهور الحياة الاجتماعية للأطفال.

والصندل في تعريفه للفن التشكيلي لا يرميه بالحدود التي تعرف بفن الرجال، والنساء كل على حدة، وتجده يثمّن الخبرات النسائية على مستوى الفن التشكيلي إلا أنه يتحسّر على العمر الافتراضي القصير لتلك الخبرات، وهي نتيجة عوامل عديدة منها - على سبيل المثال لا الحصر - المحاذير الاجتماعية وما تشكله من قيود على تلك الخبرات، ونقص الخبرة، وضآلة حجم الممارسة لديهن، وبصدد ذلك أثنى على جهود بدرية الناصر في دعم الحركة التشكيلية السعودية، ووصف زهرة عبد الحميد أبو علي الإنسانة والفنانة معاً بأنها جعلت من تراب الأحساء نبعا تشكيليا تنهل منه أعمالها التي جسدت الذاكرة الأحسائية في أرقى صورها، وبجهود فردية تغبط عليها لأنها تتمتع بنفس طويل، وحس تشكيلي مدعم بالدراسة الأكاديمية، فهي تعد مدرسة في حد ذاتها.

لم يغب الصندل الفنان - قط - عن المعارض الفنية التي أقيمت في المملكة منذ انطلاقة المعرض الجماعي بمشاركة المريخي، عبد الرحمن والخميس، عبد الرحمن عام: 1394هـ برعاية سمو الأمير بدر بن عبد المحسن في مقر الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون - فرع الأحساء، ومعارض الأندية السعودية، والمهرجانات، والهيئات، والفعاليات التي أقيمت بالعراق، المغرب، والجزائر، شغل مهام رئاسة قسم الفنون التشكيلية بالجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون - فرع الأحساء ومحكماً على مستوى جامعة الملك فيصل، والرئاسة العامة لرعاية الشباب والإشراف على إعداد المعارض.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة