الاقتصادية عالم الرقمي مجلة الجزيرة نادي السيارات الرياضية الجزيرة
Monday 20th November,2006 العدد : 177

الأثنين 29 ,شوال 1427

وجوه شامية
من أصدقاء العمر الجميل - أحمد عسة
بقلم وريشة: د. صباح قباني

(الأفضل) و(الأجمل) هذا ما كان ينشده في كل عمل نهض به، وفي أي منصب أوكل إليه، أما (العادي) و(الوسط) وأمثالهما فكلمات لم تكن في قاموسه. كان يؤمن بأن الأمور يجب أن تكون دائماً من الدرجة الأولى لا غير، أما أية درجة تليها فلا اعتبار لها عنده.
ولكنه كان يعرف أن هذه الأولى المتميزة لا تأتي عفو الخاطر بل لا بد من بذل الجهد الفائق ومن التعلم المستمر للوصول إليها. كان يقتدي دائماً بعبارة ذلك الإمام الصوفي الذي قال:
(كلما تعلمت ازددت علماً بجهلي)
فحين كلف بإدارة الإذاعة السورية في أواخر 1949، قادماً من الصحافة، لم يكن لديه أي إلمام بالعمل الإذاعي. ولكنه سرعان ما انكب منذ اليوم الأول على تعلم تفاصيله ودقائقه وأسراره، وراح يجلس الساعات الطوال إلى العاملين في الهندسة الإذاعية ويتعرف منهم على كل ما له علاقة بأجهزة الصوت، والإرسال، والتسجيل، ومواصفات الاستديوهات، وأنواع الميكروفونات، وهوائيات البث الإذاعي، وأطوال الموجات والترددات.
وحين اكتملت معرفته بكل ذلك بدأ يعمل على الارتقاء بالإذاعة هندسياً وبرامجياً كي يجعل منها شيئاً مختلفاً عن حالها المتواضع الذي كانت عليه يوم تسلم مسؤوليتها، فقد كانت قوة إرسالها ضعيفة لا تتعدى بضعة كيلو - سايكلات ولا يغطي صوتها سوى دائرة محدودة من سورية، وكانت ميزانيتها ضئيلة حتى إن مكتبتها الموسيقية لم تكن تحتوي إلا على بضع أسطوانات قديمة تتكرر وتعاد على مسامع المستمعين مرات ومرات.
وفي أقل من سنة تطورت الإذاعة على يدي أحمد عسة تطوراً سريعاً ومدهشاً. ولما قوي إرسالها وأصبح صوتها يغطي الوطن العربي بكامله وعدد من أقطار الاغتراب، عكف على أن يجعل منها لا مجرد أداة بث عادية، بل مؤسسة ثقافية وفنية تستقطب البارزين من أهل الفكر والفن، وترعى المواهب الجديدة وذلك عندما لم يكن في سورية حينذاك وزارة للثقافة ولا معاهد للتمثيل والموسيقى تعنى بهذه الأمور.
وفي عهده كان للإذاعة السورية الدور الأكبر في إطلاق إنتاج الأخوين عاصي ومنصور رحباني وفيروز، وفي اكتشاف وتقديم عبدالحليم حافظ قبل أن تعرفه أية إذاعة عربية أخرى.
ولما ترك الإذاعة، وكانت في ذروة تألقها، وعاد إلى الصحافة التي هي حبه القديم، أصدر عام 1954 جريدة (الرأي العام) التي كانت بقطعها الصغير وصفحاتها الأربع إنجازاً متميزاً في الصحافة السورية والعربية. كانت مثل جريدة (لوموند) الفرنسية جريدة رأي يترقبها قراؤها من مثقفين وسياسيين ليتعرفوا من تحليلاتها الدقيقة على معنى الأحداث وإلى أين تتجه بوصلتها.
أحمد عسة نجح في كل ميدان اشتغل فيه لأنه كان يتعلم أولاً ثم يعمل.
الصفحة الرئيسة
فضاءات
نصوص
حوار
تشكيل
الملف
الثالثة
ابحث في هذا العدد

ارشيف الاعداد
للاشتراك في القائمة البريدية

للمراسلة


توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الى admin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت

Copyright 2003, Al-Jazirah Corporation, All rights Reserved